بعد نشر صورها عارية، خسر موقع فيسبوك محاولته لإيقاف دعوى قضائية لفتاة تبلغ من العمر 14 عاماً، تعرضت لانتقام إباحي عبر الموقع.
فالفتاة التي لا يمكن ذكر اسمها بسبب سنّها، تقاضي فيسبوك، والرجل الذي نشر صورها على نحو مُتكرر عبر هذه الشبكة الاجتماعية العالمية.
وبحسب ما نشر موقع CNN؛ فقد رفض قاض بمدينة بلفاست، في أيرلندا الشمالية طلب فيسبوك لرفض القضية، الإثنين 12 سبتمبر/أيلول، وهو ما يعني أن الموقع سيمثل أمام محاكمة كاملة.
وزعمت الشركة في المحكمة أن الموقع قام بإزالة الصورة لأكثر من مرّة فور إخطاره بها، ولكن محامي الفتاة قالوا إنه كان ينبغي على فيسبوك منع إعادة نشر الصور باستخدام آلية تحديد وتتبع الصور.
وردّاً على قرار المحكمة، أشارت الشركة إلى أنها لا تسمح بمواد الاستغلال الإباحية والجنسية عبر شبكتها، إذ قال متحدث رسمي باسمها إنه "لا يوجد مكان لهذا النوع من المحتويات على فيسبوك، ونحن نقوم بحذفها عندما يتم إبلاغنا بشأنها".
ولم يعلّق فيسبوك على السبب وراء عدم ملاحقة الصورة عبر نظام PhotoDNA لحظر صور الإساءة للأطفال فور نشرها، فيما قال محامو الفتاة إن الصورة التي نُشِرت على الموقع كانت من قبيل الانتقام، وشبّهوا نشر تلك الصورة بالتعدّي على الأطفال الذين يحذف فيسبوك صورهم دون انتظار الإبلاغ، وقالوا أيضاً إن التعليقات تضمنت خطابات كراهية.
وأشار بول تويد، وهو خبير في قانون الإعلام وأحد كبار الشركاء بمجموعة جونسون للمحاماة، إلى أن القضية تُرجّح الافتقار إلى تناسق تعامل فيسبوك مع الصور العارية.
إذ قال إن "فيسبوك لديه الآليات اللازمة لحذف صور بسرعة ومنع نشرها مجدداً؛ ولكنه يفتقر إلى التنسيق".
من جانبها رأت صحيفة الغارديان في تقرير لها حول القضية أنها بمثابة إنذار لعالم التقنية، كما يمكن أن تكون ذات أثر مزلزل على كيفية تعامل شركات التواصل الاجتماعي مع الصور الفاضحة.
وأسفرت القضية بالفعل عن طلب العديد من ضحايا الانتقام الإباحي النصيحة حول إمكانية قيامهم أيضاً باتخاذ إجراءات قانونية مشابهة، وفقاً لما نقلته الغارديان عن بول تويد، المحامي وأحد كبار شركاء مكتب جونسونز للمحاماة.
تشريع أوروبي يحمي فيسبوك
ومن المتوقع أن تجري جلسة استماع في القضية في 2015.
ويقول محامو الفتاة إن الصورة، التي يقول أهل الفتاة أنها أُخذت منها عن طريق الابتزاز، أُزيلت عدة مرات بواسطة فيسبوك بعد الإبلاغ عنها، لكنها لم تُحظَر تماماً.
بينما قال أحد محامي فيسبوك إن المطالبة بالتعويض عن الأضرار لابد أن تُرفَض، إذ إن الشركة أزالت الصورة حين أُبلغت. كما تذرعوا بالتوجيه الأوروبي الذين قالوا أنه يحمي قدراً ضخماً من المواد الإلكترونية من المراقبة.
كما قال متحدث باسم فيسبوك إنه "لا مكان لهذا النوع من المحتوى على فيسبوك، ونحن نزيله حين نُبلَّغ به. فبحسب ما هو مُبين في معايير مجتمعنا، لا يُسمح بالعري والاستغلال الجنسي".
أما الفتاة، التي لا يمكن الكشف عن اسمها لأسباب قانونية، فتزعم أنه حدثت إساءة استخدام المعلومات الخاصة والإهمال وخرق قانون حماية البيانات لدى فيسبوك، وتطالب كذلك بالتعويض عن الأضرار. كما أنها تتخذ إجراءً قانونياً ضد الرجل الذي يُزعم نشره الصورة.
وكشفت الأحداث الأخيرة عن مدى صعوبة تحرك فيسبوك على الطريق المتداعي بين الرقابة والحماية وبين الانفتاح والمسؤولية.
انتحار
في وقت سابق من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016، أقدمت إحدى ضحايا الانتقام الإباحي وهي إيطالية على قتل نفسها، رغم أنها فازت بقضية لإزالة المواد المنشورة على محركات البحث وشبكات التواصل الاجتماعي بما فيها فيسبوك.
قبل ذلك بعدة أيام، واجهت الشبكة الاجتماعية انتقادات إثر إزالة الصورة المعروفة التي تُظهر هرب فتاة عارية من هجمات النابالم أثناء حرب فيتنام من صفحة الكاتب توم إيغلاند قبل أن تزيلها مجدداً بعدما أعادت رئيسة الوزراء النرويجية إعادة نشرها مرة أخرى تضامناً.
ولم يتراجع فيسبوك عن موقفه إلا بعد انتفاضة صغيرة من مستخدمي فيسبوك، الذين اتهموه بالرقابة، لتكتب مديرة العمليات، شيريل ساندبرغ، رسالة تهدئة اعترفت فيها أن "هذه قرارات صعبة، ولا نكون على حق دائماً".
