في ظل اوضاع مأساوية تعيشها الموصل منذ سيطرة تظيم داعش الارهابي عام 2014 تجد المرأة العراقية نفسها من جديد في أتون حرب شعواء بأبعاد وتداعيات اجتماعية ونفسية، ويواجهن وحشية جديدة تجعلهن أول الضحايا وأول من يموت.
فقد فرضت العصابات الارهابية إجراءات متطرفة على النساء العراقيات، وتعدت الأفعال الإجرامية لتلك العصابات الى حد يفوق مخيلة الإنسان في التخريب ومحاولات بعد بسط نفوذها على مدينة الموصل تحت تهديد السلاح ، ومن بينها الاعتداء على المواطنين واغتصاب عدد كبير من الفتيات وتجنيد المئات من الأطفال في عمليات قتل وانتحار بالاضافة الى فرض نمط متخلف للحياة داخل المدينة .
قصص وروايات تدمي القلب ترويها نسوة ناجيات من جحيم داعش تقول احداهن بعد تهيدة طويلة وبصوت تقطعه العبرات : ان عصابات داعش أمرت النساء بارتداء النقاب والبقاء داخل منازلهن، وهددوا من تخالف بالعقاب وهو الاغتصاب والضرب
واضافت بأنها شكلت اربع محاكم شرعية في مدينة الموصل من بينها محكمة المرأة في خطوة لتضييق الحريات على اهالي المحافظة ومنعت صالونات الحلاقة ومحال بيع الملابس النسائية وفرضت اوقاتاً محددة لخروج النساء مبينة أن من بين القرارات المتخلفة التي وضعها "داعش"هو ان النساء لابد أن يخرجن مع محرم وبعكسه تعرض المرأة إلى المحاكمة والرجم .
وكانت تلك العصابات قد أمرت الأطباء المتخصصين في الأمراض النسائية، بالتوقف عن العمل وإغلاق عياداتهم بعد أيام قليلة من دخولهم المدينة والقرى المجاورة، وحذرت نساء مدينة الموصل بالتعرض لاشد العقاب اذا لم يرتدين "الحجاب الشرعي” الذي يغطي الوجه بالكامل، ووضعت قواعد لشكل الحجاب وكيفية ارتدائه في إطار حملة لفرض تفسيرهم المتشدد للإسلام.
ووضعت العصابات الإرهابية قواعد "للحجاب الشرعي” تشمل تغطية اليدين والقدمين وارتداء ملابس فضفاضة لا تحدد معالم الجسد بالاضافة إلى عدم استخدام العطور، كما أمرت أصحاب المتاجر بتغطية تماثيل العرض البلاستيكية بحجاب كامل وعدم بيع الملابس الداخلية النسائية للرجال، وكذلك منع المرأة من التسوق مع رجل إلا إذا كان زوجها او والدها او شقيقها
الا ان اغرب ما اصدرته تلك العناصر هو تعميم على أصحاب المحال التجارية بأوصاف وألوان الملابس النسائية الداخلية التي يسمح ببيعها ، كما قامت بتعيين مندوبين ذكور لتحديد نوعية الملابس الداخلية التي ترتديها النساء في المحافظة، وأن هؤلاء ( موكلون من قبل الله) ويجوز لهم الكشف على النساء وعلى ملابسهن الداخلية في أي وقت وتحت أي ظرف. وان عناصر من تلك العصابات بدأت ممارسة هذا العمل في المحال التجارية لمراقبة ملابس النساء الداخلية ونوعيتها وألوانها.
احدى النسوة اشارت الى ان التنظيم بدأ في الاونة الاخيرة بالتشدد اكثر فيما يتعلق بزي النساء، فالى جانب "العباءة السوداء السميكة يجب على المراة ارتداء شال طويل الى تحت الركبة مع لبس الجوارب والاحذية السوداء، ومؤخرا اصدروا قرارا بوجوب تغطية العيون بقماش سميك، بحيث يمنع الرؤية تماما".
