بعد مرور عامين على وظيفتها الأولى بعد التخرج كمحاسبة في مكتب مسقط لشركة الخدمات النفطية الأمريكية (Schlumberger)، شعرت هدى اللواتي بالحاجة إلى التغيير.
ففي عام 2004، كانت الجارة دبي تزدهر لتكون مركزاً تجارياً عالمياً، في المقابل، لم تكن العاصمة عُمان كذلك.
ورغبة منها في مزيد من الحماس، أقدمت على مغامرة. فقد فاجأت هدى عائلتها وأصدقاءها بالاستقالة من (Schlumberger) وانتقلت إلى دبي بحقيبة واحدة وبلا وظيفة. لقد مكثت مع قريبة لها أثناء بحثها عن عمل. في النهاية، جنت هدى ثمرات مساعيها الدؤوبة. وبعد مضي 11 عاماً، كانت اللواتي في قلب الأحداث.
لقد أصبحت رئيسة قسم الاستثمارات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى (مجموعة أبراج)، شركة الاستثمار في الملكية الخاصة بالأسواق الناشئة؛ ومقرها دبي، والتي تدير ما يبلغ 9 مليارات دولار، ومن بين مستثمريها مؤسسة بيل ومليندا غيتس والبنك الدولي.
كما أصبحت شريكة، من ضمن 14 شريكاً. أهّلها دورها لتدخل قائمة (فوربس الشرق الأوسط) لأقوى 100 سيدة أعمال عربية.
في مارس 2016، وشعوراً منها بوصولها الذروة، تركت اللواتي كل شيء مجدداً بحثاً عن دور قيادي. تقول "شعرت أنني في حاجة للمضي قدماً".
أرادت أن تنال استراحة لمدة 6 أشهر، لكن بمجرد أن ذاع خبر رحيلها، استدعتها (صافولا). خلال السنوات الـ3 الماضية، تخلصت الشركة التي يقع مقرها في جدة، من الأعمال غير الأساسية، مثل مواد البلاستيك والعقارات للتركيز على الأغذية والتجزئة، التي تشكل معظم إيراداتها. إنها تدير واحدة من أكبر معامل تكرير السكر في العالم، إلى جانب مصانع زيوت الطعام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسلسلة من المتاجر الكبرى في السعودية ودبي ومصر.
واجهت الشركة ظروفاً صعبة؛ ضعف المبيعات وزيادة تكاليف التشغيل وانخفاض قيمة العملة، لاسيما في مصر، ما أدى إلى هبوط بنسبة %14 في صافي الأرباح ليبلغ 509.5 مليون دولار من إيرادات ثابتة قيمتها 7 مليارات دولار في 2015.
يقول أحمد هنداوي، المحلل الأول في (Albilad Capital)، المصرف الاستثماري في الرياض: "(صافولا) تواجه فرصاً وتحديات اقتصادية وسياسية ضخمة في مصر وإيران؛ السوقين الرئيسيتين للمجموعة بعد السعودية"
بهدف المساعدة في شق طريقها الجديد، عين مجلس إدارة (صافولا) ريان محمد فايز رئيساً تنفيذياً، في يناير/ كانون الثاني 2016. فايز مصرفي استثماري سابق في (Goldman Sachs) وكان رئيساً تنفيذياً مشاركاً لـ(J.P. Morgan) في السعودية.
في فصل الربيع الماضي، تواصل شخصياً مع اللواتي، ودعاها للانضمام إلى (صافولا) كرئيس قسم الاستثمارات، حيث تكون تابعة له مباشرة. كانا يعرفان بعضهما بحكم التقاء خط سيرهما مهنياً في الماضي. لقد وافقت وانتقلت إلى جدة في شهر أغسطس/ آب لتولي منصبها الجديد.
كان العرض مغرياً للواتي. فقد منحها القدرة على قيادة الاستراتيجية الاستثمارية في الشركة، وكانت معجبة بفريق (صافولا) الإداري ومجلس إدارته.
تقول إن العديد من الشركات العربية تعمل بنظام هرمي من أعلى إلى أسفل، فيما لا تملك بقية أقسام الإدارة الكثير من الاستقلالية. لكن هذا لم ينطبق على (صافولا).
وتقول: "كنت مرتاحة إزاء كيفية صنع القرارات". في منصبها الجديد، ستكون مسؤولة عن تنفيذ الخطة الاستثمارية الاستراتيجية الجديدة للشركة. لدى (صافولا) بالفعل حصص كبيرة في عملاقة الألبان السعودية، المساهمة العامة، (المراعي)، و(HerfyFoodServices) التي تدير مطاعم وجبات سريعة في البلاد.
ولكن تقول اللواتي: "إن (صافولا) لم تسعَ بنشاط، وعن عمد إلى تعقب الفرص الاستثمارية مطلقاً". وتضيف: "ببساطة، لم تكن استجابتها سريعة وفعالة لما يحدث في السوق".
ستكون أهدافها الاستثمارية والاستحواذية متعلقة بالأغذية والتجزئة، ولكن على نطاق عالمي وليس إقليمياً فقط. وفي حين أحجمت اللواتي عن ذكر عدد الصفقات التي ستجريها كل عام، قالت إنها ستكون شبيهة في الحجم بالاستحواذات في الماضي.
على سبيل المثال، تمثلت إحدى أكبر عمليات الشراء لـ(صافولا) في متاجر (Geant) بالسعودية في 2009، مقابل 117 مليون دولار. اللواتي المولودة في مسقط، ليست غريبة كلياً عن صناعة الأغذية. فقد عمل والدها تاجر سلع في الأغذية متنقلاً بين عُمان والإمارات.
