كل صباح نبدأ نهارنا كما الجدات قديما نتفقد كل شيء حولنا الأولاد أولا ثم المنزل واحتياجاته ثم نرتب أولويات حياتنا حسب أهميتها ونبدأ النهار بأمل جديد لنكون من صاحبات البصمات اللواتي نقشن بحناء مخضبة ذكريات لا تنسى من ذاكرتنا حتى لو تقدم بنا العمر.
نقوش جدتي أذكرها دوما وهي تزور بيتنا نهاية الأسبوع ببيت متواضع كانه في كوكب المريخ كل ما فيه مكسو باللون الأحمر القاني ،لون الحب والعطاء والدم والفداء ،كانت جدتي تحرص على ري الورد الأحمر الجوري وكانت قد طلبت من والدي رحمهما الله أن يضع مدخل البوابة القرميد الأحمر كي نبدو متميزين كأصحاب النفوذ هذه الايام في قصور عمان في عبدون والحمر ومناطق عديدة بدأت قصورها كذلك الآن.
كانت جدتي تساعد أمي في تحضير طعام الإفطار وكان الزيت والزعتر أهم الأطباق التي تزين المائدة والبيض المسلوق وشرائح الطماطم وحبات الزيتون الأخضر ، وخبز القمح الذي تخبزه جارتنا أم أحمد في ساحة منزلها ما زلت أستذكر رائحة الخبز كم هي لذيذة تفتح الشهية للطعام ،لم نكن نعرف الكورن فلكس ولا خبز التوست كما إفطار اليوم ،كان الهم الأول لجدتي تحضير فطائر الزعتر كي نأخذها معنا للمدرسة وتقدم لنا بعض الملبس المخزن لديها "حامض حلو"وكان مصروفنا الذي يوزعه والدي علينا لا يتجاوز عشرة قروش وكنا نشعر بكفاف هذا المصروف ليوم كامل فلا نجد الشيبس الذي يبتاعه أطفال اليوم ولا الشوكولاته نوتيلا التي يحبها الأولاد اليوم وجدتي ترقبنا وتودعنا حتى نصل آخر الشارع وتذهب حين تختفي أطيافنا لتعود للبيت تجهز مع أمي طعام الغذاء وترتب البيت كما كان كي تستقبلنا عند عودتنا من المدرسة ،ولم تمل يوما جدتي ولم تختفي الابتسامة من وجهها المشرق المبتسم،كانت جدتي تصنع كل المأكولات التي تخطر على بال أرقى الطهاة بطريقة لذيذة ولم تكن تشتري أي طعام جاهز من المطاعم كما اليوم ،كانت تحكي لنا حكايات علي بابا وسندباد وتعلمنا أن البنات هم الممات وأن علينا الحرص كل الحرص على سمعتنا وأخلاقنا كي نجد أبن الحلال الذي بخطبنا لعفتنا وخلقنا ثم لجمالنا الذي لا يراه إلا يوم يتم الاتفاق على الخطبة كانت جدتي تقول لأن جدي سمع عنها وان أمه خطبتها له وأنه لما يراها إلا ليلة العرس فقط تصوروا هل يقبل عريس اليوم بذلك مستحيل أن يكون هذا ،وأستذكر كيف كانت تجلس مع أختي حنين يأت خطيبها فلا يحق له الاختلاء بها كما يحدث اليوم وأن عقد زواجهما فهو في عرفها حرام وممنوع وعمل المرأة يقتصر فقط على مهن بسيطة حياكة أو تعليم والخروج من البيت ممنوع مهما طالت بالأنثى السنين وأن عزفت عن الزواج أو لم يأت العريس بيت أبيها موجود.
وأقارن ما بين اليوم وأمس فكل شيء هنا مباح بين الخطيبين والخلوة حق وحتى كل ما كان ممنوعا قديما أصبح مباحا فقد ولى عهد الحريم وأصبحت المعاصرة هي الحرية وأن يكون الرجال مع النساء متساويين حتى في اختيار عريس المستقبل بل أكثر من ذلك صارت الأنثى هي التي تخب الرجل وأصبح هو الخجول أمامها ويتوسل أن تقبل به ،وكم تنهدت وقلت بنفسي ما زالت نقوش جدتي بقلبي وأتنهد وأقول يا ليتنا بقينا بزمن الحريم القديم وبقيت المرأة محفوظة في لفائف الحرير تقتات على ما يقدمه الأب والزوج حسب الإمكانيات لكن النساء اليوم تبغي أن تكون هي مصدر التمويل وهي التي تنفق وهي التي تعمل حتى يأتيها اليقين .