أشارت التقارير القضائية الصادرة عن وزارة العدل في الأردن لعام 2015 الى أن أعداد المشتكين من الذكور والإناث في القضايا الحقوقية بلغ 96602 شخصاً منهم 15520 مشتكية من النساء وبنسبة 16% من مجموع المشتكين، فيما بلغ عدد المشتكين من الجنسين في القضايا الجزائية 155279 شخصاً منهم 21857 مشتكية من النساء وبنسبة 14% من مجموع المشتكين.
وتلاحظ جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" بأن نسبة النساء المشتكيات في قضايا الجنايات الكبرى أعلى من نسبة المشتكين الذكور، وذلك كون أغلب قضايا الجنايات الكبرى يتم تحريكها من قبل الحق العام. فخلال عام 2015 تقدم 1470 شخصاً من الجنسين بشكاوى الى محكمة الجنايات الكبرى منهم 747 مشتكية من النساء وبنسبة 50.8% من مجموع المشتكين.
وتوزعت قضايا المشتكيات لدى محكمة الجنايات الكبرى كما يلي: 84 مشتكية في قضايا قتل، و 103 مشتكيات في قضايا الإغتصاب، و 32 مشتكية في قضايا الخطف، و 528 مشتكية في قضايا هتك العرض.
وتعتقد "تضامن" بأن الأرقام الواردة أعلاه تعكس ضعفاً شديداً في وصول النساء الى العدالة، فلم تتجاوز نسبة أعداد المشتكيات في القضايا الحقوقية 16%، ونسبة أعداد المشتكيات في القضايا الجزائية 14%، ويعود جزء كبير من هذا الإنخفاض الى عدم معرفة النساء بحقوقهن القانونية معرفة كاملة، ولخوفهن حرجاً أو عيباً من المطالبة بهذه الحقوق قضائياً خاصة إذا كان المشتكى عليهم من المعارف أو الأقارب، وبسبب ضعف مشاركتهن الاقتصادية، ولضعف في الإجراءات القانونية وتطبيقاتها والتي في كثير من الأحيان لا تراعي الإحتياجات الخاصة للنساء.
هذا وقد شهدت العديد من دول العالم تقدم كبير في مجال الحماية القانونية للنساء من خلال إصدار و/أو تعديل و/أو إلغاء نصوص قانونية تضمن لهن المساواة وعدم التمييز وتجرم العنف الموجه ضدهن ، لكن هذه المكاسب بقيت في معظمها قوانين جوفاء لم تترجم الى واقع ملموس ولم تشعر النساء بأي تغيير يذكر على واقعهن الذي يعيشن بسبب ضعف آداء الخدمات وقصور الإجراءات والنظرة الدونية للنساء من قبل القائمين على إنفاذ وتطبيق القوانين. فلم يغير في حياة النساء ولم يحسنها وجود نصوص دستورية في أكثر من 139 دولة حول العالم تضمن المساواة بين الرجال والنساء ، بسبب قصور في القوانين ونقص وثغرات في الإجراءات والتطبيقات.
وأشار تقرير نساء العالم: "سعياً لتحقيق العدالة" والصادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة (2011-2012) الى أن العدالة للنساء وإن كانت مطلب جماعي تعكسه الجهود التي تقوم بها كافة الجهات المعنية كمؤسسات المجتمع المدني ومنها النسائية على وجه الخصوص ، إلا أنها بالنهاية تعبر عن مطلب فردي لواقع تعيشة كل إمرأة في حياتها وما تواجهه من ظلم ينتقص من حقوقها.
تجدر الإشارة الى الإرتفاع في وتيرة الإصلاحات القانونية المتعلقة بحقوق النساء على مستوى العالم وعلى المستوى المحلي ، من خلال وضع حد للتمييز القانوني وتوسيع الحماية للنساء من خلال القوانين وتحمل الدولة مسؤولية وضمان تطبيقها. فمثلاً 173 دولة ومن بينها الأردن تضمن إجازة أمومة مدفوعة الأجر ، و 139 دولة تنص دساتيرها على المساواة بين الرجال والنساء ، و 125 دولة من بينها الأردن تجرم أو تحظر العنف الأسري ، و 117 دولة تجرم التحرش الجنسي في أماكن العمل ولديها قوانين تضمن المساواة في الأجور ، و 115 دولة تضمن المساواة للنساء في حقوق الملكية.
