أن تكون لك زوجة صالحة فتلك منحة من الله، وعطية تحتاج للشكر، يرى كثيرون أن الزواج شر مستطر لا بد منه، وأن المرأة ما خلقت في هذا الكون إلا لتنغص على الرجال حياتهم، قناعات تربى البعض عليها وتؤكدها بعض أفعال من نساء، ولكن الحقيقة أن النساء لسن بشياطين، ولسن ملائكة وإنما من يحدد ذلك هو الرجل.
المرأة التي ما بدأ الشعراء قصائدهم إلا بذكرها والتغني بمحاسنها لم ينسَها الإسلام من التكريم والتعظيم ورفع المكانة فقد كرّمها بنتاً وكرمها زوجة وكرمها أمّاً ولم يحصل للرجال نصف تكريمها.
قديماً حدثني أحد أساتذتي قائلاً إن المقولة الشهيرة "المرأة نصف المجتمع" ليست صحيحة فتعجبت يومها، ولم أكن قد تروجت بعد فقال لي: المرأة يا بني هي المجتمع كله، قلت كيف ذلك؟ قال لأنها نصف المجتمع كما يقولون، وإنها تقوم بتربية النصف الآخر، وهو الرجال.
وقد عبّر عن هذا المعنى الكثير من الشعراء، فهذا الشاعر معروف الرصافي (1292 - 1365 ه / 1875 - 1945م) يعبر عن دور المرأة في غرس القيم وتربية الأبناء، وليس غيرها يصلح لهذه المهمة.
ولم أرَ للخلائق من محلّ يُهذِّبها كحِضن الأمهات
فحضْن الأمّ مدرسة تسامتْ ** بتربية ِ البنين أو البنات
وأخلاق الوليدِ تقاس حسناً ** بأخلاق النساءِ الوالداتِ
وليس ربيبُ عالية ِ المزايا ** كمثل ربيب سافلة الصفات
وليس النبت ينبت في جنانٍ ** كمثل النبت ينبت في الفَلاة
والمرأة ذلك الكائن اللطيف الوديع الضعيف، لا يستطيع الرجل بدونها الحياة، فتراها هي من تزين الحياة وتجعل لها معنى، إذا حسنت تربيتها من البداية على الفضيلة والدين كان المجتمع في حال صلاح دائم، وإذا بحث الذين يريدون التحرر من قيود الدين وإلزامه بالحفاظ على الجواهر المكنونة، إلى الخروج على كل هذا بالتبرج والسفور وجعل المرأة سلعة للمتعة فقط عندها ستجد مجتمعاً غارقاً في الرذيلة تنتشر فيه الموبقات وتسري كما النار تسري في الهشيم ونادوا بتحرير الفتاة تبرجاً فتبرجت للعاهر السكران.
ولهذا كانت دعوات الكثير من الشعراء والعلماء لحسن تنشئة هذه المرأة التي ستربي الأجيال، فالحرب شعواء على أمتنا، ولم يكن لأعداء هذه الأمة أن ينالوا منها إلا يوم أن أفسدوا حياتنا ومجتمعاتنا بما يصدرونه لنا من ثقافات غريبة على مجتمعاتنا الشرقية والإسلامية، فهذا شاعر النيل حافظ إبراهيم 24 فبراير/شباط 1872 - 21 يونيو/حزيران 1932م، يتحدث عن المرأة أما ودورها في صناعة الأجيال:
مَن لي بِتَربِيَةِ النِساءِ فإنها ** في الشَرقِ عِلَّةُ ذَلِكَ الإِخفاقِ
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إذا أَعدَدتَها ** أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراق
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا ** بِالرِي أورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ استاذُ الأساتذةِ الأُلى ** شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ
أَنا لا أقول دَعوا النِساءَ سَوافِر ** بَينَ الرِجالِ يَجُلنَ في الأسواق
ثم ينادي مرة أخرى لتربية هذه البنت والاهتمام بها والتعب على أن تكون صالحة فإنها المجتمع والمستقبل:
رَبّوا البَناتِ عَلى الفَضيلَةِ إِنَّها ** في المَوقِفَينِ لَهُنَّ خَيرُ وَثاقِ
وَعَلَيكُمُ أَن تَستَبينَ بَناتُكُم ** نورَ الهُدى وَعَلى الحَياءِ الباقي
فمتى كانت لك زوجة صالحة فاعلم أنها هدية من الله لك، فقد كان من آخر وصايا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الوصية بالنساء اتقوا الله في النساء.
والنساء الصالحات إذا بحثت وجدتهنّ خير النساء، التي من إذا أردتَ الحياة في الجنة وجدتها معهنّ في الدنيا، وتراهن وكأنهنّ من الحور الحسان بل أجمل، وهذا يعطينا نحن الرجال إشارة بأهمية الرعاية وحسن التنشئة.
