الاستقالة التي تقدم بها رئيس مجلس إدارة محطة "فوكس نيوز" التلفزيونية الإخبارية "رودجر ايلز" من منصبه، الشهر الماضي، على خلفية اتهامه من إحدى مقدمات البرامج بالتحرش الجنسي بها، فجرت جدلا واسعا داخل المجتمع الأمريكي حول معاناة المرأة الأمريكية في أماكن العمل والدراسة، ووسائل المواصلات من التحرش والاعتداء الجنسي.
ليست هذه هي المرأة الأولى التي يتورط فيها مسؤولون كبار وساسة في فضائح من هذا النوع، فقد سبقها الفضيحة المشهورة للرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون" مع إحدى المتدربات في البيت الأبيض. وفضيحة قاضي محكمة العدل العليا الأمريكية "كلارنس توماس" عندما اتهمته مساعدته "أنيتا هيل" بالتحرش بها، والاتهامات التي وجهت إلى "دوف تشارني"، الرئيس التنفيذي السابق لسلسلة متاجر الملابس الأمريكية “أمريكان أباريل”، والذي أقيل من منصبه في عام 2014م بعد سلسلة من شكاوى مماثلة. واستقالة الرئيس التنفيذي لشركة هيوليت باكارد مارك هيرد في عام 2010م في أعقاب اتهامات مماثلة(1). الأمر الذي يسلط الضوء على انتشار وتوسع ظاهرة التحرش حتى أصبحت كالوباء، على الرغم من الحرية الجنسية التي يتمتع بها المجتمع الأمريكي.
المرشح الجمهوري دونالد ترامب سأل في وقت سابق هذا الشهر، ماذا ستفعل إذا تعرضت ابنتك "إيفانكا ترامب" للتحرش في مكان العمل، فأجاب: "أود أن أعتقد أنها سوف تجد مهنة أخرى، أو ستعثر على شركة أخرى إذا كان هذا هو الحال"، هذه الإجابة قوبلت بانتقادات شديدة، حيث اعتبرت أنها تسليم بالأمر الواقع لتفاقم هذه الظاهرة، الأمر الذي سينتهي بترك النساء لأماكن عملهن وحياتهن المهنية(2).
في دراسة مسحية، نشرتها صحيفة هافينغتون شملت 2253 موظفة أمريكية تعمل بدوام كامل أو جزئي أعمارهن بين (18- 34) عاما، أكدت الدراسة أن واحدة من كل 3 نساء يتعرضن للتحرش الجنسي في أماكن عملهن(3)، وتتعرض ما لا يقل عن 23 بالمئة من طالبات الجامعات الأمريكية للتحرش الجنسي، بحسب مسح أجرته رابطة الجامعات الأمريكية في حرم 27 جامعة عبر البلاد. ووصف نائب الرئيس جو بايدن ظاهرة التحرش الجنسي في الجامعات بالـ"وباء"(4).
ويعتقد أن الأعداد أكبر بكثير من هذه الإحصاءات؛ وذلك نظرا لأن كثيرات يخجلن من التصريح بتعرضها للتحرش أو تخشى من أن تفقد وظيفتها. تقول ''مايا راغو"، مدير المساواة في أماكن العمل في مركز القانون الوطني للمرأة: "معظم اللاتي يتعرضن للتحرش الجنسي لا يصرحن بذلك خوفا من فقدان وظيفتهن أو نتيجة لحرصهن على صورتهن في أعين أصدقائهن وزملائهن، الأمر الذي يقرض ضرورة عدم ترك المسألة دون حل"(5).
تفاقم ظاهرة التحرش الجنسي لا يقتصر على المجتمع الأمريكي فقط، بل إنها منتشرة في المجتمعات الأوربية بصورة قد تكون أكبر وأخطر من المجتمع الأمريكي، فقد دعت الحكومة الفرنسية لإطلاق حملة وطنية لمكافحة التحرش الجنسي والاعتداء الجنسي في وسائل النقل العام، بعد دراسة أجرتها الحكومة في منطقة باريس، أظهرت أن مائة في المائة من النساء اللاتي يركبن وسائل النقل العام (الحافلات أو القطارات) يتعرض للتحرش الجنسي. وأكدت الدراسة أن "جميع الإناث اللاتي يستخدمن وسائل النقل العام كن ضحايا للتحرش الجنسي أو الاعتداء الجنسي (6).
وأفادت نتائج البحث الذي أجرته مؤسسة الرأى "ايبونيون" لصالح هيئة الإذاعة الوطنية بالدنمارك: أن واحدا من كل ستة أشخاص بالغين بالدنمارك يتعرضون للتحرش الجنسي يوميا. وفى المجمل قال 17% من المشاركين في الاستطلاع إنهم يتعرضون للتحرش الجنسي بصفة يومية (7).
ووفقا لمسح أجرته وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية، فإن ثلث النساء في الاتحاد الأوروبي شهدن عنفا جسديا أو جنسيا منذ بلغن سن 15 عاما، وقال 55٪ من العينة التي أجريت عليهن المسح: إنهن في كثير من الأحيان كانوا يتعرضن للتحرش الجنسي في أماكن العمل.(8)
لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بعد عرض هذه الإحصاءات، لماذا تتفاقم ظاهرة التحرش الجنسي في الغرب على الرغم من الحريات الجنسية والتثقيف الجنسي؟ (9)
للإجابة على هذا التساؤل نسوق تجربة أجراها شاب مسلم يدعى "كريم" في شوارع مدينة نيويورك، حيث جعل صديقة له تمشي في شوارع نيويورك لمدة 5 ساعات، وهي ترتدي ملابس عادية، ثم جعلها ترتدي الحجاب وطلب منها أن تمشي في نفس الأماكن لمدة 5 ساعات أخرى، وقام بتصوير ردود الأفعال في الشارع دون أن يلفت انتباه المارة أنه يقوم بتصويرهم.
