عندما انبلج فجر عيد الاضحى المبارك وبعد قضاء طقوس العيد وشعائره المحببة ، كان القرار والوجهة ان نقضي ايام العيد المباركة في مدينة حيفا . كانت ارواحنا تسبق اجسادنا للقاء مدينتنا الجميلة ولهفة اللقاء تسابق الريح . رغم انني ازور حيفا في مناسبات كثيرة الا انني احببت ان ازورها واتمتع بجمالها اكثر فاكثر حيث ان حيفا تكون في اغلب المرات جزء من برنامج زيارة طويل لعدة مدن في اراضي 48 .
احببت ان ازورها بعمق ، اشتم رائحة بحرها ، والنسمات العليلة لجبالها ، وعبق جمالها الاخاذ
علينا اذا ان نحرك مركبتنا باتجاه مدينة حيفا والمسافة 185 كم من السياقة من القدس .
الطقس شديد الحرارة ، لكن السيارة المكيفة كانت تخفف من وطاة الحر.
في الطريق الى حيفا قصدنا زيارة اصدقاء لنا في باقة الغربية وهي قرية وادعة في المثلث احدى المدن المركزية في المثلث الغربي احتلت في نيسان عام 1949.
كان يوم جميل برفقة الاصدقاء في باقة الغربية قدمنا التهاني بعيد الاضحى المبارك وتمتعنا بحفاوة الضيافة والكرم الاصيل .
امسكنا بتلابيب الزمن وانطلقنا للاستمتاع بجمال المدينة، في الطريق الى حيفا مررنا بقرية عتليت المهجرة ... .احتلت القرية في العام 1948 وتم تهجير سكانها الفلسطينيين .في المكان عائلات غريبة تسكن المكان ومزرعة للخيول ....وسكانها الاصليون ينتظرون العودة الى الديار . كانت اشعة الشمس تنكسر على شاطئ القرية لتمنحها سحرا خارقا ..في كل قرية مهجرة احاكي ارواح سكانها ..كيف كانوا يمرحون في المكان ...يحرسون شواطئهم .. يصطادون الاسماك ويتبادلون قصص الجدات ...يجبلون عرقهم برمل الارض ، غادر الاجداد لكن ارواحهم تطوف في المكان .
بقينا لساعة نتنسم الهواء العليل ثم غادرنا لنكمل الى وجهتنا جيفا .
رغم المحاولات المتكررة لتغيير طابعها الفلسطيني الا انها باءت بالفشل ، فحيفا الجميلة هي ذات المدينة قبل احتلالها في العام 1948 ورغم تغيير اسماء الشوارع والاحياء الى اسماء عبرية، الا ان طابعها العربي بقي شاهد للعيان .و رغم احتلالها في نيسان في العام 1948 من قبل المنظمات الصهيونية وتهجير سكانها بالقوة الا ارثها الكنعاني واحياءها العربية ، بقيتا متجذرتان كاشجار السنديان .
كانت حيفا في الماضي من اهم مراكز الاشعاع الفكري وميناءها البحري هو الاول في فلسطين كما تمتد فيها خطوط السكك الحديدية لتربطها بالمدن الفلسطينية والعربية من غزة واللد الى بيروت ، طرابلس ودمشق .
سحرتني المدينة بشاطئها الخلاب وخضرتها واناقتها وتلاقي الكنائس والمساجد فيها . تمشينا في المساء على شاطئها وتذودنا بفيض من العطر الاخاذ الذي يمنحه المكان ، زرنا مرتفعات الكرمل وشاهدنا حديقة البهائيين والحي الالماني ،كانت اهم وجهة لي زيارة وادي النسناس وهو من ابرز الاحياء العربية . . انشئ الحي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ..لجا الى الحي عدد كبير من اهالي حيفا بعد احتلالها في العام 1948 وفرض عليهم الحكم العسكري لمدة سنتين .يعيش سكان الحي في ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة ويمنعون من ترميم بيوتهم .مررنا في الحي واحسست بسعادة غامرة عندما شاهدت الاطفال يلعبون بالالعاب النارية احتفاءا بالعيد وقد امطرونا بوابل من هذه الالعاب اسعدتنا واحسسنا فعلا بنكهة العيد في المكان .ورائحته الفلسطينية الاصيلة .
اكملنا مسيرتنا تجاه قرية عين حوض المهجرة وهي قرية تقع الى الجنوب من مدينة حيفا وتحيط بها قريةالطيرة ، المزار ، عتليت ودالية الكرمل ، هجر سكانها في العام 1948 واقيمة مستوطنة نير عتسيون على اراضي القرية.
لا استطيع ان اصف جمال القرية فبيوتها القديمة آية في الفن المعماري الجميل وهي ذات البيوت الفلسطينية التي بنيت قبل النكبة بفنها المعماري الجميل لم تطالها عناصر التشويه ،
تقع في موقع جبلي شديد الروعة عند تجولك في القرية تمر عبر اشجار الرمان واالياسمين والحدائق الغناء ، ذكرني المكان بقرية عين كارم المهجرة في القدس ، ذات الطبيعة الجبلية الجميلة ، البيوت الانيقة والهندسة المعمارية المتميزة والحدائئق الغناء والورود والاشجار التي تحيط بالمكان.
تناولناوجبة الغداء في دالية الكرمل في اليوم التالي واجمل ما كان في وجبة الغداء طبق زعتر اعده صاحب المطعم بعناية فائقة ، قال لنا انه تعلم اعداده من جدته ، وهو عبارة عن زعتر اخضر يطحنه بعناية ويضع عليه السماق والزيت والبقدونس والنعنع وزيت الزيتون والسمسم لتخرج بطبق لذيذ لا تنسى طعمه ابدا . بعد الغداء عدنا الى القدس محملين بمشاعر جياشة ولحظات ساحرة لا ننساها وامل بلقاء قريب .