تقلبات الحياة ومشاكلها تجبر الإنسان على التكيّف معها وفق ما تراه الحياة العصرية التي تفوّقت في مدارها وصارت كوكبة من المعطيات والتفسيرات الجديدة التي ينبغي على الإنسان أن يفهمها حتى يواصل حياته ويقبل عليها دون تبرّم أو دهشة، وفي خضمّ ما تعيشه المرأة اليوم من تحوّلات اجتماعية وأسريّة فرضت عليها جملة من التغييرات سواء في تعاملها مع زوجها أو مع أولادها، تعيش المرأة خاصة المتزوجة حالة من الصراع مع الحياة بين تحقيق رغبتها كامرأة لها ما لها من الحقوق وعليها ما عليها من الواجبات وبين متطلبات الحياة العامة من زوج وأولاد وبيت. ويبقى التحدي الأكبر في حياتها هو التوفيق بين هذه الزوايا المفتوحة التي أمامها، هل تختار واحدة فقط وتغلق الأخرى، أم أنها لا تكتفي إلا بالأخذ من كل زاوية نصيبا منها، وهي التي تستمتع بذلك وتوفّر على نفسها الخروج من الأزمة بسلام، ولكن هناك أخريات ارتضين الراحة ولا يحببن أن يُتعبن أنفسهن في الحياة، فلا مشقة البيت ولا مشقة الأولاد ولا مشقة الزوج المسكين، هذه الأنواع موجودة في مجتمعنا مع تباين واختلاف في المواقف والرؤى. هناك كثير من النساء من يستطعن التوفيق بين العمل خارج البيت والعمل داخل البيت وهناك أخريات يفرّطن في هذه الواجبات نحو الزوج والأبناء بحكم العمل، وهناك كثير من النساء من يحتجن إلى العمل لتوفير لقمة العيش وليس هناك من ينفق عليهن وعلى صغارهن، وهناك من تلجأ للعمل لتعين زوجها على مصروفات الحياة، وتبقى المرأة مشتتة لا تعرف أين تتوجه بحالها الذي يحتم عليها أن تقرأ الواقع جيدا وتقرر ما يناسبها في حياتها. والذي أراه أن عمل البيت يتقاسمه الزوجان لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتقاسم الأدوار مع أزواجه فقد كان ينظف بيته ويخصف نعله ويرقع ثوبه وهو الرسول الكريم والنبي المختار صلى الله وآله وصحبه وسلم فلم لا نكون نحن قدوة لهذا النبي العظيم ونتصرف أحيانا كما لو أننا لم نسمع بهذا الحديث؟ لم لا نغيّر مفهوم الرجولة التي تعني التسلط على المرأة وإخضاعها للأوامر، لم لا تكون شريكة في الحياة كما عرفها الإسلام؟ ما زالت مجتمعاتنا تعتمد في تصرفاتها على العادات والتقاليد لا على شرع الله الذي سطّر الحياة كيف تكون بين الرجل والمرأة . فالحياة اليوم تقتضي هذه المشاركة في كل شيء، وقد تتعدى المشاركة إلى تقاسم الأدوار في تربية الأبناء وتعليمهم وتهذيبهم، فكما تعلّم المرأة أبناءها وتربّيهم وتهتمّ بهم وتراقبهم، على أولياء الأمور الرجال كذلك مسؤولية عظيمة لا تقلّ عن مسؤولية الأم، بل ربما تفوقها حينما يراجع الأب ابنه ماذا تعلّم؟ ومن يتّخذ في حياته قدوة؟ وعلى أي هدى يسير في طريقه؟ كل ذلك مهمّ في حياة الأبناء لكي تكون الروابط قوية بين الآباء والأبناء، ولكي يمارس كل منهما حياته الطبيعية دون منغصات. ورغم وجود الفتاوى التي تحرّم عمل المرأة، إلا أن العلماء باجتهاداتهم ومسايرتهم للواقع توصّلوا إلى أن المرأة بإمكانها العمل في ميادين خاصة بها دون الاختلاط بالرجال أو الخلوة بهم، ولكن الحياة العصرية جعلت من هذا الاختلاط أمرا بدهيا وعاديا كالحضور في الندوات والمحاضرات الثقافية والأسواق والمعارض وغيرها من الملتقيات التي يكون فيها النساء والرجال في مكان واحد، وبالتالي على المرء أن يتكيف مع الحياة الجديدة وعلى المرأة أن تفهم واجبها جيدا تجاه نفسها وأسرتها، ومجتمعها، وأن توازن بين الأمرين لتعيش حياتها سعيدة وهي المتألقة في جميع مجالات الحياة.