لا أخفيكم سراً أنني معجبة بالكثير من النساء المسلمات اللاتي تركن أثراً صالحاً، وكل واحدة منهن شكلت في داخلي معنى مختلفاً، فاطمة الفهري تلك المسلمة الرائدة صاحبة العزم التي أسست وبنت أول جامعة علمية في العالم على نفقتها الخاصة، وأشرفت على بنائها حجراً حجراً، فهي سبقت بذلك جامعة الزيتونة في تونس، والأزهر في مصر، وقد استعانت في ذلك بمال ورثته عن أبيها وزوجها.
وفي مكان مختلف آخر، نُقل لنا أن الإمام الشافعي كان يتيم الأب، وقد تولت أمه النجيبة تربيته وتعليمه محولة إياه إلى مدرسة فقهية وإمام من أئمة المسلمين، وهكذا كانت أم الإمام أنس بن مالك حيث روى ابنها قائلاً: "كانت أمي تلبسني الثياب، وتعممني وأنا صبي، وتوجهني إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وتقول: يا بني! ائت مجلس ربيعة، فتعلم مِن سمته وأدبه، قبل أن تتعلم مِن حديثه وفقهه".
أما في مجال الفقه وعلومه، فقد وصفت الواعظة الفقيهة وتلميذة شيخ الإسلام ابن تيمية فاطمة بنت عباس البغدادية بـ"سيدة زمانها"، لما لها من أثر في التعليم والخطابة بالسنوات التي عاشتها متنقلة في دول عربية مختلفة.
هؤلاء النساء خلدهن التاريخ بسبب أفعالهن ودورهن في صناعة حياة أفضل لغيرهن، وبإمكانات متعددة ومختلفة، واضعة هذه النماذج العظيمة أمام كل من يشكك بقدرة النساء على إحداث تغيير قد يفوق جهد الكثير من الرجال المجتمعين، ولكي أخرس القائلين بأن الإسلام قد "حجر" على المرأة وضيق من دورها وجعلها خلف قضبان الجهل والتضييق، داعين إياها إلى التعلق بالنموذج الغربي في ما يسمى "تحرير المرأة".
كفاءات قيّمة ومساحات وحقوق ضيقة
لا يخفى على أحد أن هناك رأيا عاماً يناقش قضايانا ويتناولها بشرح مستفيض مؤيدين أو منتقدين لصحوة حقوقية تتناول قضايا النساء وحقوقهن في مجتمعنا، لأكثر من 50 يوماً تصدّر هاشتاغ يطالب بـ"إسقاط الولاية" عن النساء بوصفه عائقاً أمام الكثير من العاملات والإجراءات المطلوبة، وتخلل خلال هذا الهاشتاغ طرح مشكلات أخرى من قبيل "التعنيف"، "التوظيف"، "التمييز"، وغير ذلك من ممارسات بالغة الخطأ من قِبل بعض الذكور الممنوح لهم نظاماً سلطة التحكم في حياة النساء وتحديد خياراتهن وطريقة معيشتهن.
ولعله من المناسب التذكير بأن هناك حقوقاً أخرى يجب التحدث فيها وإبرازها لإيجاد خريطة حقوقية أكثر تحديداً نساعد بها أنفسنا أولاً دون تضييع لبقية الحقوق الأخرى المسكوت عنها ولإبرازها للناس ولولاة أمرنا، حفظهم الله، للعمل على معالجتها، وبما يتناسب مع مجتمعنا الحديث.
نقص الأهلية.. العائق الأكبر!
من الواضح والمعلوم أن المرأة تُعامل على أنها ناقصة الأهلية منقوصة الإرادة، فهي لا تستطيع أداء الكثير من مهامها دون الرجوع لولي الأمر حتى ولو كان الأمر يتعلق بتوقيع بسيط للاستخراج ورقة في مكان ما.
وفي هذا الأمر تقول د. سهيلة زين العابدين في مقال لها منشور في صحيفة المدينة بتاريخ 25 مارس/آذار 2014: "كلي أمل أن تعاد لنا نحن السعوديات أهليتنا التي منحنا إيّاها الخالق جل شأنه، وسلبها منا المخلوق بدون أي وجه حق، وأصبح تنقلنا الذي منحنا الله حريته مرهوناً بموافقة ذكورية وضعنا تحت وصايتها من الميلاد إلى الممات، بموجب أنظمة وقوانين تتناقض مع الأهلية الكاملة التي منحنا إيّاها الخالق مثلنا مثل أشقائنا الرجال، فكلانا تحمّل أمانة الاستخلاف، وكلانا متساوٍ في الأجر والثواب، وفي القصاص والحدود والتعزيرات والعقوبات، وكلانا أولياء بعضنا البعض في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...".