حظر الإساءة للأطفال فقط
يدقق فيسبوك حالياً في كل صورة مرفوعة على الموقع، مستخدماً تقنية فوتو دي إن إيه PhotoDNA لحظر صور الإساءة للأطفال.
أما الصور الأخرى المثيرة للمشاكل، مثلما في حالات الانتقام الإباحي، فيجب أن يجري الإبلاغ عنها و"مراجعتها" قبل إزالتها.
إلا أن النقاد يرون أن وجود التكنولوجيا اللازمة للعثور على الصور المفجعة الأخرى، يجب أن يدفع فيسبوك نحو بذل المزيد من الجهد في سبيل حماية مستخدميه من المضايقات المتكررة.
وقال إيان ويلسون، المحامي المتخصص في هذا النوع من القضايا في بريت ويلسون، "لدينا عملاء يتعرضون لتكرار نشر المحتوى المسيء لهم على المنصة الاجتماعية، مما يضطر الضحية أن تصبح في حالة مستمرة من الإبلاغ عنها لمنع نشر محتوى جديد".
فبينما يزيل فيسبوك تلقائياً الصور التي تحوي إساءة للأطفال، فإنه انتظاره الإبلاغ عن الصور المسيئة الأخرى، لاتخاذ إجراء ما، لم يعد كافياً بعد اليوم، حسبما قال جون كار، الخبير في شؤون الأطفال والإنترنت، إذ إن "فيسبوك هو مرفق عام للشباب، ويلعب دوراً هائلاً في حياتهم".
ويضيف "هناك شعور عام بأن فيسبوك لا يبذل الجهد الكافي للقضاء على المحتوى الذي تمنعه شروطه ومعاييره. عليه أن يشارك بنشاط أكبر في مراقبة المحتوى".
لا يزيلها خوفاً من العقوبة!
إلا أنه قد يكون هناك سبب آخر لعدم إزالة فيسبوك للصور قبل الإبلاغ عنها، بالإضافة إلى التزامه واعتماده التجاري على "الشفافية المتطرفة".
يقول كار "إن الأمر المثير للسخرية أن أحد الأسباب التي ربما تجعل القائمين على مواقع التواصل مترددين في إجراء بحث استباقي عن جميع الصور المسيئة هو أنه، في حال وجود بعض مستويات المسؤولية التحريرية، يمكن من الناحية النظرية أن يصبحوا مسؤولين عن الانتهاكات التي لا يلاحظونها.
ويضيف "إننا بحاجة إلى قانون خاص ينص على أنه إذا حاولت الشركات منع محتوى سيئ، فإنها لن تفقد حصانتها إذا فاتتها بعض الأشياء".
المواقع الإباحية
وأشارت الغارديان إلى فيسبوك قام بتغيير معاييره في عام 2012 للقضاء على المواد الإباحية الانتقامية و"الابتزازية"، مانعاً الصور العارية عندما يتم الإبلاغ عنها. كما أنه يعمل مع المؤسسات الخيرية لاستهداف شبكات الاستغلال الجنسي للأطفال كما قالت المتحدثة باسم فيسبوك.
ولكن حتى لو بدأ فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى في الترشيح الاستباقي للصور المسيئة، فالمشكلة الأكبر حتى الآن تكمن في المواد الإباحية الانتقامية والمواقع الإباحية غير المحددة، وفقاً للورا هيغنز، من مؤسسة "الخط الساخن للمواد الإباحية الانتقامية" وهي مؤسسة مستقلة..
ففي حادثة وقعت مؤخراً في إسكتلندا قام أحد القراصنة برفع صور عارية لما لا يقل عن 20 ضحية".
بمجرد رفع الصور على الإنترنت، يمكن أن تُنسخ ويعاد نشرها على عشرات المواقع الأخرى، ما يجعل إزالتها بالكامل أمراً بالغ الصعوبة.
ولقد تلقى الخط الساخن أكثر من 5 آلاف مكالمة منذ إطلاقه في فبراير/شباط 2015.
تقول هيجينز "في تجربتي كان فيسبوك سريعاً جداً في الرد عندما يتم الإبلاغ عن صورة" وتضيف "المشكلة الحقيقية هي هذه المواقع الإباحية الانتقامية التي تحرض المستخدمين على تحميل الصور وإرسال رسائل كراهية للضحايا. إذا كان سيتم تحميل فيسبوك المسؤولية، فكيف يُسمح لهذه المواقع أن توجد أصلاً؟".
لماذا يخشى الضحايا المحاكمة؟
ترى الغارديان أنه سيستغرق الأمر أكثر من قضية واحدة رفيعة المستوى لإزالة الحواجز الأخرى أمام ضحايا المواد الإباحية الانتقامية، مهما كانت أعمارهم، من أجل تطبيق العدالة.
أظهرت إحدى استطلاعات الرأي الأخيرة أن 75٪ من المشاركين فضلوا أن يكون الضحايا مجهولين، ولا تظهر الحكومة أي مؤشر على تصنيف هذه الجريمة كجريمة جنسية.
قالت جولي بينبورو، مديرة مركز المشورة القانونية في جامعة الملكة ماري، التي توفر استشارات قانونية مجانية للضحايا، إن هذا يعني أن الغالبية العظمى من الضحايا لن تسعى أبداً إلى العدالة.
وأضافت "غالباً ما يكون احتمال اللجوء إلى المحكمة لا يطاق بالنسبة للضحايا. إنهم يشعرون أنهم سبق وحوكموا بالفعل، ولا يريدون خوض الاعتداء والإساءة مرة أخرى".