قبل مجيئى لمدينة نيويورك الأمريكية، عشت تفاصيل الحياة النيويوركية من خلال شاشة التليفزيون، كانت لى علاقة وطيدة مع بطلات السلسلة الشهيرة «الجنس والمدينة»، عشت معهن تفاصيل حياة النساء النيويوركيات، حياة سمتها البارزة هى الحرية، أربع نساء صاحبات قرار فيما يتعلق بحياتهن، لكل شخصيتها وأهدافها، يتقاسمن المدينة مع الرجال بندية لا نستطيع تصور وجودها، يعشن الحياة بتفاصيلها الصغيرة التى تجعل من اليومى مجالا لتحقيق الذات والطموح.
أربع نساء لكل واحدة منهن أسلوب حياة مختلف، لكن هذا الاختلاف لا يفسد لودهن قضية.
يحكى المسلسل على لسان بطلته «كارى برادشو» الصحفية وكاتبة عمود فى جريدة «نيويورك ستار»، عن حياة النساء فى المدينة التى لا تنام عبر ما تعيشه وتراه من حولها وحياة صديقاتها.. «ميراندا» المحامية ذات الشخصية الجادة العقلانية، و«شارلوت» الرومانسية التى تشتغل فى مجال الفن والمعارض والمثالية فى تفكيرها، وأخيرا «سامنتا» سيدة الأعمال المجنونة والمتحررة إلى حد كبير، حيث لا مكان للعواطف فى علاقاتها بالرجال، يعبرون فراشها على حسب رغباتها.
هؤلاء النسوة اقتسمت معهن على الشاشة حياتهن المليئة بالأحداث، الرومانسية منها والتراجيدية، تلك القريبة لحياتنا نحن النساء العربيات والأخرى البعيدة كليا والتى لا يمكن تصور وقوعها فى العلن لاعتبارات دينية أو مجتمعية بحتة..
جئت إذن إلى نيويورك بفكرة مسبقة عن نساء أنيقات فاتنات يجبن شوارع المدينة وعيون رجال تتحرش بهذه المفاتن، وهن سعيدات متجاوبات معهم، فإذا بى أتفاجأ بسلوكيات مغايرة تماما، النساء هنا لا يعرفن معنى التحرش الجنسى الممارس من طرف الرجال، لباسهن يعتبر أكثر من فاضح فى قاموسنا، أجسادهن العارية تقريبا لا تعنى بالضرورة استفزازا للرجال الذين يغضون البصر بكل ما لهذه الكلمة من معنى، مساحات ضيقة تجمع الجنسين فى المترو ولا أحد ينظر للآخر، فى احترام تام للخصوصية وانتفاء لكل لُبْس قد يقع.
كنت وحدى التى تطيل النظر للناس من الجنسين، يدور برأسى ألف سؤال وسؤال، أحاول أن أجد له الجواب الشافى. ما الذى يجعل هؤلاء الناس مختلفين عنا لهذه الدرجة؟ هل الرجال هنا لهم جينات مختلفة عن رجالنا؟ أم أن الرجل العربى أكثر فحولة وذكورة من هؤلاء ويجب أن نكون ممتنات للطبيعة التى رزقتنا بصنف كهذا من الرجال.
لم أحتَج للكثير من الوقت لأفهم أن غض البصر هنا ليس بوازع دينى ولا عقائدى، هنا القانون يلزمك باحترام الآخر ويضمن لك حرية التعبير والملبس والتصرف طالما يتعلق الأمر بشخصك فقط ولا يمس حرية الآخرين.
لطالما اعتبرت نفسى حرة وأمارس حريتى هذه بدون قيود، لكن عندما عايشت النساء هنا وتابعت تحركاتهن فى المدينة، أحسست كم نحن بعيدات عن الإحساس بتشارك الأماكن العامة مع النصف الآخر من المجتمع.
هنا الجسد لا يحيل بالضرورة على الجنس، تلبس النساء ما يحلو لهن، وحتى سلطة الجمال وديكتاتوريته بالمقاييس المتعارف عليها والتى تلزم المرأة بالتقيد بها للحفاظ على الرشاقة والأنوثة لا تعنى سوى أقلية منهن.
وجدتُ المدينة التى تمكّن النساء من الحياة بكرامة وحرية وأمان وتعايش مع الرجل، ولم أجد أثرا للجنس ولا للتحرش.. حتى مظاهر التعبير عن الحب كالقبل والعناق بين العشاق التى ألفتها فى البلدان الأوروبية لا وجود لها هنا تقريبا، فالحب والعشق والجنس له مكانه فى غرف النوم وبرغبة من الشريكين.