مازال البعض يطبق الفقه بمفهوم ذكوري في التغافل لحقوق المرأة ونحن على أعتاب نهاية النصف الأول للمئة الأولى من بعد ١٤٠٠ هجرية.
هذا العصر بكل حضارته وقيّمه الفكرية والمعرفية والثقافية والعلمية وللأسف مازال هناك عاجزون عن فهم نصوص القرآن حسب معطيات عصرنا وزماننا وذلك رغم وجود علماء ومفكرين.
على أن التنزيل الحكيم قد ساوى المرأة بالرجل في جميع الشعائر الدينية قال الله تعالى في سورة الأحزاب : ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدَّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً) …
هذه المساواة في التكليف وفي الصفات هي منهج القرآن ولاتفضيل للذكور على الإناث إطلاقاً إلا في مفهوم البعض كما اشرت سابقاً. حيث يرونه من مخرجات تضع المرأة في مكان دوني وتحت طبقة الذكور ليكون وصياً عليها ويتحكم فيها كيفما يشاء ولو بلغت من العمر عتيّاً ،،!! فهي تبقى ( قاصراً ) في نظر اولئك البعض من واقع اجتهاداتهم. في حين اننا نرى في سورة النساء ، آية (نشوز النساء) من قوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليّاً كبيراً ) هذه الآية أخذ البعض يعتقد طبقاً لرؤيته توظيفه لغرض رؤية احادية ولم يأخذها جميعها بل أخذ مايناسبه! ولأن الله تعالى هو العدل فقد كان كلام القرآن دقيقاً ولكن بالمقابل هناك آية أخرى لايذكرها البعض ولاهي موجودة حتى في قوانينه وهي قوله تعالى : ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كلّ الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيما) …..
فهل بعد كلام الله تعالى وقرآنه كلام آخر ؟؟؟
أنا لا أتكلم عن التصرفات الفردية للزوج فقد يكون في قمة الأخلاق وقد يكون فاقدا لها ، ويتصرف كلاهما حسب القانون الموضوع من قبل السلطة التشريعية .
ماذا تفعل المرأة التي هي كالمعلقة والله تعالى نهانا عن تركها معلقة ؟
قد يستمر الخلاف بين الزوجين سنين طويلة ويبقى زواجهما حبرا على ورق …هل تظل الزوجة رهينة تحت عبودية واستعباد زوج وهمي حاقد يتحين الفرصة لإذلالها بما اتاه من سطوة ؟
وهل الشرع ظلم المرأة ؟
وهل الأب أو الأخ أو ابن الأخ أو ابن الأخت ليس بمَحرَم ؟
أسئلة برسم الإجابة ،،، أوجهها للمسؤولين عن تعديل القوانين في الأحوال المدنية حسب مقتضيات الزمان والمكان وهذا معترف فيه فقهياً وإلا لو بقينا على قوانين كانت تمارس من سنين طويلة على أناس عاشوا قبلنا لما ركبنا سيارة ولاطائرة .
وفي هذه المقالة بداية سلسة من المقالات حول حقوق المرأة في القرآن وهو أصدق الحديث وفوق ماقاله كلّ فقيه ولكن اليوم أتكلم عن إشكالية (المَحرَم) للمرأة ونحن في عصر الحضارة والحضارات .
إحدى الصديقات كلمتني وهي حزينة فسألتها عن السبب فقالت : ذهبت إلى المطار برفقة والدي للسفر خارج المملكة وعند الوصول للجوازات فاجأنا الموظف بأنه لابد من حضور الزوج للحصول على تصريح السفر فقال لهم والدي : أنا أبوها أنا مَحرَم لها ،، فقالوا: هذه قوانين ….
هذا القانون الذي وضعه المشرعون حسب (الفقه الذكوري) فلماذا مازلنا نطبقه في القرن الحاضر ؟ ولما هذا القانون لم يراع ظروف المرأة بأنه قد يكون زوجها (ناشزاً) أو حصلت بينهما ظروف قاهرة فلا طلاق ولاهي في زواج إنما معلقة … ! أين حقوق هذه المرأة في تشريعنا ؟ ولماذا مازالت المرأة تعامل بقانون الاستعباد من قبل زوج ظالم ! والمرأة ليس لها الحق بحريتها؟ .
قصة أخرى روتها لي إمرأة متزوجة اختلفت مع زوجها (المدمن) فطردها من البيت وذهبت لتقيم عند أخيها في بيته واضطر أخوها للسفر وأن يأخذ أخته معه ولايتركها بالبيت لوحدها ، وفي المطار طالبوهما بموافقة الزوج فقام الأخ بالإتصال بزوجها يرجوه أن يوافق فقال له الزوج (المدمن) حرفياً : والله أنا الآن مُفلس حولي لي في حسابي عشرة آلاف ريال وأنا آتي الى المطار أعطيكم التصريح …. !!!
ولو احتج البعض على اعتراضي !! فتعالوا لحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاء عنه : ” لما روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) .
وقد اتفق الفقهاء على تحريم سفر المرأة دون مَحرَم ؛ إلا في مسائل مستثناة ، منها سفرها للحج الواجب ، فمنهم من أجاز سفرها له مع الرفقة المأمونة ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ” قال البغوي : لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو مَحرَم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت . وزاد غيره : أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يُبلغها الرفقة ” انتهى ،، من “فتح الباري” .
وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم واضح وضوح الشمس أولا قال : ( إمرأة ) وهذا يعني بالغة شرعاً متزوجة وغير متزوجة ،، وثانياً قال : ( ذي مَحرَم ) والمَحرَم هو الأب والأخ والزوج والأبن وابن الأخ وابن الأخت .. أليس هذا شرعاً ؟ وثالثاً أن الرسول الكريم شرع هذا لأهل زمانه حيث قطاع الطرق والسباع والهوام فلابد للمرأة في ذلك الزمان من وجود مَحرَم يخاف عليها ويحميها.
قوانين المرأة في فقهنا الشرعي تحتاج إلى مراجعة بالاستناد على آيات الكتاب والتنزيل الحكيم الذي حفظ للمرأة حقها كما حفظ للرجل حقه ،،، كلمة أطلقها للمنصفين العادلين والخاشعين والصادقين والمؤمنين والمسلمين في مجتمعنا ، وللحديث بقية ….