عادة لا تهتم مهرجانات السينما العالمية بالأفلام العربية إلا إذا ناقشت قضايا جريئة بالمنظور الغربي، لا الشرقي المحافظ، فما بالك لو كان فيلم سعودي وبطلته تكشف شعرها، ويتحدث عن قصة حب بين شاب وفتاة، وهروبهما من قيود هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
الفيلم السعودي "بركة يقابل بركة" ليس جديدا وظهر منذ بداية العام الجاري، حين عرض في مهرجان برلين في شباط/فبراير 2016، ووصل الإقبال الشديد على مشاهدة الفيلم لحد بيع كافة التذاكر، وحصوله على جائزة مستقلة ضمن فعاليات المهرجان
وينافس حاليا في مهرجان هونج كونج للسينما، وقد رشحته إدارة مهرجان تورنتو في كندا للمشاركة في الدورة 41 خلال الفترة 8 – 18 أيلول/سبتمبر 2016.
أما الجديد والملفت فهو وصول شهرة الفيلم لحد أنه سينافس في القائمة الأولية لجائزة أوسكار الأمريكية كـ "أفضل فيلم أجنبي"، باعتبار أنه أول دراما رومانسية يتم تصويرها في المملكة التي كانت تحظر حتى وقت قريب عرض الأفلام السينمائية.
وهذه هي المرة الثانية التي يشارك فيها فيلم سعودي في المسابقة الأمريكية بعد فيلم "وجدة" من إخراج وتأليف السعودية هيفاء منصور الذي ترشح للأوسكار كأول فيلم سعودي عام 201، ولكن نقاد سينمائيون يرون أن حظوظ "بركة يقابل بركة" أفضل لأنه يتناول القصة الرومانسية من منظار غربي.
وسيتم الإعلان عن الفائزين في مسابقة الأوسكار الـ89 في 24 كانون الثاني/يناير 2017. وسيقام حفل توزيع الجوائر في 26 شباط/فبراير القادم.
قصة الفيلم
الفيلم هو أول أعمال الكاتب والمخرج محمود الصباغ يقدم نموذج للعلاقات العاطفية في المملكة وما يواجهها من تحديات بطريقة كوميدية في صورة قصة لشاب "بركة" – الذي يؤدي دوره الممثل هشام فقيه – موظف حكومي من جدة يلتقي "بيبي" فتاة بالتبني لزوجيين ثريين (تجسدها الممثلة فاطمة البنوي) وتدور بينه وبين الفتاة العصرية المعروفة على مواقع التواصل الاجتماعي قصة حب.
ويحكي الفيلم "الكوميدي الدرامي" قصة شاب سعودي بسيط (بركة) يعمل في وظيفة عادية في بلدية جدة، يتلقى دروسا في الأداء المسرحي، حيث يتدرب لتقديم دور نسائي في مسرحية هاملت، والبطلة تحمل أيضا اسم (بركة).
ويقع الشاب في غرام الشابة الجميلة التي لها جيش من المعجبين على مواقع التواصل الاجتماعي، كونها "فاشينستا" تقدم آخر صيحات الموضة والماكياج لبنات جنسها، ويحاول الاثنان اللقاء للمواعدة في جدة بالسعودية من دون جدوى.
وبينما يسعيان للقاء تقع مواقف كوميدية وهو يحاولان تفادي الاحتكاك مع الشرطة الدينية، فيتحايلان على ذلك بشتى الطرق في المجتمع السعودي المحافظ، وينتهي بهما الأمر إلى لقاءات قصيرة محفوفة بالمخاطر والكوميديا، حيث يظهر الفيلم تحايل الاثنين على التقاليد والعادات، مستعينين بوسائل الاتصال الحديثة والطرق التقليدية للتواعد.
محظورات
ما يجعل الفيلم يلقي كل هذه الضجة برغم أن السعوديين لم يروه بعد ولم يطلعوا سوى على برومو الفيلم (الكليب الدعائي) التشويقي المعد بشكل جيد، أنه يتضمن العديد من المحظورات.
إذ تظهر بطلة الفيلم بشعرها، وتظهر في إحدى اللقطات وهي تقود السيارة مبالغة في التنكر كرجل لتلقي الاضواء على معاناة المرأة السعودية مع منعها من قيادة السيارات، كما يناقش الفروق الطبقية الواضحة بين عائلة الشاب البسيطة وعائلة الفتاة الغنية.
ربما من المحظورات أيضا أن بطل العمل هشام فقيه اشتهر في السعودية لتقديمه أغنية تنتقد منع قيادة المرأة للسيارة في بلاده، نشرها على يوتيوب في العام 2013 تحمل عنوانNo Woman .. No Drive، بينما فاطمة البنوي البطلة تقف للمرة الأولى أمام الكاميرا وبشعرها لا بالحجاب.
أما القضية الاهم فهي أن السعودية لا تسمح عرض الأفلام في القاعات العامة، حتى ولو سعى محمود الصباغ مخرج الفيلم لعرضه في السعودية كما يقول، وسيقتصر الامر على ميسوري الحال ممن لديهم سينما خاصة في بيوتهم، فالسينما العمومية الوحيدة تعرض فيلما وحيدا وهو حج بن بطوطة إلى مكة.
ومع هذا يقول الصباغ الذي درس صناعة الفيلم في نيويورك في تصريحات إعلامية: "سنحاول جهدنا لعرض فيلمنا لأنه يتزامن مع الخطاب الرسمي للإصلاح والاستماع إلى الجيل الصاعد، ونحن نحاول جس النبض وإحداث التغيير"، حسب تعبيره.
وقال الصباغ في تصريحات صحفية: "هذا الفيلم يدور حول الأمل في إحداث التغيير، وحتى في ظروف صناعة الأفلام الأكثر تحديًا، يجب أن يكون هناك صوت يمثل قصص الناس العادية في المملكة العربية السعودية".
ويري نقاد عرب أن فوز الفيلم بجائزة في مهرجان الاوسكار وغيره من المهرجانات الغربية قد يكون فاتحه ووسيلة أخري للضغط يلجأ اليها مؤيدو التغيير وفق رؤية 2030، خاصة أنه يتزامن مع القيود على هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويشيرون لسعي الجهات الغربية لإفساح المجال والفوز لمثل هذه الأفلام التي تواكب الدعوات الغربية لإلغاء القيود المحافظة مثل منع النساء من قيادة السيارات، ما قد يفسح المجال مستقبلا لعرض وإنتاج افلام مشابهة في المملكة.