كانت رائحة الياسمين تتسلل بلطف داخل الحجرة من النافذة المفتوحة والمطلة على أرض الديار الدمشقية العتيقة. وكان ذلك يعطي شعورا عميقاً بالأناقة والهدوء، ولك أن تتخيل طعم فنجان القهوة الرائع في هذا المكان الساحر بالأخص بين حبيبين تزوجا للتو بعد قصة حب دمشقية بريئة لجارين لا يفصل بيتاهما العربيين العريقين سوى روزنا صغيرة وجدار واحد. الحب في دمشق جميل لأنه يستمد جماله من جمال تلك المدينة العريقة في القدم. الحب في دمشق منعش كصباحيات تلك المدينة المليئة بروائح الياسمين. الحب الدمشقي رائع كمسائيات الربيع في دمشق مدينة الخير والجمال.
في حي من أكثر أحياء مدينة الياسمين عراقة وجمالا نشأت قصة الحب الدمشقية بين أمين وياسمين الجارين الملاصقين والذين تربط أسرتيهما علاقة جوار وطيدة لدرجة أنه يكاد يجزم الغريب أنهما أسرة واحدة. لامس الحب شغاف قلبي أمين وياسمين بسبب نظرة خاطفة ومفاجأة تبادلاها صدفة ولم تتكرر لأن الدمشقيون جداً محافظون ويستحيل أن يهتك الجار ستر جيرانه بل يعتبر نفسه مسؤولاً عن حماية كل بيوتات جيرانه وكما تعلمون أيضاً فإن الدمشقيون لا اختلاط بينهم أيضاً إذ هناك في البيت مكاناً مخصصا للرجال ومكانا مخصصا للحريم (الحرملك ).المهم. أشعلت تلك النظرة الخاطفة جذوة الحب بين الجارين الشابين لدرجة أنهما ما عادا يستطيعان النوم بل لقد كان كل واحد منهما يحتسي قهوة الصباح وحيداً في حجرته بدلا من مشاركة العائلة وشربها بجانب البحرة في أرض الديار.
بالطبع شعرت كل من أم أمين وأم ياسمين بالتغيرات على ابنيهما ففاتحاتهما بالموضوع ولم يستطيعا كتمان ذلك. فما كان من أم أمين إلا أن تزور جارتها أم ياسمين لتحتسي فنجان من القهوة وتفاتحها بالموضوع. رحبت أم ياسمين وأعطت كل أنواع الترحيب والكلام المطمئن. لتعود أم أمين بالخبر وتبشر ولدها بالخبر الذي زاد من شوقه وأرقه في الوقت ذاته. وما كان من أم ياسمين طبعاً إلا أن تخبر زوجها بمجيء الجارة وخطبة الفتاة. لتقع المفاجأة كالصاعقة على قلب ياسمين فتحطمه تحطيما (والله يا أم ياسمين نسب جارنا أبو أمين بشرفنا. بس للأسف أنا عاطي كلمة لرفيقي أبو لطفي وغدا لنفصل النقد ---؟)تغيرت كل ملامح ياسمين سقطت أرضا لم تعد تشعر بالأشياء حولها ذبلت الياسمينة في ناظريها. كل شيء أصبح يبدو باهتا.
وفي اليوم التالي عرف أمين (أنه لم يحدث نصيب )فأصيب بالذهول والذبول
ورغم كل المحاولات التي بذلتها أم أمين إلا أنه من المعيب أن يرجع الرجل في وعده. لذلك زفت ياسمينة الدار إلى بيت زوجها لطفي ذابلة ذاهلة لا طعم لها ولا لون ولا رائحة وتعيش عاما من الحزن مع زوجها لطفي كئيبة حزينة وتودع الحياة بعدها على أثر وعكة صحية مفاجأة أصابتها في نفس الوقت تماماً الذي غادر فيه أمين دار أمه وأبيه إلى الدار الآخرة ويدفن الحبيبان بقبرين لصيقين ويكتب على قبريهما (حب الياسمين الدمشقي )وتنطبع قصتهما في ذاكرة الأجيال إلى يوم الناس هذا.