كبرت وكلمات جدتي "آمنة" الله يرحمها ما زالت "تطنطن" في أذني عن الظل والحيطة، لكني لم أدرك وقتها أني سأضطر إلى حساب مساحة الظل في حياتي -إي والله- تماماً كما في دروس الرياضيات التي تتناسب تناسباً طردياً مع قوامي، فكلما برز هذا القوام ستسمعين -شئتِ أم أبيتِ- عن أهمية الظل، كنت أسمعها تقول: لا غنى للمرأة عن رجلها، مروراً بـ"ظل راجل ولا ظل حيطة"، حتى كَبُرَ رأس أخينا الرجل الكبير خلقة، ونفش ريشه علينا، وبات كالطاووس يحتاج مقصاً كبيراً يعيده لوضعه الصحيح.
جداتنا اللائي عشن كما في قصص "ألف ليلة وليلة" أورثننا مفردات لا لون لها ولا طعم، مفردات لا تليق إلا بزمان الوصل بالأندلس.
ومع ذلك فأنا لا ألوم جداتي فيما كانوا عليه من تبعية عمياء للرجل، فقد تربين على أنهن خلقن لتقديس الرجل لحاجتهن إليه مادياً ومعنوياً.. عصر كانت المرأة فيه ظلاً تابعاً ومُهمشاً وكائناً للامتطاء فقط.
لكن لماذا نتحدث عن عصرهم وكأن الطاووس شاخ الآن؟ ولماذا سيستنتج بعضهم من حديثي هذا أني لا أريد للمرأة أن تقترن برجل؟ ستجيب ثلة من القوامين أن المرأة هي من حاربت لتنال استقلالها وتتخلى عن الظل، متجاهلين الفرق بين الذكورة المكتسبة والرجولة، وكم من رجل ليس له من رجولته إلا اسمه؟! وكم من امرأة لم تقترن حياتها برجل وقد عاشت مستقلة بذاتها ناجحة بكل المقاييس دون أن يكون خلفها "حيطة" قائمة ولا حتى حيطة مائلة، وما أكثر الحوائط المائلة الزائدة عن الحاجة في يومنا هذا!
كل هذا إلا أني -وهو ما لن يعجب بعض الفيمينيست- أكاد أجزم استحالة تخلي الجنسين عن حاجتهما الفطرية لبعضها بعضاً، كما لا يمكننا التخلي عن القول بأن الرجل مكمل للمرأة لبناء هذه الحياة، ولكن إذا كان المكمل غير مكتمل فلِمَ المُجازفة بحياة إنسانة مع (ذكر) لا يعرف أي معنى للحياة الزوجية سوى إشباع ذكوريته وينتج عن هذا الزواج كارثة مجتمعية ضحيتها الأبناء؟!
عزيزتي، من المعلوم في مجتمعاتنا العربية أن موضوع الزواج أو الاقتران بـ"ظل" موضوع شائك ومعقد، ولا نستطيع أن نخوض فيه دون أن يحتج علينا أحد؛ لأننا نحب دائماً أن نخفي ما نفكر به، ونظهر على السطح الصورة الوردية لما يجب علينا أن نكون، لكن هل إحدانا مستعدة لأن تدفع ثمن سياسة مجتمع أجبرها على قبول أول طارق للباب، بحجة رجل تستظل به؟ وكأنه عليها القبول حتى لا يفوتها القطار، كما يقال، وتعيش حياة بائسة تنهشها العنوسة التي تُرعب كل فتاة. يا إلهي كل هذا الكم من المصطلحات والثقافات البالية!
حتى أختصر فكرتي دعونا لا نكذب على أنفسنا مهما تبجحنا بغير ذلك، بشأن العرف السائد بيننا، الذي بدوره يعرف الفتاة بأنها همّ أبدي منذ ولادتها، مروراً بشبابها إلى يوم زواجها وحتى الممات، ويمتد هذا الهم حتى يصل إلى ما بعد زواجها، فإن كبرتِ في السن ولم تتزوجي فأنتِ هَم، وإن تزوجت وتأخر إنجابك فأنتِ هَم أكبر، وإن لم تنجبي ذكراً فأنتِ هم أبدي!! فأقترح عليك ألا تجازفي بحياتك من أجل ثقافات ما أنزل الله بها من سلطان.
رفقاً بنفسك، فالزواج ليس فريضة، بل سُنة الله في خلقه يرزقها من يشاء، فلا يكون هدفاً تصبو إليه، ولا يكون هدف الأباء بأن يلقوا بأرواح عزيزاتهم إلى ظل التعاسة، حوّلي ظل الحيطة إلى لوحة، وارسمي ما شئتِ من الأحلام، وإذا لم يكن هناك ظل لرجل عقلك وأحلامك فكوني أكيدة أن ظِل الحيطة أفضل بكثير!