بعد منتصف سبعينيات القرن الماضي حين اشتدت المطالبات بإنصاف المرأة كي تنال حقّها الطبيعي في مختلف مناحي الحياة العراقيّة، السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والعسكريّة، صدرت حزمة قرارات متّسقة مع هذه المطالبات. وعلى سبيل المثال تعديلات قانون الأحوال الشخصيّة الذي منح المرأة حقّ إقامة دعوى التفريق (الطلاق) ومنع الرجل من الزواج بامرأة ثانية إلا بموافقة خطيّة من الزوجة الأولى، كذلك فتح باب التطوّع أمام المرأة في سلك الشرطة وقوات الجيش ليصبح من الطبيعي أن يرى العراقيّون النساء كضابطات في الجيش والشرطة.
لكن الربع الأخير من القرن الماضي شهد نكوصاً ملحوظاً في تقدّم المرأة العراقيّة، وأصبحت العودة إلى بيت الحريم إحدى معالم تلك المرحلة. فقد انطفأت شعلة العمل السياسي والمدني بعد أن تعرّضت لهجوم شرس من قبل نظام الرئيس الراحل صدّام حسين تُرجِم بملاحقة قيادات الأحزاب اليساريّة والدينيّة وقواعدها. كذلك حشر الوضع الاقتصادي المتردّي الذي نجم عن الحصار الاقتصادي الذي فرضه مجلس الأمن على العراق إثر دخول قواته الكويت، المرأة بين خيارَين، أحلاهما مرّ. والخياران هما إما المكوث في البيت والتفرّغ للأعمال المنزليّة وتربية الأطفال، وإما الاستمرار في الوظيفة الحكوميّة التي أصبحت مرتباتها الشهريّة لا تكفي لسدّ أجور المواصلات، ما اضطرّ معظم النساء إلى الرضوخ للخيار الأوّل.
لكن التغيير الدراماتيكي في بنية النظام السياسي الذي ولد من رحم الغزو الأميركي للعراق والإطاحة بنظام الرئيس صدّام حسين في نيسان من العام 2003، خلق فرصة ذهبيّة لعودة المرأة العراقيّة إلى الحياة السياسيّة والمدنيّة. فقد حدّد قانون الانتخابات العراقي -وفق مبدأ الكوتا- ما لا يقلّ عن 25% من مجموع مقاعد البرلمان للنساء.
صحيح أن الاحزاب السياسيّة المشاركة في العمليّة السياسيّة وظّفت هذه الكوتا لزيادة عدد مقاعدها البرلمانيّة من خلال إشراك نساء لا يتّصفن بالكفاءة والثقافة المناسبتَين لهذه المهمة، خصوصاً في الانتخابات البرلمانيّة الأولى التي جرت في العام 2005، إلا أنه من الصحيح أيضاً أن بعض النائبات أثبتن حضوراً لافتاً من خلال المناقشات والاستجوابات البرلمانيّة، وبتن يسبّبن صداعاً لرئيس المجلس ورؤساء اللجان البرلمانيّة. وهو الأمر الذي حدا ببعضهن إلى المطالبة بأن تكون نسبة التمثيل النسائي في البرلمان مقاربة لنسبة تمثيلهن السكاني وفتَح شهيّة البعض الآخر للمطالبة بالمناصب المهمّة في البلاد كمنصب نائب رئيس الجمهوريّة أو رئيس البرلمان.
وفي هذا الإطار تقول عضو مجلس النواب العراقي عالية نصيّف إن "ثمّة إجحافاً كبيراً في السلطة التنفيذيّة تجاه المرأة. ولولا الكوتا لما كان لنا نحن النسوة هذا التمثيل الواسع في الساحة السياسيّة".
وتوضح نصيّف لـ"المونيتور" أن "السلطة التنفيذيّة تنطوي على نظرة دونيّة ونظرة قبليّة ونظرة إسلاميّة، سلبت المرأة الكثير من حقوقها". وتلفت إلى أن "أحد أهمّ هذه الحقوق أن تكون لها مشاركة في السلطة التنفيذيّة أو مشاركة في الرئاسات الثلاث".
أما زميلتها النائب في مجلس النواب ندى الجبوري، فتعتقد أنه لو كانت "امرأة ما في سدّة إحدى الرئاسات الثلاث أو في منصب رفيع لصناعة القرار السياسي، لكانت الكثير من الاستحقاقات قد طبّقت".
وتوضح الجبوري لـ"المونيتور" أنه "عندما تشكلت الحكومة السابقة رفضت كل الكتل السياسيّة أن توزّر امرأة. وهذا الأمر أصبح نهجاً". وتقول إن "ما يمنع تسلّم امرأة أحد مناصب الرئاسات الثلاث، هو التفكير الذكوري لدى السياسيّين. والمجتمع بشكل عام يفكّر بطريقة رجعيّة تجاه المرأة"، مشيرة إلى أن "وجود المرأة في مجلس النواب يجعلها مشاركة في صنع القرار السياسي، لكن على المستوى التشريعي وليس التنفيذي".
من جهتها تحصر القياديّة في القائمة العراقيّة ميسون الدملوجي الموضوع في حديث إلى "المونيتور" بالعامل الاجتماعي، قائلة إن "التقاليد والأعراف البالية تحول دون تسلّم المرأة أحد مناصب الرئاسات الثلاث، على الرغم من أنّ النائبات أكثر حضوراً لجلسات مجلس النوّاب وأكثر فاعليّة في المداخلات وأقلّ فساداً من النواب الرجال".
وعن طموحاتهن في تقلّد أحد المناصب الرئاسيّة الثلاثة في العراق، تقول النائبة ندى الجبوري "القضيّة ليست في أن أرشّح نفسي لإحدى الرئاسات الثلاث، لأني حينها لن أتلقى دعماً. بل القضيّة هي في أن يتمّ ترشيحي من قبل الكتل السياسيّة والسياسيّين". أما النائبة عالية نصيّف فتقول "نحن طالبنا بأن يكون منصب نائب رئيس الجمهوريّة من حق النساء عندما تمّ توزيع المناصب على أساس المحاصصة. وعندما حصلت أزمة في الوزارات الأمنيّة طلبنا أن ترشَّح امرأة". من جهتها تقول النائبة ميسون الدملوجي "في الدورة السابقة لمجلس النواب قدّمت برنامجاً انتخابياً وخطّة لعمل مجلس النوّاب ورشّحت نفسي لمنصب رئاسته. لكن البرنامج لم يكن هو الأساس لدى الكتل، لذا سحبت ترشيحي إذ لم تكن ثمّة فائدة من ذلك".
ولا تستبعد الدملوجي أن تتسلّم إحدى السياسيات العراقيات منصب إحدى الرئاسات الثلاث لأن بعض السياسيات لهنَّ مصداقيّة في الشارع العراقي، بينما ترى نصيَّف أن هذا الأمر بحاجة إلى وقت وجهد أكبر حتى يصل المجتمع العراقي إلى مرحلة الاقتناع بفاعليّة المرأة وحضورها السياسي.