وليس جمال المرأة في سفورها وتبرجها كما يظن البعض، ولكن جمال المرأة يكمن في كونها تخشى أن تعصي الله بهذا الجسد الذي ما وهبها الله إياه إلا لتطيعه ولا تعصيه.
والمرأة الصالحة هي تلك المرأة التي نراها بعد أعوام من وقوع الانقلاب في مصر تنزل في المسيرات والوقفات الاحتجاجية رغم خطورتها دون أن تتزعزع عقيدتها ويقينها بنصر الله، وهي المرأة الصابرة التي فقدت الحبيب والزوج بقتله أو موته على أيدي الظالمين ولم تتراجع ولم تنكسر همتها، فهي والله أفضل من كثير من الذكور يتشدقون بالحرية خلف الشاشات والقنوات ثم إذا احتدمت المعركة ولو فراراً.
هي تلك الأم التي فقدت الحبيب والعزيز والزوج والولد أو غيبته السجون وما زالت صامدة صمود الخنساء يوم استشهاد أولادها.
قليلون من يربون بناتهم على حب الشهادة وعلى التضحية لأجل الوطن، لكننا رأيناه من فتيات من الحور العين الذين جاءوا للدنيا ليعلموا نساء العالم أن الالتزام والتدين ليس يقلل من دور المرأة في القيام بالوقوف بوجه الظالم ومناهضته، فوجدناهن يزاحمن الرجال بحثاً عن الجنة، في مواطن الهلاك في سوريا وفي مصر والعراق، وفي الأرض المحتلة فلسطين، منذ عقود والنساء يتحملن ويجاهدن ومع كل ذلك تجد أنصاف الرجال لا يحفظون من القرآن "إلا الرجال قوامون على النساء"، فمتى كانت القوامة بالكلام.
فلتبحث كما علمنا رسولنا الكريم عن صاحبة الدين عند الزواج، ففيها الخير فهي التي لن تتركك إن حالت الدنيا، ولن تكفر بالنعم إن رزقك الله.
والجانب المظلم الذي يؤرقني على مستقبل هذه الأمة هن فتياتها وما حدث لهن من كراهية للالتزام بمبادئ هذا الدين، ففي كل يوم نرى دعوات للخروج على معتقدات لو استمر الخروج عليها كانت سبباً في فساد أجيال كثيرة قادمة، فالبنات هن مستقبل هذه الأمة، دعوات لخلع الحجاب ثم دعوات لكذا وكذا، حتى رأينا أن هناك دعوات للعري وحفلات للجنس وغيرها، مما ينذر بخراب المستقبل عند انعدام الأخلاق.
قديماً حدثنا أحد أساتذتنا في الجامعة قائلاً إذا أردت أن تهدم أمة الإسلام فلتهدم ثلاث، الخلافة والأسرة والقرآن، وقال هذا مخطط الغرب للقضاء على هذه الأمة، ثم قال أما الخلافة فقد أسقطوها، وكان فيها قوة المسلمين الكامنة، وأما الأسرة فهدم المرأة هدم للأسرة، وإذا هدمت الأسرة هدمت المجتمع، وهذا ما يعمل عليه الغرب من برامج إعلامية يتناولون فيها الأمور التي تهين كرامة هذه المرأة عن طريق دس السم في العسل، وما أكثر هذه القنوات.. يعملون ليل نهار لهدمنا دون أن نعيرهم اهتمامنا بما يقال في بيوتنا.
وأخيراً أقول لكل زوج وأب وأخ وولد: اتق الله فيما عندك من النساء، فليسوا متاعاً يباع ويشترى، ولتحرص أيها الأب والزوج على تقويم من تعول بالحسنى، ولتراقب ما يقال في بيتك من شاشات التلفاز ومواقع التواصل والأخبار، ولتعلم أيها الشاب المقبل على الزواج أن معدن المرأة الحقيقي بداخلها لا بما يظهر أمامك من جمال زائف، ولتبحث عن صويحبات الدين من النساء، فالمرأة الصالحة كنز الرجل، وبها يكون المستقبل.
ولتكن المرأة هي بوابتك للجنة، سواء أكانت أماً أو زوجة أو أختاً أو بنتاً، فالجنة تحت أقدام الأمهات، والزوجة الصالحة تأخذ بيدك للجنة والأخت والبنت إذا اتقيت الله فيهن كنّ لك حجاباً من النار يوم القيامة، ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنّة. فقيل: يا رسول الله واثنتين؟ فقال: واثنتين. فقيل: يا رسول الله وواحده؟ فقال: وواحدة"، (مکارم الأخلاق).