قد تشعر حيال بعض المخلوقات التي ينفون عنها تصنيف البشر بشعور مختلف تماما، ومنذ الوهلة الأولى تربطها بإنسان استشففت بينهما صفات مشتركة، فترى نفسك تطلق عليها اسمه دون أن تحتاج أن تفسر لنفسك: لم فعلت ذلك؟!
هذا ما كان من شجرة برتقال تحمل ثمارها الصغيرة بثراء استثنائي لم يسبق لي أن رأيته من قبل في أي مكان، ولكن أن ترتبط هذه الشجرة باسم لبنى، فله حكاية أشبه بالحكايات التي تروى عن بشر ألهموا ذاك السر الذي يجعلهم يصلون إلى نقطة غائبة عن الحضور متشربة باللاوعي الكائن فيهم.
بمن تراني أبدأ؟ بشجيرة البرتقال، أم بابنة خالتي لبنى؟ تنتابني الحيرة وأنا أكتب متسائلة: ترى من منهما التي نبتت أولا، ومن منهما التي وهبت الأخرى ذاك الألق، وذاك الحب، وذاك التفاني في العطاء؟
حديقة لبنى تحيط ببيت شيّد ليكون سردا طفوليا، كما أكثر البيوت الأسترالية، بيت يرتدي القرميد سقفه كساء أحمر جميلا، أما نافذتاه فهما أشبه بعيني طفل قاعد ينصت بوله، وهو يحدق في شجيرة البرتقال الصغيرة الكثيفة الخضرة والثمر، والتي تقابل المدخل ترحب بكل قادم بثمارها التي لا ينسدل عنها البريق، ولا تعرف أبدا شح العطاء.
كم من بيوت يدخلها الإنسان، فيصفع بجليد جدرانها، وكم من بيوت يدخلها، فينتعش بما تحمل تلك الجدران من الدفء الذي لا تبالغ حين تقول: إنك تصبح أسيره، وترغب بتكرار العودة إليه، وكم من بساتين تيبس أشجارها سريعا، أو تمسك عن الجود رغم جهد أصحابها في إعادة الحياة إليها، بينما مثيلاتها يتمسكن ببذرة رمتها كفّ سهوا، وقد غفلت في تلك اللحظة أن التربة التي استقبلتها لا تفتأ تتلهف لإخصاب الحياة.
وكأني أحدثك يا قارئي عن ابنة خالتي دون أن أدري، بينما ما يزال العسل اللذيذ يسلبني قدرتي على نسب الأحداث إلا إلى مصدر واحد هو لبنى.