ليس جديداً الحديث عن الإرهاب، ولا حتى عن المرأة في خندق الإرهابيين، لكن الجديد تبدُّل المواقع، وانتقال بنت حواء من دائرة «الخدمات اللوجستية» التي تُسند لجنس النساء غالباً إلى المنازلة الميدانية والانخراط في الصفوف الأولى من التنظيمات التطرفية، التي وإن تبدلت أسماؤها وتنوعت شعاراتها وأشكالها إلا أنها في النهاية تصب في التوجه ذاته، وتنزع للغاية ذاتها، وتسلك الطريق نفسه، وتتخذ العنف منهجاً وسبيلاً.
لقد أثار وجود النساء ضمن العناصر الإرهابية الذين تم القبض عليهم من قِبل الجهات الامنية في عدد من البلدان .. أثار هذا الحدث تساؤلات عدة لدى المحللين المتخصصين في قراءة الملف الإرهابي، فضلاً عن غيرهم. ولعل من أهم الأسئلة التي تستحق الطرح والوقوف عندها طويلاً: تُرى، ما دواعي انتظام المرأة وانخراطها في منظومة الإرهاب وانتمائها للجماعات الإرهابية التي تتخذ من العنف مطية للوصول إلى غايتها، وتعمل حسب أجندة معقدة وبهرمية سرية معنعنة، من الصعب على جنس النساء إدراك مراميها وتفهم ومعرفة أبعادها ورموزها وشبكاتها وخلاياها غالباً والتدرج في سلم هرميتها وصولاً للمنازلة والتنقل من بلد لآخر؟ شخصياً، مع إيماني لدور القرابة والصلة في هذا السلوك الخطير الذي لا يتوافق وطبيعة المرأة إلا أنني لا أستبعد أن مجتمع النساء لدينا قد اختُرق بصورة أو بأخرى من قِبل الجماعات المتطرفة، ووُظفت العاطفة التي هي الأصل لدى بنت حواء بشكل كبير من أجل تحريك الدافعية لديها للنصرة والجهاد حسب فهمهم القاصر، وبناء على مرجعياتهم الفكرية المعروفة، وكانت – وما زالت – مواقع الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي في عالمنا الافتراضي الناقل الرئيس لمضامين هذا الفكر المدمر.
لأكثر من عامين ظلت البريطانية الهاربة عن ديارها سالي جونز٬ المرأة الإرهابية الأولى المطلوبة في العالم للعدالة٬ ومنذ فرارها إلى سوريا من كينت جنوب شرق انجلترا٬ وزواجها من جنيد حسين٬ وهو مقاتل داعشي من برمنغهام٬ فليس ثمة دليل ملموس عليها٬ إلا حفنة من الرسائل الإعلامية التي تشكل القرائن الوحيدة لاستدلال باهت على حياتها الجديدة بين جماعة "الخلافة".و كشفت صحيفة "التلغراف" البريطانية٬ معلومات عنها وابنها البالغ من العمر أحد عشر عاما "جو"٬ وذلك عبر لقاءات مع عدد من الناشطين في سوريا والمنشقين من داعش في جنوب تركيا.بدأت القصة عندما كانت تلك المرأة التي تعيش عزلة وحيدة مع طفليها بالتحادث عبر الإنترنت مع جنيد حسين ابن التاسعة عشرة٬ الذي كان بارعا كأحد هكر الكمبيوتر٬ ليسلبها عقلها٬ بعد أن تحدثا عن حياتهما في انجلترا٬ الإسلام٬ والحرب في سوريا٬ وأخبر حسين سالي أنه يريد أن يغادر إلى هناك لكي يلتحق بداعش ودفعها لكي تفعل مثله وتمضي معه.