ختان الإناث ممارسة متعارف عليها في مصر وتتفشى في المجتمع منذ سنوات طويلة، وتزداد نسبتها كلما اتجهت جنوبًا إلى الصعيد، وترتبط في أذهان مؤيديها دائمًا على أنها "سنة دينية تحد من الشهوة الجنسية للمرأة ما يجعلها تصون شرف زوجها"، وتحتوي مصر على أعلى نسبة نساء ممن خضعن لعلمية الختان في العالم، حسب إحصائية نشرتها منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة عام 2014، وصلت النسبة إلى91% من المتزوجات بين أعمار 15 و49.
ورغم صدور قانون عام 2008 باعتبار الختان "جنحة" وإمكانية تعرض من يقوم بختان فتاة للحبس لمدة تصل إلى 3 سنوات، إلا أن الظاهرة استمرت ولم تتوقف، ليصدر البرلمان المصري أخيرًا قانونًا ينص على تشديد العقوبة لتتحول من "جنحة" لـ"جناية"، وتصل مدة السجن فيها إلى 7 سنوات، قد تصل إلى 15 سنة في حالة التسبب في عاهة مستديمة أو وفاة، أما من يصطحب أنثى لختانها فقد يتعرض للسجن ما بين سنة و3 سنوات.
ولقي القانون ترحيبًا من المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة، ولا سيما مكتب هيئة الأمم المتحدة لشؤون المرأة بالقاهرة، والذي أًصدر بيانًا أعلن فيه تأييده للتعديلات التشريعية موضحًا أنها تعكس "التزامًا قويًا من جانب الحكومة المصرية بالقضاء على ختان الإناث، ويتوافق مع قرارات الأمم المتحدة وأهداف التنمية المستدامة التي تدعو إلى القضاء على جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات".
القانون مرفوض على وسائل التواصل الاجتماعي
لكن ردود الفعل في الشارع المصري تجاه القانون جاءت متباينة، ووضح ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أتت معظم التعليقات مهاجمة للقرار، فقال "عاطف سعد": "حديث إذا التقى الختانان وجب الغسل، في باب الطهارة، أعتقد أنه دليل على وجوب الختان للذكر والأنثى"، وقال "عبدالتواب الشعلاني": "ختان الإناث مشروع بالإجماع و الخلاف هل هو واجب أم مستحب".
وأيده "محمد الحجار" في رأيه فعلق على الأمر قائلًا: "ختان الإناث تجميل للأنثى وتهذيب لشهوتها خاصة والطبيب هو اللي يحدد"، فيما اعتبر "محمد السيد يحيى" أن: "هؤلاء (الحكومة) يريدون أن يطفئوا نور الله بالقوانين الظالمة، لكن لن نأخذ بالقانون طالما يخالف الكتاب والسنة(...) وإن خالف الكتاب والسنة نضرب بالقانون عرض الحائط".
في المقابل اعتبر أحمد فتح الله أنه: "أفضل قرار اتخذته الحكومة المصرية منذ فتره طويلة"، موضحًا أن "العلم أنهى الجدل في المسألة هذه بأنها تضر البنت جدًا"، ووافقته الرأي "توتا أحمد": "الحاجة الوحيدة التي حصلت صحيحة هي تزويد العقوبة بس يا رب تقبضوا على المتخلفين الذين يقومون بذلك".
لا علاقة للختام بسلوك المرأة
واعتبرت الدكتورة هبة قاطون، مدرِّسة الإعلام والمتخصصة في قضايا المرأة، في حوارها لـDW عربية أن التعليقات التي تساءلت عن ضرورة تشديد العقوبة كانت هي الأكثر بين التعليقات، وربطت ذلك بنسبة ارتفاع المستوى التعليمي، موضحة أن تلك التعليقات اعتمدت على ما يسمى بـ"التفسير الخاطئ للدين"، مضيفة: "للأسف لدينا النعرة الدينية المفرطة، التي لا تمثل أمرا دينيا، لكننا ملتزمين بها، ويتم دائمًا ربطها بأخلاق الفتاة، ولا يوجد أي ربط حقيقي ما بين الاثنين، يعني ليس صحيحًا أن جزء صغيرا من جسد المرأة هو ما يحدد سلوك الفتاة وهويتها ومستقبلها".
