فِي ظلِ فورةِ المطالبات الشعبية بالإصلاحِ وَمكافحة الْفَسَاد، كان الأمل يحدو الشعب فِي إقرارِ مجلس النواب تشريعاتٍ تعكس عملياً توجهات جديدة لاستراتيجيةٍ تقوم عَلَى المساهمةِ بتطوير حياةِ المواطن المعيشية وَالاقْتِصَادِيَةُ، إلا أنَّ الشارعَ المحلي فوجئ بتضمينِ جدول أعمال جلسة مجلس النواب العراقي ليوم الخميس الموافق 6/10/2016 مثلما نقلته الوسائل الإعلامية، قراءة ثانية لمشروعِ قرارٍ يتناول إحدى المضامين المهمة لقَانُونِ الشركات بالاستنادِ إلى ما طرحه أعضاء لجنتي السياحة وَالاقْتِصَاد حَوْلَ إعادة العمل بما يشار إليه باسْمِ حق ( الفيتو )، وَالمتمثل بالفقرةِ ثانياً مِنْ المادةِ (114) مِنْ قَانُونِ الشركات رقم (21) لسنةِ 1997م المعدل، وَالَّتِي ألغيت بموجبِ المادة (102) مِنْ أمرِ سُّلطة الائتلاف المرقم (64) لسنة 2004 م؛ انسجاماً مَعَ المبادئ الدستورية للعراق الجديد.
إنَّ خطورةَ العودة إلى عملِ الإدارات بحق الفيتو الَّذِي اعتمده النظام السابق فِي قَانُونِ شركات القِطَاع المُخْتَلِطٌ بقصدِ السيطرة عَلَى إداراتها، وَتوجيه أهدافها بما يفضي إلى شكليةِ مشاركة القِطاع الخاص، تتجسد بمصادرةِ إرادة ممثلي القِطاع الخاص فِي مجالسِ ادارات شركات القِطاع المُخْتَلِطٌ؛ بالنظرِ لمساهمتِها فِي تعطيلِ القرارات التي ترى الأكثرية فِي هذه المجالسِ ضرورة لإقرارِها نتيجة استثمار ممثلي الحُكُومة (القِطَاع العَام) فِي مجالسِ الإدارات السلطة المطلقة المتأتية مِنْ الركونِ إلى اعتمادِ حق الفيتو، وَالَّذِي بمقدوره السيطرة عَلَى القِطاعِ المُخْتَلِطٌ وَمصادرة حقوق القِطَاع الخَاص، ونزع ملكيته جراء إجهاض عملية اتخاذ القرارات حتى وَأَنْ كان يملك الأكثرية الَّتِي تصل فِي بعضِ الشركات إلى (75%) مِنْ مجموعِ الملكية.
يمكن القول إنَّ المبرراتَ الَّتِي قدمها أعضاء لجنتي السياحة وَالاقْتِصاد لعرضِ مشروع القَانُون، وَالمتمثلة بالحفاظِ عَلَى المالِ العام، وَأنَّ الحُكُومةَ تملك فِي الشركاتِ المُخْتَلِطٌة مساهمات تصل إلى (90%) هي مبررات غير مقنعة بحكمِ الواقع، إذ أنَّ حقَ (الفيتو) المطلوب إعادة العمل به يتعلق بقراراتِ مجالس الإدارات، فِي وقتٍ تناط فيه مهمة الحفاظ عَلَى المالِ العام بديوانِ الرقابة المَالِيَّة الاتحادي، بوصفِه المسؤول عَنْ تدقيقِ حسابات الشركات المُخْتَلِطٌة وَقراراتها، فضلاً عَنْ أنَّ إجماليَ مساهمات القِطَاع العَام فِي الشركاتِ المُخْتَلِطٌة لا يتجاوز مبلغ (81) مليار دينار، وَالَّذِي يمثل نسبة تقل عَنْ (46%) من مجموع رؤوس أموال الشركات الَّتِي يملك القِطَاع الخَاص ما نسبته (54%) منها، ما يعني أنَّ الحصةَ الأكبر مِنْ الملكيةِ تعود إلى القِطَاعِ الخَاص.
إنَّ المطالباتَ برفضِ المقترح المشار إليه آنفاً، وَالَّذِي يسعى لإخضاعِ الأكثرية بشكلٍ قسري إلى سُّلطةِ الأقلية، تستمد مشروعيتها مِنْ مخالفةِ هذا المقترح لأحكامِ الدستور، ولاسيَّما المَادة (23) الَّتِي تحرص عَلَى صيانةِ الملكية الخاصة، بالإضافةِ إلَى المَادةِ (25) الَّتِي تنحى صوب دعم القِطَاع الخَاص، فضلاً عَنْ تعارضِه مَعَ المبادئ والأعراف الاقْتِصَادِيَة المَحَلّية وَالدَّوْلَية.
لا رَيْبَ أَنَّ إلغاءَ حق ممثلي القِطَاع الخَاص فِي مجالسِ إدارات الشركات المُخْتَلِطٌة باتخاذِ القرار، يُعَدّ فِي وَاقعِه الْمَوْضُوعي مِنْ أنواعِ المصادرة والتأميم، الأمر الَّذِي يلزم الحُكُومةِ فِي حَالِ رغبتها الاتجاه صوب إعادة ملكية القِطَاع المُخْتَلِطٌ إلى الدَّوْلَة، العمل عَلَى تحقيقِ هذا المبتغى عبر شراء حقوق القِطَاع الخَاص بالاستنادِ إلى آليةِ التراضي، وليس مِنْ خلالِ إصدار قوانين تصادر حقوقهم مجاناً، إذ مِنْ غيرِ المعقول القبول بإعطاءِ حق الفيتو إلى الأقليةِ لأجلِ التحكم بالأكثرية؛ لتعارضِ هَذَا المنحى مَعَ مبادئ الديمقراطية وَالتوجهات الاقْتِصَادِيَّة السليمة.