تظهر المعلومات أن حسين دخل سوريا في يوليو ٬2013 عبر الحدود التركية في منطقة جرابلس إلى الرقة التي مثلت عاصمة الداعشيين. وبعد ستة أشهر تبعته سالي جونز خلال عطلة الكريسماس المدرسية٬ وذلك عندما كان ابنها جو يحتفل بعيد ميلاده التاسع٬ أما ابنها الأكبر فقد كان في الثامنة عشرة من عمره٬ وقرر أن يبقى في المملكة المتحدة مع رفيقته. مع وصول جونز إلى سوريا تزوجت من حسين٬ بحضور عدد بسيط من الناس٬ وفي حفل مصغر في مدينة إدلب٬ بشمال البلاد٬ وفورا قامت جونز بإعلان دخولها الإسلام وتحول اسمها إلى سكينة حسين٬ فيما سمي ابنها جو بحمزة. عندما أدرك الزوجان الرقة فقد افترقا عن بعضهما٬ حيث ذهب حسين إلى المناطق الريفية لأجل التدريب العسكري٬ فيماُأخذت جونز إلى معسكر في الجزء الجنوب الغربي من مدينة الرقة لتقضي مدة ستة أسابيع٬ تم فيها اختبارها على الولاء للتنظيم٬ وتعلمت أصول المتطرفين٬ وتلقت دروسا في التفسير والشريعة.بعد عدة أسابيع تزوج حسين من زوجته الثانية٬ البالغة من العمر 23 عاما٬ وهي امرأة سورية من الرقة٬ ويعتقد أن الزوجتين عاشتا لردح من الزمن معا في مبنى واحد بشارع النور بوسط الرقة وذلك لتقليل المصروفات. وقد أخبر ناشط صحيفة "التلغراف" أنه لا يعرف إن كانت جونز راضية عن تقاسم زوجها مع امرأة أخرى٬ لكن رسائل أرسلت عبر حسابها في تويتر تشير إلى أنها كانت ملتزمة بزواجها.استخدمت جونز اسما مستعارا هو "أم الحسين البريطانية" لكي تفاخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالحياة الرائعة في "دولة الخلافة". وقد شجعت الأتباع على أن يقوموا بعمليات ضد الغرب٬ كما دافعت عن قيام داعش بقتل الرهائن الأجانب٬ مؤكدة أنها ستفعل الأمر ذاته٬ ويعتقد أنها ساهمت في عمليات تجنيد واسعة للنساء قبل أن يتم إغلاق حسابها على تويتر.بعد فترة من الزواج سافرت سالي إلى الموصل بشمال العراق٬ مع زوجها حسين الذي ذهب بتكليف رسمي من التنظيم لنصب أنظمة رادار في المنطقة. وقد تطور موقع حسين في الرتبة بسبب كفاءته المهنية وخبرته التقنية الكبيرة كهكر وتقني. ويعتقد أنه وراء عدد من عمليات القرصنة عبر الإنترنت٬ ودفع مؤيدين للقيام بأعمال إرهابية٬ وقد وضعته الولايات المتحدة على رأس قائمة المطلوبين بعد أبوبكر البغدادي زعيم التنظيم٬ وجون محمد إموازي الذي يعتقد أنه وراء تنفيذ عمليات إعدام الرهائن الأجانب.قامت أميركا بملاحقة حسين إلى أن تم اغتياله في آب 2015 بواسطة طائرةبدون طيار٬ بإطلاق صاروخ على سيارته٬ ما مثّل خسارة للتنظيم٬ وكان مقتله فادحا لاسيما لسالي البالغة من العمر 47 عاما٬ التي آثرت أن تبقى أرملة٬ في حين أن الزوجة الأخرى لحسين تزوجت من رجل آخر. وربما كان السبب يتعلق بسنها٬ لأن الداعشيين يفضلون النساء صغيرات السن٬ وثمة رواية أنها انتقلت في فبراير/شباط الماضي مع ابنها جو٬ في شقة جديدة بشارع الثكنة بجنوب الرقة٬ حيث يشاركها في البناية عائلات فرنسية وأوزبكية من المقاتلين مع التنظيم.