لا أتذكر تحديداً في أي مؤلفات أو مقالات سلامة موسى كتب عن موضوع الحمامات في الشوارع العامة، وموسى هو أحد أكبر المفكرين المصريين، توفي عام 1958 بعد أن ترك ميراثاً ضخماً في التنوير والحضارة وإعادة صياغة الواقع بما يتفق مع مكانة مصر الحضارية، بعد سنوات طويلة قضاها متجولاً ومتعلماً في أوروبا وتحديداً فرنسا وإنجلترا.
المهم لم يستطِع المفكر المصري أن يغض الطرف عن حالة الهوس الذكوري بالتبول في شوارع المحروسة وقتها، ورغم أن الزمن قد مرت عليه عقود عديدة فإن الحالة تظل على ما هي عليه، بعد أن حرمت مصر من بناء حمامات عامة في الشوارع.
واحد من أوجه "التنوير الحضاري" أن يجد الناس "بيتاً للراحة" في الشوارع والميادين، في ظل هذا التكدس السكاني الذي تعدى الـ90 مليوناً، والسياحة التي تبحث عن مفردات خاصة جداً أهمها التعامل بآدمية مع المواطن الذي من أبسط حقوقه أن يجد حماماً عاماً في الشارع.
ورغم علمي مسبقاً أن البعض سيخرج ساخراً ومتهكماً، يعني يا عمنا هو أنت حليت كل مشاكل مصر، ولم يعد باقي منها سوى حمامات الشوارع.
الحقيقة هذه المشكلة لا تقل عن مشاكل مصر، بعد أن أصبح من الطبيعي والواقعي أن تجد رجلاً مستنداً إلى حائط، أو خرابة، أو مكان غير آهل بالحركة ليقضي حاجته، ناهيك عن السائقين وفي قلب الميادين بعد أن اتخذوا من السيارات ساتراً يمنع الناس من رؤيتهم ووقفوا ليقضوا حاجتهم.
المشكلة ليست مشهداً يؤذي العين فقط، بل هو سلوك شعب نصدره للسياحة ونرسخه داخل الأجيال القادمة، بعيداً عن فكرة الصحة العامة والتلوث والعديد من الخطوط الحمراء التي قد يبدع فيها المختصون كل في مجاله.
لقد خاضت الدولة تجارب عديدة لعمل حمامات عامة، لكن للأسف كان مقدراً لها الفشل، أمام حالة القذارة الشديدة التي أصابت الحمامات مع عدم وجود متابعة للنظافة وتعديل من السلوك، وبعد أن استخدمها البعض لأعمال منافية للآداب ولتعاطي المخدرات.
ولأن سلوك الشعب جزء منه أسهم بشكل أو بآخر بعدم استمرار الدولة، خاصة بعد أن وجدت الدولة مشكلة في تعيين عمال للحمامات، وهذا مكلف وميزانية من ناحية، ومن ناحية أخرى فرضوا مبالغ مالية لدخول الحمامات فحدثت المشادات والمعارك وغيرها.
على أيه حال، الدولة في مأزق مع سلوك المواطن، لكنها لا بد أن تسارع في تعديل المشهد والتبول في الشوارع وبجوار المنازل والميادين، خاصة والشعب نصفه على أقل تقدير عنده مرض السكر الذي يتطلب متابعة دائمة لدخول الحمام، ناهيك عن السيدات وقلة حيلتهن في التعامل مع الظرف الطارئ.
حمامات بالشوارع ما نادى به سلامة موسى المفكر المصري المستنير كانت وقتها ملحوظة نظر لها البعض بسخرية، في مجتمع كان لا يزال يحتفظ بجزء من القيم والعادات والسلوك الجيد، ترى لو عاش سلامة موسى حتى أيامنا هذه ماذا كان سيفعل في المشهد الحالي الذي أصبح معتاداً وليس شاذاً أو خارجاً عن القواعد والأخلاق؟!
أعتقد لم يكن أمامه إلا أحد أمرين، إما أن يترك وطنه هارباً إلى فرنسا، أو يمتثل للواقع بحكم الاعتياد والعشرة والعادات والاعتياد، ويفك "حصره" بدون شوشرة ولا وجع دماغ ولا كلام مفكرين وخلافه، بجوار أقرب حائط.