هل تعرف ماذا يعني أن تجرح امرأة ؟؟ معناه أنك تسببت في شرخ بداخلها وأنت تتمرد على كل القيود التي تحول دون حدوث الجرح . معناه أنك تجاوزت حدود اللياقة في أدب التعامل ولبست كسوة جلاد تجرد من كل معاني الإنسانية . معناه أنك أعلنت حربا على كائن ضعيف بهدف كسر كبريائه وإهانة كرامته مع الإصرار الحثيث على إذلاله، مستعرضا عضلاتك متباهيا بقوتك وما عضلاتك وقوتك إلا دليل على الجبن والعجز وقلة المروءة والشهامة .
حينما تتعرض المرأة للجرح على يد أي كائن بشري وخصوصا إذا كان (رجلا) فإن أيادي الإدانة يجب أن ترفع عنها، وأصابع الإتهام لابد من أن تتوجه للطرف الجارح لأنه البادي والبادي أظلم مثلما هو متعارف عليه، كما أن أي ردة فعل من المرأة مهما بلغت درجة الشراسة والعنف والقوة ماهي إلا تعبير صارخ عما خلفته آلام الجراح بأعماقها الهشة وأحاسيسها المرهفة .
العجيب في مجتمعاتنا هو أن المرأة المجروحة متى تصدت لبواعث جرحها ودافعت عن حقوقها في الحياة والمسلوبة عنوة نعتت بأنها امرأة ينقصها الأدب والتربية، بل ويمتد نعت بعض المتخلفين لها بأنها امرأة تفتقر “للعصا” استنادا لكونها كائن لايتم تقويمه إلا بالضرب والتعنيف، ومتى لم يكن نصيبها أوفر من نيل ” العصا” فهي امرأة غير سوية ومحتاجة لمن يقوض بناءها كي تستسلم بصفة كلية ولا تقدر على الدفاع عن نفسها حتى ولو في لحظات الظلم والإعتداء عليها .
هذا هو التصور الذي تحمله بعض العقليات عن المرأة، وهذه هي الأفكار الوضيعة التي غالبا ما تكون وراء أذية المرأة فتصير مجروحة، مجروحة الكرامة والإحساس والعقل والقلب من دون سابق إثم اقترفته، تصير مجروحة ومستعدة للإنتقام تقابل الشر بالشر كي تتخلص ولو يسيرا مما يدمرها داخليا ويفتك بها في واقع لم تجد به من يناصرها ويكون إلى جانبها إنصافا لها .
إن أخطر ما يمكن إنتاجه اجتماعيا هو امرأة مجروحة، امرأة تحولت على أيدي العابثين من إنسانة وديعة رقيقة مفعمة بالعواطف الجميلة إلى كائن آخر غريب، مجهول الهوية، صعب الفهم، متعسر التواصل معه بصيغ عقلانية وطرق لينة بعد القسوة وسوء المعاملة التي أغرقته . ولاغرابة وقتئذ ولامجال للشكوى من هجومها ووصف هذا الهجوم بالشرس والوحشي لأن الطبيعة الأنثوية المستفزة تتحدث ساعتها، ولأن كيانها المسيج قد تم تحطيمه بسوء التقدير وقلة الإحترام فصارت جاهزة لغرس مخالبها في كل من يقترب منها دفاعا وصيانة لما تبقى من كيانها المهشم . يقول أنيس منصور : ” المرأة قلعة كبيرة إذا سقط قلبها سقطت معه ..”.
بإمكاننا كمجتمع تجنب إنتاج هذا الصنف من المرأة، المرأة المجروحة حسا ومعنى، وذلك بأن نمنحها مساحتها المشروعة للتعبير عما تريده هي من دون ضغط أوفرض لأي سلطة، بعدم التضييق عليها أو محاولة استغلال قدراتها وطاقاتها لحسابنا الخاص، كما يمكننا التخلص كمجتمع من داء اسمه ” المرأة المجروحة” بالرقي بمستوى خطابنا للمرأة وعدم قذفها وتلويث سمعتها لأن جرح المراة في هذه النقطة بالذات يرفع حدة المرارة بجوفها، وينجرف بها سريعا إلى ما هو سلبي يصب في اتجاه الكيد ردا للإعتبار .
بحسن الإصغاء للمرأة وتجنب إقصائها وتهميشها وبمشاركتنا إياها للأعمال في ود واحترام ومسؤولية نكون قد كسبنا بنجاح نصف المجتمع الذي يكملنا، ونكون قد استطعنا إحكام القبضة على السبل السلمية لاحتوائها كائنا إيجابيا، هذه السبل التي هي أساسا متاحة لنا إلا أن المقبلين عليها قليلون جدا ولعله مكمن المأساة .
المرأة المجروحة في شراستها وعدوانيتها ما هي إلا وجه من أوجه المتناقضات المتوفرة بداخلها، فمن سعى إلى استخراج الجمال والنبل والعاطفة بجماله ونبله وعاطفته كان له ذلك، ومن سعى إلى النقيض حصل عليه فلا يلم ولا يعاتب ولايشكو ولايتوعد ولا يقل هي المذنبة بل ليقل هذا ما جناه غبائي في حسن التعامل مع المرأة .