أعلنت منظمة اليونسكو عام 1997 إعتبار الـ 23 من شهر آب/أغسطس من كل عام يوماً دولياً لذكرى الإتجار بالرقيق الأسود وإلغائه، والاحتفال بهذا اليوم لا يقتصر على تكريم جميع الضحايا والإشادة بمقاومتهم للرق، بل تشمل أيضاً الدعوة إلى إحقاق الحق وتحقيق العدالة وإقامة الحوار بين الشعوب.
وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" الى كلمة المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا بهذه المناسبة لعام 2016 حيث قالت :"أحدث تاريخ الإتجار بالرقيق الأسود سيلاً من السخط والقسوة والمرارة لم ينضب حتى الأن. ويمثل هذا التاريخ سجلاً للشجاعة والحرية والإعتزاز بالحرية التي أستعيدت، تتلاقى فيه كل الإنسانية، بما فيها من ضلال ونبل. ولعل طمس هذا التاريخ أو نسيانه يمثل خطأً وجريمة".
وبالرغم من إلغاء الإتجار بالرقيق الأسود إلا أن مظاهر الرق التقليدية والحديثة ما زالت موجودة ومنتشرة بمختلف بقاع العالم، فالعمل القسري كالعمل سداداً للدين أضيف له أشكالاً جديدة كعمل المهاجرين وإستغلالهم إقتصادياً أو العمل في مجال الإستعباد المنزلي والبناء وبعض الصناعات وحتى في الدعارة القسرية. وكذلك الحال بالنسبة لعمل الأطفال الذي حرّمته الإتفاقيات الدولية خاصة إتفاقية حقوق الطفل والذي يعتبر إستغلالاً إقتصادياً للأطفال وحرمان لطفولتهم ، وتشير بيانات منظمة العمل الدولية الى وجود طفل عامل من بين كل ستة أطفال.
من جهة أخرى وحسب تقرير مؤشر العبودية الثاني والصادر عن مؤسسة Walkfree الأسترالية فإن حوالي 35.8 مليون شخص يواجهون حالياً أحد أشكال العبودية الحديثة، ويجبرون على القيام بأعمال معينة كقطف القطن وزراعة القنب الهندي وممارسة الدعارة والمشاركة في حروب أو تنظيف منازل الأثرياء، كما أن هنالك عدداً اكبر تقدر نسبتهم بحوإلى 20٪ مستعبدون في العالم وفقاً لمفهوم العبودية الحديثة الذي يشمل الزواج القسري وبيع الأطفال أو إستغلالهم وتهريب الأشخاص والعمل القسري.
كما جاء بتقرير مؤشر العبودية الثاني أن طفل/طفلة من بين كل خمسة أشخاص ضحايا العبودية، وتقريباً نصف الضحايا هم من النساء والفتيات، وأن أغلبية الضحايا يتم الإتجار بهم من قبل أشخاص يعرفونهم ويثقون بهم، وتبلغ العائدات غير القانونية للعبودية حوالي 150 مليار سنوياً.
واضافت "تضامن" بأن العبودية الحديثة تساهم في إنتاج ما لا يقل عن 122 سلعة من 58 دولة، وأن الأردن إحتل المرتبة 57 من بين 167 دولة شملها التقرير، الذي أكد على وجود نحو 31 ألف شخص في الأردن يعانون من العبودية الحديثة التي تشمل الإتجار بالبشر، والزواج القسري، وبيع الأطفال وإستغلالهم.
ويشكل الإتجار بالبشر المظهر القديم الجديد الأكثر إنتهاكاً لحقوق الإنسان لا بل يضرب بالكرامة الإنسانية في جذورها ويعتبر وصمة عار على جبين المجتمع الدولي ، ويقصد به : " تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة او استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعاطاء او تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الإسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء". وفي هذا الإطار لا تكون موافقة ضحية الإتجار بالبشر على الإستغلال محل إعتبار في الحالات التي يكون قد أستخدم فيها أي من الوسائل الذي بينت فيما سبق".
وتؤكد "تضامن" على أن النساء والفتيات يشكلن ما نسبته 70% من ضحايا الإتجار بالبشر ، وذلك وفق ما جاء بالتقرير العالمي عن الإتجار بالأشخاص الصادر عام 2014 عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وأن الضحايا بشكل عام يحملون 152 جنسية في 124 دولة حول العالم، وأن حوالي 90% من دول العالم تجرم الإتجار بالبشر.
كما أكد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 63/156 لعام 2009 حول الإتجار بالنساء والفتيات على ضرورة مواجهة الإتجار بالنساء والفتيات لأغراض الإستغلال بكافة أشكاله عن طريق تكثيف جهود الحكومات والمجتمع الدولي ومؤسسات المجتمع المدني للتصدى ومواجهة تزايد تعرض النساء والفتيات للإتجار والإستغلال ، ووضع برامج وسياسات تثقيفية وتدريبية ، وحث الحكومات من أجل التوقيع والمصادقة على الإتفاقيات والبروتوكولات الدولية ذات العلاقة.
واشارت "تضامن" الى أن الأردن إتخذ خطوات كبيرة لمنع الإتجار بالبشر حيث أصدر عام 2009 القانون رقم 9 "قانون منع الإتجار بالبشر" وصادق على البروتوكول الإختياري المكمل لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية للعام 2009 ، كما شكلت اللجنة الوطنية لمنع الإتجار بالبشر التي أعلنت الإستراتيجية الوطنية بهذا الخصوص عام 2010 ، وأفتتح أول دار إيواء لضحايا الإتجار بالبشر من أجل تأمين الحماية والإيواء وتقديم الرعاية لهم بمختلف جوانبها.
وعلى الرغم من الجهود المحلية والدولية ، فإن "تضامن" تطالب بزيادة تفعيل وتبسيط الإجراءات لمنع إرتكاب جرائم الإتجار بالبشر خاصة وأن أغلب الضحايا هم من الفئات الضعيفة ، وزيادة الوعي بين النساء والفتيات خاصة العاملات المهاجرات وتشجيعهن على الإبلاغ عن أية إنتهاكات لحقوقهن وإستغلالهن مادياً وجنسياً وإستعبادهن منزلياً ، كما تطالب "تضامن" بالتعريف بوسائل الحماية التي تتوفر لهن على المستوى المحلي والدولي ، والى الوقوف بحزم من خلال الإجراءات العقابية أمام الشركات والمؤسسات التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق النساء بشكل خاص.