تعتبر المرأة الموريتانية معززة مكرمة في مجتمعها وهذه المكانة جعلتها تنفرد بخصوصيات لا تتمتع بها نظيراتها من النساء العربيات، فهي محظوظة في كون الطلاق لا يعد انتقاصا منها فمثلاً عندما تطلق المرأة عادة ما يكون هذا الحدث في البلاد العربيَّة حدثًا مأساويًا، في موريتانيا يحدث العكس حيث تحتفل المرأة المطلقة عمومًا، وكأنه تعبير عن أن ما حدث ليس انتقاصًا من كرامة المرأة ولا امتهانًا لها, بل أكثر من ذالك قد تطلق عدة مرات ولها الحق - اجتماعيا - في مغادرة بيتها والعودة إلى بيت أهلها، وهذا ما يؤدي بالزوج إلى الذهاب إليها واسترضائها لأن غضب النساء أو الإساءة إليهن ليست من المروءة أو كريم الخلق الذي تفرضه العادات والتقاليد الموريتانية....
وترجع هذه العادة كما يرى الباحث محمد محمود ولد سيدي يحي مؤلف (كتاب المجتمع الفضفاض) إلى أن المجتمع الموريتاني مجتمع أمومي حيث يرتبط بتقاليد قديمة كان فيها الزوج ملزما بالانتقال للإقامة مع أهل زوجته..
غير أن هذا لم يمنع مئات الموريتانيات من المطالبة بإيجاد حل لمشكل العنوسة ضاربين عرض الحائط بكل التقاليد والأعراف التي يمليها المجتمع الموريتاني مؤكدين على ضرورة تدخل رئيس الجمهورية شخصيا لحل هذا المشكل الذي بات يؤرق مضاجعهم بل أكثر من ذالك نشر صورهم على الشبكة العنكبوتية ومطالبتهم بتعدد الزيجات في مجتمع محافظ كانت المرأة تتجنب تسمية الرجل فيه باسمه متخذة مايسمى بشعر النساء أو (التبراع) للبوح بما يجول في خاطرها...عن الحب..
وقد شحنوا كلامهم من خلال العبارات التالية: (المرأة الصالحة للرجل الصالح إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)....معللين كلامهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بالدين فقط... (فأضاف الخلق وهذه درجة عالية إذا تحصلت المرأة على رجل ذو أخلاق ومتدين فلا تخاف بإذن الله لأنه يتق الله فيها وفي أولادها سواء كانت الثانية أو الثالثة أو الرابعة; لا تتزوجي الرجل من أجل جماله أو ماله أو ضحكته ولكن قدمي الأخلاق والدين تسعدي)..
وهذا الكلام يشعرك بما تتعرضن له من ظلم الأهل وعائلاتهن ومجتمعهن ليكونوا من نصيب أبناء عمومتهن فقط حتى وان كان المتقدم للزواج مجتمعة فيه جميع صفات الرجل المثالي للزوج الصالح...
ناهيكم عن غلاء المهور المجحفة التي جعلت عشرات الرجال يهاجرون للخارج للتوفير المال ولو بعد عشرات السنين التي تجعلهم مقبولين عند النساء...
الفساد استفحل والمجتمع ضاع وترهل.. والسبب هو عدم معالجة الأسرة الإعلامية والدولة والعلماء و الوجهاء لهذا الداء العضال المنتشر في المجتمع...
وليس أدل على هذا من لجوء النساء الموريتانيات إلى مواقع التواصل الاجتماعي كملاذ للبحث عن عريس من خارج جبة التقاليد.
وشككت بعض الموريتانيات في الطرق المتوارثة في الزواج، إذ لم تعد القبيلة معيارا في عالم تطغى المادة فيه على غيرها من القيم...
وتركت الانترنت تأثيرا كبيرا في المجتمع، لاسيما لجهة الحرية التي تمنحها وإمكانية تكوين علاقات واسعة للبنت، دون أن يكون للأهل رقابة عليها وهنا تكمن الخطورة حيث أن عالم الانترنت لا حدود له ولا أخلاق..
إن التقنيات المرئية تلعب دورا بالغ التأثير في تبليغ الرسالة بما تملكه من جاذبية وسائطها المتعددة في الصوت والصورة والحركة وبذالك اتسعت الساحة أمام هذه الوسائل على نحو لا عهد للبشر به من قبل. وهذا الامتداد سيغير أذواق الناس وأنماط تفكيرهم...
وللأسف فان شبابنا اتخذ الجانب السلبي من هذه الوسائل بتحريك غريزة الجنس وتحطيم في المقابل كل الآداب المرعية في هذا المقام، مما جعل سلوك بعض الناس ـ من كبار وصغار- يتجاوز بخطوات السلوك الجنسي لبعض البهائم. وهذا ناتج عن تأثير ملايين المواقع الجنسية أو(البهيمية) إن صح هذا التعبير..وشحذ هذه الغرائز بواسطة الموبايل ومواقع التواصل الاجتماعي كالوات ساب والفيس بوك والتويتر.....
ولا أرى أن هذا الخيار سيأتي بفارس الأحلام الملياردير الذي قد ﻻيأتي ابدا... بعد رد الكثير من الرجال طالبي الحلال..