بعد مقتل حسين٬ وضعت سالي نفسها بمهمة تدريب الأوروبيات الملتحقات بالتنظيم٬ اللائي يعرفن بالمهاجرات٬ وتولت الفرع النسوي لكتيبة أنور العولقي٬ وهي وحدة أنشأها زوجها حسين تضم مقاتلين أجانب٬ هدفها التخطيط لأعمال إرهابية في الغرب٬ وقد سميت باسم الناشط اليمني الأميركي الذي قتل بواسطة طائرة بدون طيار في عام ٬2011 وتولت سالي تعليم النساء استخدام السلاح والقتال والقيام بالعمليات الانتحارية ضد الأهداف الغربية٬ ويقال إنها تأخذ راتبا شهريا 700 دولار٬ إضافة إلى 300 دولار كعلاوة أرملة "شهيد".وقد تحولت بعد وفاة زوجها إلى امرأة عنيفة بحسب الشهود٬ وأصبحت أكثر كراهية للغرب. ويؤكد منشق من داعش٬ عرف باسم "أبوعبد الرحمن" يقيم في مدينة غازي عينتاب جنوب تركيا على دور سالي الجديد في التنظيم٬ وأنها باتت تلقى الاحترام بوصفها أرملة جنيد٬ الذي كان يعتبر رجلا مهما٬ وأوضح أن ذلك يهدف إلى توصيل رسالة إلى المقاتلين المهمين بأن التنظيم يحترم عائلاتهم ويضمن لهم حياة كريمة مهما حصل٬ بعد وفاتهم. إلى أن المرأة باتت مهمة جدا٬ فقد كانت سببا في تجنيد الكثير من الفتيات إلى الرقة٬ فمن ناحية مبدئية ليس سهلا إقناع فتاة مسيحية عاشقة لموسيقى الروك بأن تصبح متطرفة،،والمعروف ان داعش شكل كتيبة انتحارية جديدة في مدينة الرقة السورية، تتكون عناصرها من النساء، مع اقتراب المعارك من معقلة الرئيسي.وذكرت مصادر صحفية، أن "التنظيم بدأ بالتجهيز لمعركة للدفاع عن أهم معاقله الرقة، عبر قرار إدخال العنصر النسائي في معركته بشكل مباشر على شكل كتيبة انتحارية جديدة، نتيجة عدم إمكانية زج كتيبة الخنساء في المعركة خوفاً من فقدان التنظيم سطوته على النساء".وتملك كتيبة الخنساء سمعة سيئة بين صفوف المدنيين، وتشكل كابوساً للنساء في الرقة، نتيجة الممارسات الداعشيات لاستفزاز أشخاص لأسباب شخصية، كما أن أغلب النساء المنضمات حديثاً ذوات سمعة سيئة، منهم من كن يعملن بالدعارة قبل سيطرة داعش على المدينة، وانضممن للتنظيم بهدف الحصول على الرواتب المرتفعة أو بعد اعتقالهن من قبل التنظيم ومبايعتهن له لتجنب حد الرجم.وقالت فرح من مدينة الرقة بحسب موقع "كرمالكم"، "زارتني إحدى زوجات عناصر التنظيم، واستمرت زيارتها بشكل يومي وعلى مدى أسبوع، وهي تلمح بضرورة إشراك النساء في المعارك لحماية الرقة من الهجوم المرتقب، وأن الدفاع عن المدينة هو واجب الكل".وأضافت فرح "تطورت أحاديث المرأة لمحاولة إقناعي بالانضمام للتنظيم، ولكن ما فاجأني هو مطالبتي بالانضمام لكتيبة نسائية جديدة تتبع للتنظيم، ليست مهمتها القتال، بل تنفيذ عمليات انتحارية، وبأن التنظيم سيتكفل رعاية أهلي بعد موتي، وسيقدم لنا مبلغاً مالياً كبيراً، قبل تنفيذها العملية كضمان".وفي سياق متصل، أكدت أرملة أحد عناصر التنظيم بالعراق، أن "امرأة مصرية من التنظيم أتت إليها لتطلب منها الزواج من عنصر آخر في التنظيم، وتنفيذ عملية انتحارية، عارضة عليها مبلغاً مالياً، “مقابل لقاء زوجها بالجنة!".+