ويعتبر المدافعون عن ختان الإناث أنه يساهم في "تقليل وتهذيب الرغبة الجنسية للفتاة والمرأة المتزوجة وبالتالي المحافظة على العفة والشرف، كما يدًعون أن "المرأة غير الخاضعة للختان ترهق الرجل في العلاقة الزوجية، أما المرأة المختونة فهي أكثر هدوءً وغير مسرفة في طلب الجنس، تصون شرف زوجها في حالة مرضه أو غيابه"، كما توضح صفحة "كفاية ختان بنات" على "فيس بوك".
أما الدكتورة قاطون فاعتبرت الختان "جريمة وليس له علاقة فسيولوجية أو نفسية ما بين ممارسته وأخلاق الفتاة لأن العوامل التي تشكل شخصية الفتاة كثيرة ومنها المدرسة والتربية والثقافة المجتمعية، وبما إنه عادة متوارثة مؤذية صحيًا وجسديًا فكان يجب تشديد العقوبة، وهي خطوة في إطار تعظيم حقوق المرأة، وفي إطار تطبيق القانون وفي إطار الإصلاح التشريعي الذي نسعى إليه، لذا فأنا مع تشديد العقوبة".
ختان الإناث ليس فرضا شرعيا
ومع ذلك ترى المتخصصة في قضايا المرأة أن تشديد العقوبة لا يعني منع حدوث الخطأ، لكنه يقلل فقط من فرص حدوثه، "القانون جزء لكن يجب أيضًا أن يتم استكماله بحملات توعية، وأن نخاطب الجنسين لأن معظم العائلات المصرية المسيطر عليها الجانب الذكوري، وهو ما قامت به حملة لليونيسف من قبل، كذلك نحتاج للتعليم من بدء التنشئة أن هذه عادة خاطئة، ونحتاج أيضًا إلى توعية صحية وليس فقط توعية إعلامية، والتركيز على الجانب النفسي للموضوع، وما تتعرض له نفسية الفتاة حين تكبر وتمارس العلاقة الحميمة أو تنجب والآثار المترتبة عليها، لذا فالقانون هو جزء".
وطالبت قاطون بضرورة تشديد الرقابة الأمنية للتأكد من تطبيق القانون مع قيام المؤسسات الدينية بدور لتوعية الناس، وهو ما شدد عليه أيضًا الدكتور محمد عبدالفضيل، عضو مركز الحوار بالأزهر الشريف وعضو هيئة التدريس.
يقول الدكتور محمد عبدالفضيل "ختان الإناث ليس فرضًا وليس أمرًا دينيًا يعتبره الفقهاء واجبًا، لذلك ليس من الداعي أبدًا فرضه، لكن حتى لو افترضنا أنه يوجد بعض المقولات التي تؤكد أن الختان سنة مؤكدة أو شيئًا من هذا القبيل، إذا وصل الأمر إلى شيء ضار بالإنسان، فهذا ضرر موجب للتحريم، وأنا من ناحيتي وأنا أعمل بالأزهر الشريف، فأنا أثمن دور من أصدر هذا القانون وأحيه، بعد أن رأينا الزج بالدين الإسلامي في إهانة البنت ودخولها في عمليات أدت لوفاة بعضهن".
"القانون في قلب وروح الدين الإسلامي"
ورد الخبير الأزهري على التعليقات التي اعتبرت الحكومة تعادي الدين بإصدارها هذا القانون مؤكدًا أن القانون "ليس ضد الدين إطلاقًا، بالعكس هو في قلب وروح الدين التي تمنع انتهاك جسد أي إنسان سواء رجل أو امرأة، فالدين يحافظ على المرأة وجسدها، فبالعكس كلما ارتفعت العقوبة في هذا المجال كلما كان أفضل. فما حدث في السنوات الأخيرة يندى له الجبين، والزج بالدين في مثل هذه الأمور أمر مرفوض تمامًا".
ورغم لفته إلى أن الأزهر الشريف قام بالتوعية بعدم نص الدين على ختان الإناث من خلال كتب ومقالات منذ فترة، إلا أن عضو هيئة التدريس رأى أن المناسبة تستدعي تجديد تلك الخطابات التوعوية قائلًا: "أنا وأنا أعمل في الأزهر الشريف أنا أطالب الأزهر من داخل الأزهر باستغلال هذه المناسبة ليقوم بدوره بشكل سريع بإصدار توضيح أو إصدار بيانات أو مقالات أو إقامة محاضرات أو ندوات يؤكد أن هذا القرار قرار مقبول وصحي وفي وقت ملائم".