ونوهت كذلكالى منع ازالة غطاء العيون حتى داخل المحلات، والا فانهم يعاقبون زوجها او صاحب المحل اما بالجلد او الغرامة، وقد تم الغاء غرف قياس الملابس في المحلات، بقرار من عناصر الحسبة، كما يمنع ارتداء اي ملابس داخل المحلات"، متابعة "ليس خارج البيت فقط بل انهم يعاقبون على عدم ارتداء الخمار حتى داخل حديقة المنزل، فقد عاقبوا احدى النساء لانها لم تكن ترتدي الخمار داخل حديقة منزلها رغم ان الباب كان مسدودا تقريبا، بعد ان راها احد مسلحي داعش وقام بتسجيل مخالفة عليها".
وفيما يتعلق بمدى صحة ما يروج في وسائل الاعلام عن ما يسمى "جهاد النكاح"، قالت "هذا الامر موجود لكن ليس في داخل مدينة الموصل بل في اطرافها والمناطق المحيطة بها غالبا، لاتوجد فتوى من قبل التنظيم، لكن المسلحين يجبرون بعض النساء على الزواج منهم، خاصة في المحكمة الشرعية حيث انهم يتزوجون المراة المطلقة والارملة، لقد قام والي احدى المناطق باجبار ارملة اخيه على الزواج منه رغما عنها بزعم جهاد النكاح، وطبعا هذا الزواج لا يستمر غالبا سوى لاسبوع او اسبوعين".
سهى النعيمي، شابة موصلية، تبلغ من العمر 25 عاما، كانت تدرس في احدى كليات جامعة الموصل، قبل اجتياح داعش، لمدينتها، وكانت احدى المتفوقات الطامحات الى اكمال مرحلة الدراسات العليا، لكن حلمها هذا اصبح من الماضي او اجل حتى اشعار اخر على اقل تقدير.
سهى (وهو الاسم المستعار لها) تحدثت عن الحياة في ظل سيطرة مسلحي داعش على المدينة، بالقول "اقضي يومي بالكامل في المنزل، مثل اغلبية طالبات جامعة الموصل، لقد تم الغاء الكلية التي كنت ادرس فيها، هناك عدد من الطلاب الذين لايزالون يدرسون واغلبهم من الكليات الطبية او الهندسة، وهم يتلقون محاضرات ممزوجة بالفكر الداعشي، وطبعا يمنع اي اختلاط بين الجنسين".
واضافت "لقد اصدروا قرارا يسمح بالتحويل بين الكليات، وقام العديد من الطلاب بالانتقال من الهندسة الى كلية الطب، لكن وزارة التعليم العالي قامت بفصلهم من الكليتين، كما ان اغلب الطالبات اللواتي كن يدرسن تركن الدراسة، بسبب المضايقات التي تعرضن لها".
وعن الوضع الخدماتي والاقتصادي في المدينة، قالت النعيمي "لايوجد كهرباء، الذي يأتي كل اسبوعين مرة واحدة، وفي هذا الشتاء نستخدم المدافئ النفطية رغم ارتفاع اسعارها، كما ان هناك نقصا كبيرا في الادوية والمستلزمات الطبية، ولم يستلم اهالي الموصل رواتبهم منذ اكثر من 8 اشهر، الكثير من الناس هنا يعانون من الفقر المتقع، لقد زادت نسبة عمالة الاطفال والتسول ايضا".
وعن موقف اهالي الموصل من داعش، قالت "نعيش في جحيم الان، يفرضون على الناس هنا قرارات مشددة، حيث يعاقبون الرجال على حلق اللحى، ويفرضون عليهم كذلك تقصير الملابس، عناصر الحسبة يسيئون معاملة الناس، فهم يعاقبونهم على كل شيء، لقد منعوا التدخين وسيمنعون ايضا استخدام اجهزة الاستقبال الفضائي، اغلب الرجال لا يخرجون من المنزل، يمارس داعش جرائم الاعتقال والذبح والقتل، لا تعلم كيف يفاجؤن الشخص باخراجه من منزله، وبعد فترة يعلم اهله انه قتل او يجدون جثته في الطب العدلي، بتهم مختلفة مثل الردة او التعاون مع جهات خارجية او بحجة انه كان من المرشحين او من عناصر الجيش والشرطة السابقين".
