الديموقراطية الحلم المشتهى للشعوب التي ترزح تحت نير الاستعباد والاضطهاد، وسطوة البوق الواحد جعلت من أحداث تركيا الأخيرة محط اهتمام كبير، وجعلت كل ما يتقوّل في حقها غثا لا قيمة له.
ثورات الربيع العربي التي حلم أهلها أن تتكلل بالديموقراطية يجهد في إجهاضها حتى اليوم، رغم أن أوارها ما يزال ملتهبا تؤكده أنفاسها الحية، حتى وإن كانت للموجوعين، وللمتألمين، وللمضيّعين في متاهات الأرض في ظلّ تآمر دولي لا يخفى يصرّ على حرمان الشعوب من حقوقها، وضمن اتهام باطل أنّ الشعوب العربية لا تصلح لممارسة ديموقراطية تمارسها البلدان الغربية، ويدافع أصحابها عنها بشراسة.
لا بدّ أنّ الثورات ستحتاج إلى وقت طويل لتختمر، وتعطي أكلها الطيب من تحقيق للعدالة الاجتماعية والسلام في أرض داستها الأحذية العسكرية، واستأثر بها حكم الفرد الواحد مخمدا أي بوادر وعي قد تشرق، وكما هي منظومة الاستبداد قاعدته التجهيل، والظلم، ونشر الخوف والرعب.
الانقلاب الذي قامت به فئات عسكرية معينة في تركيا ضد حزب العدالة والتنمية، وضد الشعب ممثلا بالرئيس المنتخب أردوغان رفضه الشعب التركي، ووقف في وجهه رغم اختلاف منابته، ومشاربه من مؤيد، ومعارض لشخص الرئيس، وتوجهه في إدراك تام أنه عندما يصبح الأمر ماسّا الكيان التركي، وسلامة الأرض المشتركة، فإن الشعب يتدافع في جبهة واحدة تتحد لدحر العدوان.. وما أجملها من عبارة تجلجل في ساحات تركيا: لا للانقلاب..
لم تكن حماية أردوغان كشخص بعينه هي التوجه، ولا حماية حزب بذاته قد يتخالفون بالرأي حوله في أيام الصحو، ولكنهم حينما أمطروا التمّوا في ظلال العلم التركي الأحمر الذي انطلق مرفرفا صارخا في وجه كل عابث بالأمة التركية، ووحدتها إثر نداء صادق من زعيم منتخب بديموقراطية.
هذا التصرف الحكيم من رئيس واع لمصلحة أمته حريص عليها، ومن شعب مدرك أهمية الحدث، والوقوف في وجهه هو الذي تشتهيه الشعوب التي تبذل دماءها قانية في سبيل نيل حرياتها، وهو الذي كان، وما يزال السوريون المشتتون في أصقاع الأرض ينتظرونه أن يحدث ليعودوا إلى ديارهم المسلوبة منهم بحكم أكثر عساكر الأرض قذارة، وهمجية لم تعرف القرون الماضية أفظع منها.
الفعل المجرم الذي وجهه الانقلابيون إلى تركيا ممثلة في مجلس الشعب لا تفسير له عند شعب تذوق طعم الديموقراطية إلا أنها ضربة في صميمه، واستهدافهم زعيما منتخبا بالقتل لن يسكت عنه شعب تركي عرف قيمة الحرية، والاتحاد تحت راية البلاد رمز ثباتها وعظمتها..
تركيا ستدحض الأيادي المخربة، وستظل كما يعرفها اللاجئون السوريون حضنهم الحنون في وقت يغمض قادة أكثر البلاد مقدّرات، واستطاعة عيونهم عما يجري لهذا الشعب الذي دوّى بها منذ سنوات عبارة ساطعة في وجه الطغيان: لا لحكم العسكر، وإن طال النزيف.. لا للاستبداد، وإن غمرت الطرق أمامنا بالدبابات وبالحرائق، وبالأشلاء.