قهر المرأة عرض مستمر، هي في العموم الحلقة الأضعف اجتماعيًا، ترزخ تحت تاريخ طويل من التهميش والإقصاء، يخوض الرجال الصراعات المتتالية على جسدها، فهو لدى البعض «رجس ودنس» يستحق الطمر من الرأس حتى أخمص القدم، فيما يريد البعض الآخر نزع تلك الأسمال من على تلك «الجوهرة الثمينة»، ولو عنوة.
الجمعة الماضية، خطب رجل دين في بني سويف محذرًا النساء من ارتداء «الجينز والباديهات»، فهو بعقليته الدينية المغلقة رأى أن تلك الملابس تتسبب في سرطان الرحم والثدي، حسبما نشر في عدد «المصري اليوم»، السبت، بينما كان رجل الدين هذا «يهرطق» بتلك السخافات من على منبر رسمي، كانت معركة رسمية أخرى تشتعل في الأوساط الفرنسية، وتتجاوزها إلى الفضاء العالمي كله، العلمانية الفرنسية تتراجع في رأى البعض بعد قرار حظر زي البحر الإسلامي المعروف بـ«البوركيني»، فيما تحرز انتصارًا ولو بسيطًا على الرجعيين في رأى البعض الآخر – أغلبهم للأسف من المثقفين. وفي الحالتين غاب صوت المرأة عن أمر يخصها، اختصره رجال في حناجرهم.
لم أفهم حتى الآن علاقة «البوركيني»، بالنوازع المتطرفة في فهم الدين لدي بعض الأوروبيين، ما دفع الحكومة الفرنسية إلى حظره على الشواطئ، أيعني هذا أن ارتداء «البكيني» سيقضي على الإرهاب؟ ويصبح «داعش» ذكرى سخيفة مرت كسحابة سوداء على سماء العالم. باليقين لا. كذلك لم أستوعب حتى الآن كيف لخطيب معتمد من وزارة الأوقاف أن يتجاسر بحماقة ويزعم أشياء غير حقيقية، ويلبسها رداءً دينيًا. أيعني هذا أن السرطان سيختفي بمجرد اختفاء الجينز. باليقين لا.
نحن في الحالتين إزاء معركة أيديولوجية بين طرفين، لا يجمعهما إلا الجور على حق المرأة والتفكير نيابة عنها، وإجبارها على التنفيذ، بالقانون حسب الحالة الفرنسية، أو بترويج الأكاذيب في حالة خطيب الأوقاف في بني سويف.
في حالة بني سويف، لا يدان الخطيب بقدر ما تدان الدولة التي تركت المنابر الرسمية لكل من هب ودب، وهذا الخطيب بالتحديد حظه عاثر، لأن الآلاف غيره من الخطباء في القرى المصرية يقولون أكثر من ذلك كل جمعة، لكن لا يوجد صحفي يسجل وينشر ليعرف الناس ما يدور من مجتمعهم، لكن في الحالة الفرنسية الدولة تتحرك باتجاه قمع بعض مواطنيها بفرض منظومة قيمية تخالف ما يعتقدون، لذلك كان حكم مجلس الدولة الفرنسي بتعليق قرار الحظر انتصارًا لمبادئ العلمانية الفرنسية العريقة.
أثناء متابعة الحرب الحامية على جسد «البوركيني» بين المؤيدين والمعارضين، تساءلت لماذا لا تدفع الحكومات بقوانين تحمي المرأة من الاستغلال و«التسليع»؟ ربما كان مشهد البوركيني مزعجًا للبعض، لكن باليقين مشهد سيدة عارية تتلوى على سيارة في إعلان ترويجي أشد إزعاجًا، لماذا تصبح المرأة في الحالة الثانية حرة وفي الأولى مستعبدة؟. في الحالتين المرأة أسيرة قوى متحكمة تهيمن على عالمها، سواء كان رأس المال في الإعلانات أو آراء رجال الدين على الشواطئ، في الحالتين المرأة ضحية هيمنة ذكورية ترى جسدها «حلبة نزاع».