وكشفت وزارة حقوق الإنسان العراقية عن تسجيل انتهاكات شملت عمليات قتل واختطاف لنساء عراقيات على يد عناصر "داعش" في المدن الخاضعة لسيطرته في شمال البلاد. كما إنه تم "تسجيل حالات اغتصاب مؤكدة لخمس نساء من قبل عناصر "داعش" في مدينة الموصل”.
كما شملت هذه الممارسات إكراه العديد من النساء الأخريات على إرضاء الرغبات الجنسية لمقاتلي التنظيم وفق ما يعرف بفتوى جهاد النكاح وإرغام قاصرات على الزواج بهم .
كما اعلنت نائبة الأمين العام والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة فومزيل ملامبو نكوكا أن أربع نساء انتحرن بعد أن تعرضن للاغتصاب أو أُجبرن على الزواج من مقاتلين بـ "داعش".
وطالبت المفوضية العليا لحقوق الانسان، الحكومة العراقية بتوفير ميزانية لتقديم مساعدات اغاثة انسانية عاجلة للنساء النازحات من مدينة الموصل، كما طالبت الامم المتحدة والمنظمات الدولية بتقديم المساعدات العاجلة وإنشاء مخيمات آمنة لهن .
وقالت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنها راقبت بقلق بالغ الاوضاع الانسانية المتردية للنساء في محافظة نينوى بسبب الاعمال الارهابية والتي نجم عنها نزوح آلاف النساء الى مناطق مختلفة من العراق"، موضحة "أنهنّ الان تحت وطأة الظروف الصحية والاحتياجات الانسانية العاجلة من خيم وغذاء ودواء واحتياجات خاصة.
كما أكدت المفوضية في وقت سابق ان 18 شخصا قتلوا فيما انتحرن خمس نساء بعد تعرضهن للاغتصاب منذ دخول عناصر "داعش" الى مدينة الموصل وطالبت المفوضية ايضا "وزارة الهجرة العراقية ومنظمة الاغاثة الدولية ( unhcr) والهلال الاحمر العراقي والصليب الاحمر الاسراع بانشاء مخيمات آمنة للنساء النازحات وتوفير المستلزمات الاساسية لهنّ"، مطالبة كذلك "وزارة الصحة العراقية ومنظمة الصحة العالمية WHO) )بتقديم المساعدات الصحية من علاجات وادوية للنساء النازحات كافة. ووجهت المفوضية "نداء عاجلا لأبناء العراق كافة ومنظمات المجتمع المدني لتنظيم حملات لجمع التبرعات وتقديم مساعدات الاغاثة الانسانية للنساء النازحات وبالتنسيق مع المفوضية.
وكانت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد اعلنت، على لسان المتحدث باسمها روبرت كولفيل انتحار اربع نساء بعد تعرضهن للاغتصاب من قبل عناصر "داعش" في مدينة الموصل، فضلاً عن اعدام العشرات من المواطنين العاملين في الاجهزة الامنية. واكد المتحدث الرسمي لوزارة حقوق الانسان ان الوزارة رصدت جميع جرائم "داعش" عبر مصادرها الخاصة، مشيراً الى انها لم تتفاجأ من حدوث مثل تلك الحالات، وقال ان هناك حالات اغتصاب اكبر، ولكن لم يتم ابرازها في وسائل الاعلام، فضلاً عن طبيعة المجتمع الموصلي الذي يتكتم على حدوث مثل تلك الجرائم .
ووثّقت وزارة حقوق الانسان جرائم الاغتصاب والانتهاكات الاخرى وطرحتها في اجتماعات مجلس حقوق الانسان في جنيف، من قبل وفد من الوزارة، وقال ان تلك الجرائم تم عرضها في مؤتمر دولي اقيم في لندن وحضره وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لمناقشة بروتوكول اعد بمبادرة من الحكومة البريطانية للحد من استغلال النساء واغتصابهن اثناء الحروب والصراعات.