لالمرأة الفلسطينية إسوة بكل نساء الارض، هي كائن حي منتج ومبدع ومعطاء. وهي رمز الامومة والارض والبناء والشراكة في الكفاح. لا تقل عن الرجل في اي مجال من مجالات الحياة، لا بل تفوقه عطاءا في مجال الانجاب وتربية الاجيال الجديدة. فهي الحامل والمنتج (المنجب) والمربية، وفي الوقت نفسه، هي المكافحة والحاملة للبندقية ولسلاح الكلمة والعلم. وإن حدث تأخر او تخلف في مجال بعينه، فإن السبب يعود للنظام السياسي والاجتماعي، وليس لقصور فيها، وفي اهليتها. ولعل هذا العام على سبيل المثال لا الحصر، قدم شهادة على تفوق المرأة الفلسطينية ليس على النطاق الوطني بل العربي والعالمي: الاستاذة سعاد الحروب، حصدت الجائزة الاولى عالميا في مجال التعليم؛ الفتاة أديان بالامس حصلت على المكانة الاولى في الذكاء بالنسبة لمعرفة يوم الولادة (الارقام) عربيا .. إلخ.
إذا اي قصور في مكانة المرأة، لا يتحمل مسؤوليته الجنس الناعم ، انما المجتمع والنظام السياسي والعادات والتقاليد البالية، وتسييد الخطاب الديني الظلامي، الذي لا يرى في المرأة أكثر من "عورة" او "ناقصة دين" او "نجاسة" او في احسن الحالات "بنت فلان" او "زوجة علان" او "رقما". كما ورد في بعض القوائم الانتخابية للمجالس البلدية، وكأن المرأة "نكرة" لا إسم لها ولا مكانة سياسية او اجتماعية او علمية، حتى لو حصلت على اعلى المراتب الدنيوية.
لا أعرف توصيف لطبيعة اللوحة، التي تشهدها الانتخابات البلدية الجارية، إن كانت من مثالب الانتخابات او من "محاسنها"، التي أغرقت المرأة في مستنقع التغييب الكلي، وعمقت عملية التهميش والاقصاء لمكانتها ودورها الريادي في المجتمع؟ وتجلى ذلك عندما تم نشر قوائم تخلو من اسماء النساء المرشحات بها باستخدام صيغ الغبن والاسفاف لقامة المرأة مثل : "بنت فلان" او "زوجة فلان" او "اخت فلان"؟ او "رقم"! وهو ما يكشف عن فجوة كبيرة داخل المجتمع الفلسطيني. وعن تناقض فاضح وخطير بين ما حمله القانون الاساسي (الدستور) وبين الواقع الاجتماعي. حيث نص القانون او النظام الاساسي على مساواة المرأة بالرجل. وكفل لها الحقوق كلها. ومنحها الحق في الندية معه في كافة مجالات الحياة. الامر الذي عرى المجتمع بشكل عام وفي مدن وقرى بعينها بشكل خاص، تلك التي يسيطر فيها المنطق والطابع العشائري والديني المتزمت، وغياب شبه كامل لدور السلطة او تساوق ممثليها مع المنطق السائد في تلك المناطق، وحتى إنتفاء دور الثقافة الوطنية، وخشية ممثليها من سطوة شيخ العشيرة ورب العائلة او رجل الدين الامي المتخلف. مع ان القوى المتأسلمة الظلامية إستغلت المرأة ابشع إستغلال، ونجحت بفضل وقوع المرأة في فخاخها، واستسلامها لمنطق اعدائها ومغتصبي حقوقها وميراثها التاريخي كإنسان متميز ومبدع، وليست وعاءا لتفريغ شحنات الذكورية العاطفية المتهافتة. ولم تحاول ان تنصفها.
المؤسف حقا ان تقبل المرأة بهذا المستنقع، وتستجيب لخيار الجهلة مغتصبي حقوقها ودورها. ولم تدافع عن هويتها واسمها وسجلها المشرف والمشرق. ولست على يقين (لاني لم اراجع لجنة الانتخابات المركزية) إن كانت القوائم وردت لممثلي فروعها في محافظات الوطن كما نشرت في المدن والبلدات والقرى ذات الصلة ام وردت اسماء النساء كما يملي النظام؟ وان فعلا حصل وإستلمت احدى فروع لجنة الانتخابات البلدية قائمة من القوائم بالصيغة، التي نشرت فيها، تكون الفضيحة مربعة ومكعبة، لان في ذلك سقوط مريع للجنة الانتخابات نفسها. ويفترض فصل وعزل كل العاملين في هذه المحافظة او تلك ممن إستلموا قوائم تتناقض مع القانون والنظام الاساسي. وعلى لجنة الانتخابات والسلطة التنفيذية ووزارة الثقافة والاوقاف والتربية والتعليم والحكم المحلي إتخاذ الاجراءات الرادعة لكل من نشر قوائم إنتخابية أسقط منها اسماء النساء. ويفترض ملاحقة المعنيين، وحرمانهم من الترشح والمشاركة في الانتخابات او إلغائها في المنطقة المحددة. لان هذا فضيحة كبيرة وعار سيطارد الشعب الفلسطيني ليوم الدين.
الانتخابات بكل مستوياتها، عنوان لإضفاء صبغة الشراكة بين المرأة والرجل في العملية الانتخابية، ولإبراز دورها وتكريسه في المجتمع المحلي والوطني العام، وإعطائها حقوقها، وفتح الافق الفعلي لمساواتها بالرجل. ويفترض ان تكون كذلك، لان المرأة بحاجة ماسة لدعم ذاتها ودعمها من انصار المساواة في المجتمع الذكوري، فضلا عن النظام السياسي ومؤسساته التنفيذية والتشريعية والدينية. عاشت المرأة رمزا للمساواة والحياة والحرية والاستقلال والعودة وبناء المجتمع الجديد، الذي نصبو اليه جميعا.