ولم تعمد إلى السير على خطاه. في 1997، دخلت جامعة براون في الولايات المتحدة. تقول: "لطالما أردت أن أدخل إحدى الجامعات المرموقة في شرق الولايات المتحدة". حصلت على درجتي البكالوريوس في الاقتصاد وعلم الأعصاب، وهي تعزو الفضل إلى علم الأعصاب في جعلها مفكرة تحليلية. بالعودة إلى الوطن، توظفت لدى (Schlumberger) في عام 2002، وقامت برحلات عمل منتظمة إلى الإمارات. تقول: "أردت حقاً أن أكون في دبي".
في دبي، وأثناء الإشراف على مشروع قصير الأجل لشركة الأخبار (Zawya)، التقت مدير الشركات لدى (أبراج) في مؤتمر. دعاها للتقدم بطلب توظيف. وللتعرف على مجال الاستثمار في الملكية الخاصة، لجأت إلى الكتب، مثل (Barbarians at the Gate) الذي يروي حكاية الاستحواذ الأسطوري عام 1988 على (RJR Nabisco) عن طريق (KKR) شركة الاستثمار في الملكية الخاصة القوية في (وال ستريت).
في سبتمبر/ أيلول 2004، عينتها (أبراج)، التي لم يتعدَ عمرها آنذاك سنتين، وموظفيها 30 شخصاً، كمحللة مبتدئة. قبل (أبراج) بفترة طويلة، اقتحمت (Investcorp) البحرينية مجال الاستثمار في الملكية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط ، لكنها رغم ذلك لم تُفهم بشكل جيد.
إذ خلال الاجتماعات مع الرؤساء التنفيذيين للشركة، اضطرت هي وزملاؤها أحيانا إلى شرح معناها. تقول اللواتي: "لم تكن هناك ترجمة عربية للاستثمار في الملكية الخاصة"، إذ ساعدت في ترجمة المصطلح في البيانات الصحفية الصادرة عن (أبراج) باللغة العربية.
بالتزامن مع ترقيها إلى رئيس قسم الاستثمارات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 2015، عملت اللواتي على الاستثمارات في عدد من القطاعات، مثل جولة التمويل التي قادتها (أبراج) بقيمة 60 مليون دولار في (Careem). كانت إحدى أكبر صفقاتها (Acibadem)، شركة الرعاية الصحية التركية. ساعدت في التفاوض على استحواذ (أبراج) على حصة %50 مقابل ما يزيد على 600 مليون دولار في 2007.
وقد كمنت الصعوبة حينذاك في فهم شبكة المتطلبات التنظيمية المعقدة. حين باعت (أبراج) حصتها بعد 5 أعوام، كانت (Acibadem) قد أصبحت إحدى أكبر مجموعات المستشفيات في تركيا.
رسخت دروس (Acibadem) في ذهنها، وشكلت أسلوبها في الاستثمار. إنها تعول كثيراً على الصبر وصقل مهارات الموظفين.
تقول "أحياناً يتعين عليك الحديث إلى أحدهم لمدة عامين. إنه عمل طويل الأمد لذا عليك استثمار ذلك الوقت". في 2012، ساعدت في الإشراف على استثمار استراتيجي في (Kuwait Energy)، شركة إنتاج واستكشاف النفط والغاز، وكانت عضواً في فريق قاد الاستحواذ على (Viking International)، شركة الخدمات النفطية الأمريكية التي تدير عمليات في كل من تركيا وبلغاريا ورومانيا.
لكونها امرأة، وجدت اللواتي نفسها معزولة في عالم التمويلات الضخمة. حتى على الصعيد العالمي، %19 فقط من النساء كن يملكن مناصب رفيعة في القطاع المالي في 2013، وفقاً لـ(PwC).
على الأرجح لاتزال هذه النسبة ثابتة تقريباً إلى اليوم. من بين 14 شريكاً في (أبراج)، واحدة فقط هي الآن امرأة. تقول اللواتي "الكثير من الناس يفترضون أنك لست الموظف الأرفع مستوى في الاجتماع، ويخاطبون أحياناً زميلي المحلل بدلاً مني".
في 2015، بعد العمل على الصفقة لعامين، اختتمت اللواتي استثمار (أبراج) في سلسلة المطاعم السعودية (Kudu)، إلى جانب شركة الاستثمار في الملكية الخاصة الأمريكية (TPG Capital)، واحتلت مقعداً في مجلس إدارة (Kudu).
تعرفت إلى قطاع الأغذية في السعودية، ولاحظت عدد الفرص، نظراً إلى تزايد حجم الطبقة الوسطى في البلاد. لفت انتباهي أن "القطاعات الاستهلاكية مثيرة للاهتمام دائماً لأن بإمكاني أن أفكر في أمور يمكن فعلها على نحو أفضل، ففيها جانب يتعلق بالحدس". (Kudu) آثرت لاحقاً على قرارها بقبول عرض العمل المقدم من (صافولا). بدأت اللواتي بالتفكير في إمكانية الرحيل عن (أبراج). في سبتمبر/ أيلول 2015، سافرت إلى لندن لإجراء جراحة في الركبة، ما أجبرها على البقاء دون حراك لمدة 3 أسابيع. استغرقت وقتاً كافياً للتفكير في خطوتها المهنية التالية. في مارس/ آذار 2016، قدمت استقالتها لتبدأ الرحلة مع صافولا.
ستكون الأنظار مسلطة على تبدل أحوال (صافولا)، وعلى أول امرأة تصل أرفع المناصب الإدارية في الشركة السعودية على الإطلاق.