ويرجع عزوف الشباب عن الزواج ﻻسباب متعددة بعضها قبلي وبعضها مادي وبعضها اجتماعي...
لقد اخترع المجتمع الموريتاني نظاما اجتماعيا متكاملا قاعدته القبيلة، وقد نشطت المهارات الإبداعية في هذا المجال فاخترعت ضمانات أخلاقية، واجتماعية، للحيلولة دون تلاشي هذه العادات فمثلا: ابن فلان، ومن قبيلة كذا ..وعبارات (وخْيراتْ، ووْرخَستْ) أخذت بعدا جديدا في العرف الموريتاني ولعل كلمة (وخْيراتْ) لما تبعثه في شخصية الموريتاني هي الدافع الأساسي الذي حمل المجتمع على عدم التنكر لهذه العادات، وهذا ما يفسر وجود عدد كبير من الناس في بيت كل موسر من سكان المدن الموريتانية، وقد يصل الأمر إلى حد تضرر الشخص ماديا وأدبيا بسبب التكاليف الباهظة التي يجرها عليه تواجد هؤلاء حوله. ومع ذلك تأبى عليه تلك الروابط أن يبدر منه أدنى تبرم، لأن ذلك يعتبر ضعفا في المروءة وروح الشرف (أمْحيلي).
إن روح الشرف المرتبط بقيم البطولة والإباء والحكمة هي الدافع إلى التضحية لصالح المجتمع والباعثة على التنافس الخلاق ( التفاييش) وهذا الأخير أخذ في وقتنا الراهن شكلا سلبيا بحيث إذا اجتمعت جماعة من الناس من طبقة اجتماعية معينة، في السعي لتحقيق غاية، واستطاع أحدهم أن ينالها، فإن الأفراد الآخرين سيستسهلون الصعب حتى يفعلوا مثله...
وهذا لا ينسينا الجانب السلبي للتصرف النابع من هذه الروح، ذلك الجانب المتمثل في عناية مفرطة بالمظهر...
إن فكرة ضرورة الظهور بمظهر الند أو المثل جعل كثير من الناس يعيشون فوق طاقتهم. تصور: شباب وشابات في عصر الزهور هم الواحد منهم هو:اقتناء آخر موديلات السيارات والموبايلات والسهر طوال الليل حتى أنهم استبدلوا ليلهم نهارا ونهارهم ليلا...
متمسكين بعادات وتقاليد أوجدها العرف أصلا أكثر من تمسكهم بتعاليم دينهم، مع أنها تتنافي مع الحياة الحضارية والدين ونحن إلى جانب هذا غير مقتنعين بها، لكن الخوف من النقد، والخروج من المألوف، وما تواضع عليه المجتمع، هو الذي يجعلنا نرضخ لها..
وهناك طابور ثالث متحكم لا هو أنثى ولا ذكر.. يشحذ همم هؤلاء نحو مزيدا من الضياع إلى عالم المجون...
وقد تولد عن هذا كله صورا إدراكية وقيما ونماذج سلوك جديدة أبطالها: الشخصيات السينمائية، ونجوم الموضة، ومقولاتها: المغامرة، والحرية الفردية، وغاياتها: الحياة والسعادة، والمتعة...الخ
وهذه الصور ونماذج السلوك أضحت من مكونات تفكير شبابنا الذي ينشد لدى كتابه ومفكريه مستوى من المبادرة والجد والإخلاص, ولونا من الكتابة المباشرة التي تعيش عصرها وأفكاره وتطلعاته, فإذا هم لا يزيدون على مضغ حكايات الأولياء, واجترار بضعة خيالات محلقة في سموات التيه, ومجابهة الواقع الصارخ الملح بما يميعه في وعى الجماهير, ثم يسرح بها بعيدا بعيدا, في أحلام الماضي وتصوراته..لينشغل ببيان الانجازات التي حققها السلف بدل البحث عن وسائل تمكن من تطوير ما قدم الأجداد..
ان ارتفاع المهور، وتكاليف حفلات الزفاف، والأثاث، وارتفاع أسعار الذهب والعقارات والشقق السكنية، وغيرها من متطلبات الزواج...جعل الأمر يزداد صعوبة...والمتضرر الأول والأخير هي المرأة الموريتانية مربية الأجيال...
إلى ذالك سبق لي كتابة مقالا بعنوان:هل يشجع رئيس الجمهورية فكرة الزواج الجماعي حاولت من خلاله أن أبين للرئيس العوائق التى تواجه الشباب المقبل على الزواج وأولها ارتفاع تكاليف المهور...وقد تزامن المقال مع زواج أحد بناته على اعتبار أن الشباب أبنائه مطالبا بضرورة الزواج الجماعي وتخصيص صندوق لدعم وتشجيع الشباب على قرار الكثير من الدول العربية والإسلامية..الرابط.
http://aqlame.com/article18631.html
واذا كان هذا الطرح يعتبر حلا جزئيا لهذا المشكل الذي أصبح يؤرق المجتمعات العربية عامة ومجتمعنا خاصة فإنني آمل من الكتاب والعلماء والوجهاء بأن يدلوا بآرائهم حتى نستجيب جميعا لنداء المرأة الموريتانية بعد أن تكررت مناشدتها لرئيس الجمهورية في التدخل لإنقاذها من العنوسة!!!