دول وأمم تقيم استثمارات ضخمة بإنشاء مصانع ومشاريع عمرانية، فتجدها تطورت حضارياً، وباتت مضرب المثل في السباق في مضمار التطور والتقدم، إلا أن كل أمة لم ولن تتمكن من بلوغ درجة المجد والتفوق لو أنها أهملت وتجاهلت الاستثمار في الإنسان الذي يعد بحق الاستثمار الحقيقي الواضح الناجح، والمؤكد أنه سيكون من ورائه مردود إيجابي لبلاده ومجتمعه.
هذا لم يعد سراً أو معلومة تحتاج للتأكد، لأن الاستثمار في الإنسان بات من أولى الأولويات لدى الحكومات الأكثر معرفة وعلماً ودراسة لتاريخ التقدم الإنساني، ولم تكن بلادنا ولله الحمد في أي يوم من الأيام في معزل عن هذا التوجه، وهذه النظرة العميقة تجاه ابن وابنة هذا البلد، بل أولتهم وتوليهم حتى هذا اليوم العناية والاهتمام وتقدم الغالي والنفيس لتقدمهم وتطورهم معرفياً وعلمياً، وهذا الذي جعلنا في مصاف دول العالم القليلة الأكثر تطوراً وإنتاج وتقدماً في مختلف المجالات.
المؤسف في هذا السياق أن نشاهد كثيراً من دول عالمنا العربي وقد تخلفت، بل وأهملت هذا الجانب، فلم توفر لأبنائها ما يستحقونه من فرص الحياة من حيث التعليم، وإيجاد فرصة العمل، والإنتاج وتحقيق الذات، لذا شاهدنا هجرات لأعداد من الشباب العربي نحو الغرب وأمريكا، ومن المؤسف بحق أن نرى تلك العقول المهاجرة وقد تحولت للإنتاج والعمل الناجح، وقد كانت أوطانهم بحاجة لهم ولعقولهم.
تقول إحدى الصديقات: إنني في كل مرة أسمع عن تخصيص حكومتنا وقيادتنا لمبالغ ضخمة في ميزانيتها للصرف على رعاية الشباب، أو لإنشاء مراكز ثقافية للفتيات، أو لمخصصات الابتعاث وتطوير مجالات حيوية كالطب والهندسة وإلحاق الفتيات والشباب فيها، أتأكد أننا نسير على الطريق الصحيح، فهذا الصرف على الإنسان الإماراتي منذ طفولته ورعايته اجتماعياً وثقافياً وعلمياً وصحياً هو الاستثمار الحقيقي، وهو النموذج الذي يجب أن يحتذى به، فعندما تتبنى قيادتنا، حفظها الله، إرسال الأطقم الطبية إلى مدارس التعليم الأولي لفحص الطالبات والطلاب، حتى أسنانهم يتم فحصها، فهذا دليل على أنه يتم الاستثمار في المستقبل وفي الحقل الصحيح.
وأتذكر في هذا السياق مثلاً يقال إنه من التراث الصيني، يقول: «إذا أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحاً، وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة، أما إذا أردت أن تزرع لمئة سنة فازرع إنساناً». وهي دعوة من العمق لكل أب وأم أن يولوا أبناءهم العناية، فهم زرع اليوم، لكنهم ثمر الغد.