منذ صغري وأنا ألاحظ وأقرأ عن دور المرأة الفاعل قديماً وحديثاً في مجتمعها، وكيف أنها سطّرت نجاحاً واضحاً في معظم مجالات المجتمع، والشاهد على قوة طاقة المرأة أمثال: مارغريت تاتشر (المرأة الحديدية) التي استطاعت النهوض باقتصاد بريطانيا خصوصاً، وأوروبا عموماً، وروزا باركس (السيدة الأولى للحقوق المدنية) التي ناضلت من أجل حقوق السود في أميركا، والكثير من أمثال هؤلاء النساء اللواتي تركن بصمات لهن في مجتمعاتهن، إذن لا أحد يستطيع أن ينكر دور وطاقة المرأة الفعّالة في المجتمعات.
ولكن سؤالي هنا الذي أصابني بالحيرة عندما تحاورت مع تساؤلاتي، أنه على الرغم من هذا القدر من الثقة والإيمان بطاقة المرأة، فإنني أُلاحظ البعض من الرجال في مجتمعي -أيّاً كان (أباً، زوجاً، أخاً)- لا يعطي مجالاً للمرأة بأن تشارك وتفجر طاقاتها المكنونة بداخلها في المجتمع بحُجة الغيرة!! في الحقيقة، الذي دفعني لكتابة هذا المقال هو حواري مع (ربة منزل) متخرجة في كلية التجارة، ولا أخفي عليكم كم كان حواري معها حواراً مثمراً يبرُق بالرقي والثقافة.
بعد ذلك سألتها إن كانت تعمل أم لا، فقالت برضا: زوجي لا يسمح لي بالتفاعل أو المشاركة في المجتمع؛ لأنه يغار عليّ!!! حينها لم أستطع أن أقول لها شيئاً حتى لا ألعب دور المحرض على زوجها، ولكنّي تمنيت لها السعادة مع هذا الزوج، لكن حقيقةً، قصتها قادتني للتفكير بمن يغار على زوجته حتى يصل ذلك إلى منعها من المشاركة الفاعلة في المجتمع، وهنا لا نعني بالضرورة أن تشارك المرأة خارج البيت بنفس ساعات الرجل لأي نوع من أنواع المشاركة المجتمعية، سواء كانت (تعلم، عمل، التحاق بدورات.. إلخ).
لأنه بمجرد تخيل غياب المرأة عن البيت لساعات طويلة ومساوية للرجل يتبادر إلى عقولنا النتيجة المترتبة على ذلك، وهي إهمال الأولاد والبيت وضياعهم، لكن المقصود هنا أنَّ أي ربة منزل بعد انتهائها من تنظيف المنزل ورعاية الأولاد تجد نفسها مع عدد من ساعات الفراغ، غالباً، يتم قضاؤها في الثرثرة والخوض في أعراض الناس، والسبب يعود إلى عدم إشغال وقتها جيداً بالمفيد والمشاركة الفاعلة.
إن إيماني القوي بأن كل فرد في المجتمع -ذكر أو أنثى- هو يلعب دور المسؤول في إعمار بلده، جعلني أحزنُ على هذه المرأة كثيراً وأغضب من زوجها أكثر، وتحاورت مع نفسي حينها: هل هذه حقّاً تسمى غيرةً أم تملكاً أم خوفاً من المرأة أم خوفاً من نجاح المرأة؟! حقاً لا أعرف كيف أُبرر غيرة هذا الرجل، ولكنّي مقتنعة تماماً بأن من واجب الزوج تجاه زوجته أن يشجعها وأن يحفزها على التفاعل في المجتمع، وأن يمكنها من تطوير قدراتها ومهاراتها واكتشاف ذاتها.
فالمرأة التي تتاح لها الفرصة لاكتشاف ذاتها تكون كأنها ملكت الدنيا وما فيها، وأهم أسرار حياتها، وبعد ذلك تستطيع عبور طريق الحياة بوعي وإدراك، بدلاً من العشوائية، ولا أعتقد أن المرأة ممكن أن تصل إلى هذا المستوى من الإدراك بدون وجود تفاعل إيجابي مع المجتمع مع إشراك تشجيع الرجل لها، فلماذا نكبت هذه الطاقات؟ فتكون المرأة قد مرت مروراً عادياً، وفي رأيي الشخصي فإن هذا المرور لا يليق بالإنسان الإيجابي ولا بسِرّ خلقه.
والذي لا يدركه هذا الرجل أن فائدة مشاركة المرأة في المجتمع ليست حكراً عليها فقط، بل يتعدى ذلك إلى أن يمتد إليه وإلى بيته، إن مشاركتها في أنشطة المجتمع ستُعمل تفكيرها وتوسع إدراكها ويزيد من وعيها بأمور بيتها، ومن يدري لعل تشجيع الرجل لها بالمشاركة والتفاعل في المجتمع قد يسهم في اقتراح، ومن ثم تنفيذ بعض الحلول لبعض مشكلات المجتمع.
كم أشعر بالضيق عندما أجد البعض -ونحن في عصر التطور- يُبرمج المرأة وكأنها في قالب الأعمال المنزلية فقط، بحجة أن الإسلام أقر بأن البيت هو قوقعتها، ومكانها الوحيد، وهنا أردُ عليهم بأمثلة من نساءٍ مسلمات تركن بصمات في تاريخ المرأة المسلمة، مثل: عائشة (رضي الله عنها) وهي من أكثر رواة الحديث، وأم سلمة ذات الرأي الراجح، وهي زوجة الرسول التي أشارت عليه في صلح الحديبية بأن يبدأ ويبادر بالنحر والحلق، وأخذ برأيها، وكان رأياً سديداً، إلى جانب هذا، أؤمن بأن المرأة تؤكد وتثبت أنوثتها وقوتها أكثر وأكثر عندما تخوض في المشاركة المجتمعية المناسبة لها بشتى المجالات، ولربما من أسباب معاناتنا اليوم هو تكرارنا لعبارة (المرأة للطنجرة والطبيخ)، وأعتقد أن الذي ألّف هذه العبارة قد يكون ألّفها من باب المزاح، ولكن ها هي تكررت على ألسن البعض حتى توشك أن تصبح معتقدَ وثقافةَ مجتمعٍ، وأخشى أن تكون ترسخت في عقول البعض.
وأخيراً، رسالتي لإخواني الرجال بأن يحفزوا ويشجعوا المرأة على التفاعل الإيجابي في المجتمع، وأعتقد أن المرأة التي تدير وقتها وتنظمه بشكلٍ سليمٍ ستنجح بحياتها داخل وخارج البيت.
(وراء كل رجل عظيم امرأة) عبارة تم إثباتها قولاً وفعلاً، فلتصنع أيها الرجل عبارة مماثلة وهي (وراء كل امرأة عظيمة رجل)، كن أنت أيضاً المبادر في إثبات هذه العبارة قولا وفعلاً، على الرغم من أني أرى أن كلاً مسؤول عن نجاحه، فلا أحد يستطيع أن ينسب نجاح غيره له، ولكن ما أقصده في عبارة (وراء كل امرأة عظيمة رجل) هو تسليط الضوء أكثر على الجانب التشجيعي من قِبل الرجل، ومدى تأثيره على المرأة في توفير مناخ مناسب للمشاركة المجتمعية. أنا على يقين بأنه إذا أسهم كل رجل في المجتمع بتحفيز نساء بيته على المشاركة خارج البيت، سيصبح المجتمع مجتمعاً سليماً مزدهراً متكاملاً ومؤمناً بدور كلا الجنسين، حينها سنحدث التغيير.