وبسبب اعتبار المرأة "ناقصة الأهلية" تتعطل مصالح الكثيرين منا وتتم معاملتها على أنها "قاصر" غير قادرة على إتمام معاملاتها.
وفي حوار منشور لعضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبد الله المنيع مع صحيفة "عكاظ"، قال فضيلته: إن المرأة "ولية نفسها" في أمور حياتها كافة، ولا ولاية عليها إلا في النكاح، ولها مثل ما للرجل من حقوق، وإنه وبمجرد بلوغ المرأة، فلا ولاية عليها إلا في الزواج إذا كانت عاقلة قادرة على إدارة أمورها، ولها حق التصرف في أموالها، والتوكيل، والبيع والشراء.
أتساءل بيني وبين نفسي: لِمَ لا يتم تقنين الولاية على المرأة وجعلها محصورة في النكاح؟ ثم إن كانوا يرون أن المرأة ناقصة غير كاملة الأهلية فكيف يسمحون بمشاركة أعضاء إناث في مجلس شورى يسهم في القرار الحكومي، وكيف تستطيع عضو مجلس الشورى أن تشارك في تقرير مصيرنا وهي التي لا تستطيع تقرير مصيرها إلا بموافقة وليها؟ كيف لها أن تسهم في تحديد حياة الملايين وهي نفسها لا تستطيع تحديد حياتها؟! كيف لها أن تخرج ممثلة عنا وهي لا تستطيع استخراج جواز سفر إلا بموافقة وليها؟ لماذا نحن لا نشبه بقية الدول الإسلامية التي تعطي دوراً وحقوقاً أكبر للمرأة؟ ولِمَ لا تُعامل المرأة أمام القانون على أنها كيانٌ قائم بذاته لا حاجة للرجل في التأكيد على وجوده وإثباته؟!
من حقنا أن نعمل وأن يكون لنا صوتنا المعبر عنا!
مشكلة العمل وارتفاع معدلات البطالة لدى النساء بالتحديد مؤشر مقلق، فقد كشفت الهيئة العامة للإحصاء عن ارتفاع نسبة الإناث العاطلات عن العمل إلى 21.4%، وذلك خلال الفترة ما بين عامي 2012م و2015م، وعلى الرغم من وجود أسباب كثيرة ومختلفة لارتفاع البطالة لدى النساء، فإن نوعية الوظائف المطروحة والمخصصة للنساء هي في ذاتها إحدى المشكلات، كون أن عدداً من الوظائف لا يسمح للنساء بالتقدم لها، بالإضافة إلى تحديد ولي الأمر على المرأة نوعية العمل الذي ستعمل به، وفي مجال التجارة لا تستطيع المرأة أن تمارس جميع أعمال التجارة المسموح للرجال بها، كما أنها لا تستطيع إدارة مالها ومشاريعها وشركاتها إلا بوضع رجل ينوب عنها.
فَلِمَ لا يكون هناك تنظيمٌ أكثر إنصافاً للمرأة لكي تستطيع المنافسة والتحرك بنفس المساحات التي يتحرك بها الرجل؟ ولِمَ لا يوجد قانون يمنع التعرض والتحرش بالمرأة أُسوة بدول أخرى جرّمت التحرش وحدّت من المضايقات التي قد تتعرض لها بعض النساء في أماكن عملهن وحركتهن؟
لا تستغربوا من تحدثي عن هذه الأمور رغم أني لست بالتاجرة أو الموظفة، فقد وجدت أن أفضل من يتحدث عن مشكلته هو صاحب المشكلة، فالمرأة هي الأقدر على التحدث عن مشكلاتها والتفكير بحلول لها، لكوننا أكثر تفهماً لما نواجهه من صعاب بشكل يومي، وقد تعجبت أشد العجب من وجود بعض الرجال ممن يتطاولون على النساء بأوصاف شنيعة جراء مطالبتها بحقوقها المسكوت عنها ووقوفها ضد التعنيف والتمييز، أو مطالبتها بمزيد من الحقوق للمعنفات والمطلقات وحقوق أخرى أقرها الدين الحنيف، وهو إن كان يتوهم بأنه يدافع عن أمر في الدين إلا أنه وقع في كبيرة من الكبائر وإحدى السبع الموبقات، فلا هو نصر حقاً ولا دفع باطلاً إنما جعل الملائكة التي تقف على شماله مشغولة بتدوين ما طفح به لسانه!.
كتبت ما كتبت وكلي أملٌ وإصرار على أنّ ما ذهب وفات لن يمتد أثره كثيراً، وأن صحوة العقول وزيادة الوعي الحاصل لدينا نحن النساء في حقوقنا والمطالبة بها سيعود بأثر طيب علينا وعلى المجتمع كله.