وتؤكد "تضامن" على تعذر وصول معظم النساء الى أنظمة العدالة عندما يبدأن بإستخدام سلسلة العدالة التي تعتبر حلقة الوصل بين القوانين والتشريعات وحصول النساء على حقوقهن ، لا بل في كثير من الأحيان تضيع حقوقهن وتتبعثر في المراحل السابقة أو المبكرة ، وسلسلة العدالة تبدأ بوجود جريمة يعاقب عليها القانون ومن ثم الإتصال بالمركز الأمني (الشرطة) والتحقيق وإعتقال مرتكب الجريمة (إستدعاء أو كفالة) ، وإتخاذ إجراءات الإدعاء العام ، وبعدها التسوية أو الفصل بالقضية إما بالإدانه والتعويض أو البراءة .
إن العديد من الثغرات والمعيقات ضمن سلسلة العدالة تجعل كثير من النساء يعتقدن بأن النتيجة لم تكن عادلة ، ففي 23 دولة من أصل 52 لا يثق الرجال والنساء بأنظمة العدالة لديهم ، وفي 18 دولة من أصل 30 أكثر من نصف النساء ليس لديهن رأي بالقرارات العائلية ، إضافة الى تكلفة اللجوء الى أنظمة العدالة وبعد المسافات في كثير من الحالات وعدم وجود أو ندرة وجود ترجمة للنساء الأجنبيات ، والموروث القائم على ثقافة العيب والنظرة الدونية للنساء ، لكن كل ذلك لم يمنع بعض النساء من الوقوف في وجه الظلم والخروج من دائرة الصمت ، والحصول على حقوقهن بكافة الوسائل القانونية المتاحة.
وتؤكد "تضامن" على حقيقة ضعف وصول النساء الى أنظمة العدالة في العديد من دول العالم بالظروف العادية ، إلا أن وصولهن قد ينعدم في ظل النزاعات وما بعدها ، كثورات الرابيع العربي ، وتشدد "تضامن" على مراعاة أكبر للنساء وحقوقهن في ظل واقع يجعل منهن آداة تستخدم في النزاعات وغياب شبه كامل لأنظمة العدالة التي لم تنصفهن أصلاً.
ومن أجل ضمان وجود أنظمة عدالة تعمل لصالح النساء ، فإن "تضامن" تطالب بدعم كامل لكافة الجهات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية خاصة المنظمات النسائية التي تقدم الخدمات الإرشادية والقانونية للنساء ، والتأكيد على ضرورة سد الثغرات التي تعتري سلسلة العدالة من خلال تقديم خدمات متكاملة للنساء تضمن عدم ضياع حقوقهن ، وتشجيع النساء على إتخاذ الإجراءات القانونية بالإبلاغ عن الجرائم التي ترتكب بحقهن.
وتطالب "تضامن" بالإستمرار في الإصلاح القانوني للقضاء على كافة أشكال التمييز وعدم المساواة في التشريعات وضمان مراعاة التشريعات الجديدة للنوع الإجتماعي بزيادة عدد النساء في المجالس النيابية وزيادة حصصهن على نظام الكوتا للوصول الى الكتلة الحرجة (30%),
وتشدد "تضامن" على أهمية مراعاة خصوصية النساء في المراكز الأمنية ، فتأمين ضابطة عدلية من النساء تتولى عملية إستقبال الشكاوى والتحقيق الأولي يساهم ويشجع النساء على المطالبة بحقوقهن ، وتدريب الأشخاص السؤولين عن إنفاذ القانون لضمان التطبيق السليم للقوانين.
وتؤكد "تضامن" من جديد على ضرورة التخلص من ثقافة العيب والتمييز كضمانة أساسية في جعل أنظمة العدالة أكثر مراعاة للنساء ، فلا يمكن أن تكافح النساء من أجل الحصول على حقوقهن بالتعديلات القانونية لتضيع هذه الحقوق بالإجراءات والتطبيقات. وعلى الحكومات تحمل المسؤولية لجعل سلسلة العدالة الواصلة بين النصوص والتطبيقات خالية من التمييز وعدم المساواة.