وكانت النتائج التي سجلتها كاميرته هو تعرض الفتاة أثناء ارتدائها زيا مثيرا لعشرات الحالات من التحرش والمعاكسات أثناء سيرها، في حين عندما ارتدت الحجاب لم تتعرض لحالة تحرش واحدة (10).
ما نريد قوله: إن الزي الذي ترتديه الفتاة له دور رئيس في التشجيع على التحرش بها، وهذا ليس مبررا للمتحرشين، لكن الزي له دور كبير حتى في أكثر المجتمعات حرية وانفتاحا.
الباحثتان "كيم ك ف جونسون" و"جين إ. ركمان " في جامعة مينيسوتا قامتا بعمل دراسة حول الملابس وعلاقتها بالتحرش الجنسي على 200 طالب وطالبة (98 من الذكور، 102 من الإناث) وتم استخدام نوعين من الملابس في الدراسة أحدهما مثيرة، والأخرى محتشمة، وأكدت الدراسة أن النساء اللاتي يرتدين ملابس مثيرة، أكثر عرضة للتحرش من النساء اللاتي لا يرتدين هذا النوع من الملابس(11).
في اليابان ذكرت صحيفة اليابان تايمز أن نقابة للمضيفين الجويين اعترضت على زي للمضيفات قررت شركة "سكاي مارك" إلزام المضيفات بارتدائه؛ نظرا لأنه يكشف أجزاء من ساقهن مما يعرضهن للتحرش والمضايقات في أماكن عملهن بصورة كبيرة، معتبرين أن هذا الزي الجديد يهدد سلامة المضيفات، الأمر الذي يتعارض مع "المادة 73-3 من قانون الطيران المدني" والتي تحظر أعمال إعاقة سلامة(12).
هذه الشهادات تؤكد أن الزي المحتشم، يحافظ على المرأة ويمنع عنها العابثين، وهذا يفسر لنا حرص الإسلام على ارتداء المرأة للحجاب، نعم هناك محجبات قد يتعرضن للتحرش، لكنها تظل نسبة قليلة جدا إذا قارنها بالمرأة التي تتكشف. إن المرأة التي تحرص على إبراز مفاتنها؛ وتستعرض مسالك عورتها وتفاصيل أنوثتها مقبِلة ومدبِرة، إنها – مع الأسف - تعرض لحمها وكرامتها للناس، لكل الناس!
إن الحجاب يصون المرأة من سماع كلمات ساقطة، من شباب ساقط ويحافظ على جسدها من لمسات كل فاجر، وهو رمز لعفتها وكرامتها، كما أنه يحافظ على المجتمعات من أن تتحول إلى حالة من الفوضى والحيوانية الجنسية التي تهدد المجتمعات الغربية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإحالات:
(1)انظر Sexual شharassment still a reality in the workplace على الرابط
http://www.usatoday.com/story/money/2016/07/07/your-company-may-not-have-good-handle-sexual-harassment/86816478
(2) انظر Donald Trump's advice to Ivanka about sexual harassment tells you more than you'd think، على الرابط http://www.independent.co.uk/voices/donald-trump-sexual-harassment-comments-ivanka-what-they-tell-you-a7170431.html
(3) انظر In 3 Women Has Been Sexually Harassed At Work, According To Survey 1 على الرابط http://www.huffingtonpost.com/2015/02/19/1-in-3-women-sexually-harassed-work-cosmopolitan_n_6713814.html
(4) فرنس برس، نحو ربع الطالبات في الجامعات الأمريكية تعرضن للتحرش الجنسي، على الرابط
http://www.france24.com/ar/20150922-
(5) انظر Sexual harassment still ، مرجع سابق.
(6) انظر per cent of Frenchwomen 'victims of sexual harassment on public transport100' على الرابط http://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/europe/france/11545643/100-per-cent-of-Frenchwomen-victims-of-sexual-harassment-on-public-transport.html
(7) انظر واحدة من ثلاث فتيات بالدنمارك تتعرض للتحرش الجنسى يوميا، موقع اليوم السابع، على الرابط:
http://goo.gl/QQFLHT
(8) انظر Violence against women: One-third of EU women affected – survey ، على الرابط http://www.bbc.com/news/world-26444655
(9) استفدت في هذا الجزء من المقال بشكل كبير، من حلقة المبدع "حسام عبد العزيز"، ضمن سلسلة بالعقل والتي كانت بعنوان "كيف تحمين نفسك من التحرش؟" وقام ببثها على قناته على اليوتيوب، يمكن الاطلاع على الحلقة من خلال هذا الرابط :
(10) يمكن الاطلاع على هذه التجربة المثيرة من خلال هذا الرابط :
(11) انظر Clothing and Attributions Concerning Sexual Harassment ، على الرابط :
https://www.researchgate.net/publication/229673336_Clothing_and_Attributions_Concerning_Sexual_Harassment
(12) انظر: Crews' fury at new stewardess uniform that barely covers their bottoms and is an open 'invitation to sexual harassment' على الرابط :
http://www.dailymail.co.uk/news/article-2578369/New-miniskirt-stewardess-uniform-condemned-cabin-crew-union.html