لعلّ أكثر ما تغنى به الإنسان قديماً وحديثاً قيمة الصداقة والأصدقاء، وستجد في مختلف العصور تراثاً متعدداً يتحدث عن هذه القيمة الإنسانية. ستجد حكماً وأمثالاً وستجد أشعاراً وقصصاً، ولن تجد حضارة أو مجتمعاً من غير توقيع وبصمة في السجل البشري تتحدث عن هذه الخصلة والرابطة التي نحتاج إليها جميعاً.
كم سمعنا حديثاً عن الأصدقاء ووفائهم أو تنكرهم وغدرهم، وتزايد أعدادهم وكثرتهم في الرخاء وندرتهم أو فقدهم عند الشدة؟!
ولطالما لُمنا الزمن بندرة وفاء من ركنا إليهم واعتبرناهم أصدقاء أوفياء، بل قد تجلس في مجلس عام وتسمع من يتغنى بالصداقة وندرة الإخلاص، وكأنه يلوم جميع من في المجلس إلا نفسه، وهذه هي المعضلة الحقيقية، وهي أننا دوماً ننتقد الصديق ونلومه على عدم وفائه معنا، بل وتنكره، لكننا ننسى محاسبة أنفسنا، وننسى أننا نحن أيضاً نمارس السلوك نفسه بطريقة أو بأخرى. بل لدينا عدة أشعار وأمثال نرددها في التحذير من الصديق وأهمية الحذر منه، لعل من أشهرها «احذر عدوك مرة وصديقك ألف مرة، فإن انقلب الصديق، فهو أعلم بالمضرة».
هذه ببساطة ثقافتنا عن الأصدقاء، فالحذر وأن تكون المعرفة سطحية، وخصوصاً بجلسات محددة ومواضيع مؤطرة لا أكثر ولا أقل، لأننا جميعاً نحن وأصدقاؤنا نعامل بعضنا بالنظرة نفسها، وهي أننا قد نسيء إلى بعض فيما لو قدر واختلفنا وابتعدنا عن بعضنا بعضاً، ولكن للصداقة فعلاً خطورة بالغة، نحن قد نكون اكتسبنا من الحياة تجارب وخبرات تساعدنا على فرز الأصدقاء والاختيار.
لكن إذا قدر وكان نصيب أحد أبنائك صداقة هشة غير قويمة وغير متزنة، وتلاحظ أثر هذه الصداقة في سلوكياته وتعامله، بل حتى في طريقة حديثه واهتماماته الحياتية، وتجد أن هناك انخفاضاً في معدل درجاته الدراسية، بل وتزايداً في مشاكله السلوكية داخل المنزل ومع محيطه، فأنت تلمس أثر الصديق الذي يرافقه معظم الوقت. وهنا تكمن أهمية مراقبة الوالدين لصحبة أبنائهم، بل والتعرف إلى هذه الصحبة ومن أي الأسر هم، بل حتى التعرف إلى والدي هذا الصديق وفتح قناة للتواصل معهما، لأنه ـ كما يُقال في المثل العربي الشهير «الصاحب ساحب» ـ يمكن لصديق جديد لابنك لم تمض على صداقتهما إلا أيام قليلة، أن يُحطم ويلغي كثيراً من القيم التي حاولت خلال سنوات غرسها في قلب طفلك الذي شبّ اليوم وبات في سن يعتقد معها أنه قادر على تمييز الأصدقاء ورفاقه ومعرفة من هو الصالح منهم ومن هو الطالح.