في مدينة الرقة السورية، والتي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” منذ سنة 2013، والتي أعلنها التنظيم مقرا لدولة الخلافة،ثلاثمائة فتاة أوروبية توجهن إلى سوريا والعراق من أجل القتال مع تنظيم “الدولة الإسلامية” وتحقيق حلمهن بـ “جهاد النكاح”. أغلب الفتيات يغادرن بلادهن إلى مصير مجهول دون موافقة الأهل.أغلب قصص الفتيات المتوجهات إلى سوريا والعراق “للجهاد” تبدأ هكذا: لا يعرف الأهل ولأسابيع طويلة مصير ابنتهم الهاربة من المنزل. ومن ثم يأتيهم اتصال هاتفي، يفيد بأنها التحقت بصفوف “داعش” في سوريا لمساندة الرجال في الحرب. حسب تقرير صدر عن المركز الدولي لدراسات التطرف التابع للكلية الملكية في لندن، تتراوح أعمار معظم النساء اللواتي انضممن لتنظيم “داعش” بين 16 و24 عاما، والكثير منهن يحملن شهادة جامعية. ويقدر عدد الذين انضموا للتنظيمات الإرهابية في سوريا، من دول أوروبية بثلاثة آلاف شخص، معظمهم التحقوا بتنظيم “الدولة الإسلامية”، ويعتقد أن ما يقارب 10 بالمائة منهم من النساء.
هانز غيورغ ماسن رئيس هيئة حماية الدستور (جهاز المخابرات الداخلية في ألمانيا) أشار مؤخرا في مقابلة مع صحيفة “راينيشه بوست” الألمانية، إلى أن أربع قاصرات ألمانيات توجهن الى العراق وسوريا من أجل الجهاد، بعد أن تعرفن على أزواجهن عبر شبكة الانترنت، وأضاف أن هؤلاء الفتيات لا يعرفن حقيقة الأمر ولا يعرفن ماذا ينتظرهن هناك.
معظم هؤلاء النساء غادرن منازلهن سعيا وراء حبهن الكبير أو تكوين أسرة والزواج بمن أحببن. بعضهن مرتبطات برجال في أوروبا، ذهبوا إلى العراق وسوريا للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية. ونقلت صحيفة غارديان البريطانية عن لويس كابريولي، الرئيس السابق لوحدة مكافحة الإرهاب في الأمن الداخلي الفرنسي، قوله إن “مشاركة النساء كانت لمساندة إخوتهن في الإيمان، وذلك من خلال المشاركة في الحرب وإنجاب الأطفال من أجل نشر إسلام يتوافق مع فهمهن للدين”.
ويقول منتصر الدعمة، الباحث في شؤون التطرف بجامعة أنتويربين البلجيكية، في مقال نشره بموقع “المونيتور” الإلكتروني، إن تزايد حدة الإسلاموفوبيا وصعود الأحزاب اليمينية في أوروبا من الأسباب التي تدفع الفتيات إلى الانضمام للتنظيمات الإرهابية؛ بالإضافة إلى أن طفولة تلك الفتيات أيضا تلعب دورا مهما في ذلك. ويضيف بأن أغلبية الفتيات تعتقد بأنه “ليس لهن مكانا في المجتمع الذي يعيشن فيه. يشعرن بالإقصاء من جهات كثيرة، حتى من بعض المسلمين” لذلك عندما “يتواصلن مع فتيات مسلمات يشاركهن نفس الشعور، يعتقدن بأنهن أصبحن مقبولات ومحبوبات”.
لذا يلعب الانترنت دورا مهما في تجنيد الفتيات، حيث يمكنهن التحدث بحرية ومعرفة أفضل الطرق للتوجه إلى سوريا عبر تركيا. أما اللواتي يتواجدن في سوريا فيقدمن من جانبهن النصائح ويشجعن على القدوم إلى سوريا والانضمام للجهاد، ويرسمن لهن حياة مثالية تتطابق مع فهمهن للإسلام في “دولة الخلافة الإسلامية”، بالإضافة إلى تحمل نفقات سفرهن وتقديم بعض المغريات المالية لهن.