فى نفس الأسبوع الذى فقدت فيه مصر الكاتبة نعمات أحمد فؤاد (1926 - 2016)، وهى فخر لكل النساء، ولكل المصريين، اقترح أحد نواب البرلمان الكشف عن عذرية الفتيات اللاتى يتقدمن للالتحاق بالجامعات، وهو عار على الرجال، وعلى كل المصريين. إنه الذى شوه صورة مصر فى العالم بحق، لأن اقتراحه غير المسبوق ولا حتى فى أكثر بلدان الدنيا تخلفاً دوى فى كل مكان، وجعل مصر موضع السخرية.
إنه نائب فى البرلمان، وبدلاً من أن يكون قدوة فى احترام الدستور الذى يساوى بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات، يخالف الدستور باقتراحه المهين للإنسانية مخالفة صريحة. هذا الرجل يعبر عن ثقافة داعش التى تحاربها دولة 25/30 أو الجمهورية المصرية الرابعة على جميع الأصعدة، من المواجهة المسلحة إلى المواجهة الفكرية.
وبقدر ما يعبر هذا الرجل عن الانحطاط الثقافى الشامل، بقدر ما تعبر نعمات أحمد فؤاد عن ثقافة النهضة المصرية بعد ثورة 1919، فقد ولدت بعد ثلاث سنوات من تأسيس الاتحاد النسائى المصرى عام 1923، وكان مولدها فى المنيا، حيث ولد طه حسين (1889 - 1973)، والتحقت بكلية الآداب جامعة القاهرة، حيث درست على يديه، ونالت الماجستير عن أدب المازنى، والدكتوراه عن النيل فى الأدب العربى.
ولم تكن نعمات أحمد فؤاد باحثة مرموقة فى الأدب فقط، وإنما كاتبة سياسية من الطراز الرفيع، ليس بمعنى التعليق على الأحداث السياسية، وإنما بالمعنى الحضارى الشامل. وتجسد ذلك فى الحملات التى قادتها وشاركت فيها، مثل الحملة ضد دفن النفايات الذرية فى مصر، وحملات الدفاع عن الآثار المصرية، وغيرها. كانت نعمات أحمد فؤاد نموذجاً للإنسان المصرى خالص المصرية، وكأن مياه النيل تجرى فى شرايينها بدلاً من الدماء. كانت الفلاحة المصرية فى تمثال مختار «نهضة مصر» بامتياز.
ينص دستور مصر الجديد على أن شرعيته مستمدة من ثورة 25 يناير من أجل الديمقراطية، وثورة 30 يونيو من أجل فصل الدين عن السياسة. وقد شاركت المرأة المصرية فى الثورتين مشاركة كبيرة، وصعدت منهن الشهيدات مع الشهداء من الرجال، كما حدث فى ثورة 1919. وتعبر الجمهورية الرابعة عن مكانة المرأة بوجود أكبر عدد من النائبات فى كل تاريخ البرلمان الذى يحتفل هذا العام بمرور 150 سنة على إنشائه فى عهد الخديو إسماعيل.
وتعبر الجمهورية الرابعة، التى يقودها الرئيس السيسى، عن مكانة المرأة التى انتزعتها بالعمل والعلم بوجود أكبر عدد من النساء فى مناصب قيادية عليا طوال تاريخ مصر الحديث، الذى بدأ مع تولى محمد على منذ قرنين. مستشار الأمن القومى لأول مرة فايزة أبوالنجا، ومستشارة الرئيس للشؤون الاقتصادية عبلة عبداللطيف، ووزيرة التعاون الدولى سحر نصر، ووزيرة الاستثمار داليا خورشيد، ووزيرة الهجرة نبيلة مكرم، ووزيرة الشؤون الاجتماعية غادة والى، فضلاً عن العشرات من السفيرات فى الخارجية، والآلاف من أساتذة الجامعات. حقاً، إن نائب العذرية عار على الرجال، وعلى كل المصريين.