ترد عبارة خاصّة في مشرقنا العربي، بمعنى العزيمة غير المؤكدة، (الدعوة) غير الخالصة والتي لا يريدها صاحبها ولا يريد تحققها أصلاً، ولربما أُلْـجِئ إليهــــــا محرَجــاً مضطــــــرا مُكرَهــا، فيقال:
دعاهُ دعوةَ رفْعِ عَـتَـبٍ ...
(المقصود هنا الدعوة، وليس الدعوى، وهي المسماة عزيمة، من العزم والتأكيد على المدعُـوّ لحضورها وتلبيتهـــا).
هو لا يريد أن يدعوه أصلاً كما أسلفنا ولكنه اضطرَّ فوجَّهَ إليه دعوة غير وثقى
(عزيمة عشت) كما يسميها الحورانيون، وأصل التسمية من قولهم(أدعوك، أو تفضل) فيقول المدعوّ: عشت وتسلم وشكرا، وانتهى الموضوع.
ولربما أطلقوا عليها عزيمة( طرد العذر)، أي منعا للمعاتبة مستقبلا..
وقد وجدت نظير هذه الدعوة في الجذور العربية، وهو العَرْضُ السَّابريّ ، والسابري من الجذر الثلاثي( س ب ر).
والسبر في الأصل التفحص، سبر الشيء فحصه، والثياب السابرية عند العرب هي
الرِّقاقُ؛قال ذوالرمة:
فَجَاءَتْ بِنَسْجِ العَنْكَبُوبت كأَنَّه،***على عَصَوَيْها، سابِرِيٌّ مُشَبْرَقُ
وكُلُّ رَقيقٍ: سابِرِيٌّ.
وعَرْضٌ سابِرِيٌّ: عرض رقيق،ليس بمُحَقَّق. لا يراد تحقيقه وانما هو لطرد العذر ورفع العتب فقط.
وفي المثل: عَرْضٌ سابِريٌّ؛ يقوله من يُعْرَضُ عليه الشيءُ عَرْضاً لايُبالَغُ فيه لأَن السابِرِيّ من أَجْود الثيابِ يُرْغَبُ فيه بأَدْنى عَرْض؛قال الشاعر:
بمنزلة لا يَشْتَكِي السِّلَّ أَهْلُها،***وعَيْشٍ كَمِثْلِ السابِرِيِّ رَقِيقِ
وفي حديث حبيب بن أَبي ثابت: رأَيْت على ابن عباس ثوباً سابِرِيّ اًأَسْتَشِفُّ ماوراءه. فكلُّ رقيق عندهم: سابِرِيٌّ، والأَصل فيه الدُّروع السابِرِيَّةُ منسوبةإِلى سابُورَ، كما نظن.
الثياب السابرية رقيقة، والدعوة السابرية رقيقة سطحية غير عميقة ولا أكيدة، والأصل في مشرقنا الكريم المضياف أن نؤكد على العزيمة (الدعوة للوليمة) فلا نتركها رقيقة سطحية بل ندعمها ونتعمق بها داعين إلى تحقيقها وتلبيتها.
وأعود فأؤكد أن السابري هنا ليس منسوبا الى الجذر (س ب ر) بل إلى الدروع السابرية، ولكن بينهما مصاهرة لغوية جذوريّـة، لأن الجذر (س ب ر: سبر) يقال فيه جذوريا:
السَّبْرُ: التَّجْرِبَةُ.
وسَبَرالشيءَ سَبْراً: حَزَره وخَبَرهُ، ولكن بعد تحرٍّ وفحص واختبار.
واسْبُرْ لي ماعنده أَي اعْلَمْه.
والسَّبْر: اسْتِخْراجُ كُنْهِ الأَمر.
والسَّبْر: مَصْدَرُسَبَرَالجُرْحَ يَسْبُرُه، ويَسْبِرُه سَبْراً نَظَر مِقْدارَه وقاسَه لِيَعْرِفَ غَوْرَه، ومَسْبُرَتُهُ: نِهايَتُه.
وفي حديث الغار: قال له أَبوبكر: لاتَدْخُلْه حتى أَسْبُرَه قَبْلَك أَي أَخْتَبِرَه وأَعتَبِرَه وأَنظرَ هل فيه أَحد أَوشيء يؤذي، وفعلا دخل الصدِّيق الى الغـار قبل الحبيب الشفيع فسَـبَـرَهُ وتأكد من خلوِّه مما يؤذي.
والمِسْبارُ والسِّبارُ: ماسُبِرَ به وقُدَّرَ به غَوْرُ الجراحات؛ والمسبار الفضائي اليوم مركبة ترسلها وكالات الفضاء للاختبار والاستطلاع.
وعَرْضٌ سابِرِيٌّ: رقيق،ليس بمُحَقَّق.
وفي العودة إلى المثل: عَرْضٌ سابِريٌّ؛ يقوله من يُعْرَضُ عليه الشيءُعَرْضاً لايُبالَغُ فيه، لأَن السابِرِيّ من أَجْودالثيابِ يُرْغَبُ فيه بأَدْنى عَرْض؛ قال الشاعر: بمنزلة لا يَشْتَكِي السِّلَّ أَهْلُها،***وعَيْشٍ كَمِثْلِ ا لسابِرِيِّ رَقِيقِ
فالسلعة السابرية الجيدة تُرغب بدون دعاية بل بمجرد عرضها تُشْترى، وكذلك الدعوة الى وليمة مرغوبة، ولذلك يحرص صاحبها أن تكون دعوته سطحية لرفع العتب فقط، أو طرد العذر, وهي (عزيمة عشت) والله أعلم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين .