بينت الدراسات أن الحدث يتأثر بالصديق الذي يتخذه صاحبا في حياته أكثر من تأثره بالمحيط الذي يعيش فيه، ومنحت لذلك نسبة فائقة من النقاط تعادل الـ 60% بينما النسبة الباقية تتقاسمها المدرسة والبيت والمسجد، ومن هنا ندرك حجم الخطر حينما يكون الرفيق مؤثرا كبيرا في عقيدة وسلوك هذا الطفل الذي بدأ يستقل بذاته ويندفع نحو الحياة بروح المسؤولية عن النفس والقدرة على التحكم في الذات، وبالتالي تبدأ تربية البيت والمسجد والمدرسة مع هذه المرحلة العمرية في الأفول تدريجيا، إذا لم تكن متماسكة ومتأصّلة ومتينة من الجذور إلى الأوراق.
فحينما يتربى الطفل في البيت على الهامش أو يكون مهملا من أقرب الناس إليه، أو يعيش في بيت تعمّه المشاكل والخلافات الأسرية لا سيما بين الأب والأم، أو يكون قد تربّى في حجر العاملة، لا يتلقى تعليما بل يتلقى أوامر، وإذا كان يخاف وهو في الصّغر لعدم قدرته على المواجهة المباشرة، فإنه بعد أن يشتدّ عوده قليلا سيتمرّد على كل عادة كان يتكتّم عليها ويطبّقها على خجل، وسيعلن أنه قد استقلّ بذاته ولا يحتاج إلى من يوجّهه، ولا يقبل أي أمر من أمّه ولا من أبيه، مهما كانت سطوة الأم أو الأب، بل سيترك لهما المجال مفتوحا ويرتمي في أحضان الصديق لأنه الوحيد الذي فهم مشاعره وهو المقارب له في السن، عندئذ يجد الأبوان نفسيهما أمام جبال من التعقيدات في التربية والسلوك، وربما يتفاجآن بما يرد إلى سمعهما من أهوال ومفاجآت ولا يستطيعان أن يفعلا شيئا بعد أن تورّم الخبث وتمكّن من التوغّل داخل مركز المعلومات.
وعندما أراد الإسلام أن يجعل التربية صناعة بشرية، بيّن أن البيت هو الحضن الأول للطفل، فيه يتشبّع عاطفيا، وينمو روحيا، ويقتدي سلوكيا، وأوّل من يحتكّ به من أول يوم يولد فيه هما الوالدان، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه"، فالوالدان هما المحكّ الذي يصنع الطفل ويخرجه من البيت إلى المدرسة والمسجد وربما الشارع، ليجد نفسه أمام وضع جديد وحياة أخرى لم يألفها داخل البيت، لكن إن كانت تحكمه قيم ومبادئ وأصول فلن يحيد عن الطريق المستقيم، وإن وجد التربة خارج البيت خصبة ولم يتربّ داخله التربية الصحيحة السليمة، سيتمرّغ فيها كيفما شاء، ويتشكّل كيفما أراد الأصدقاء، ذلك هو نتيجة الإهمال والإقصاء.
ولأن الوالدين لهما حكاية، وربما هما سبب المشكلة التي يعاني منها الأبناء، فقد ركّز الإسلام أن يسود الأسرة التآلف والوئام، ويولون أبناءهم الاهتمام، ويحافظون على فلذات أكبادهم من الضياع والتيه والآلام، وحمّل المسؤولية كاملة الآباء والأمهات، عندما قال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" فليست العبرة بالإنجاب والتناسل وإنما بالنوع والكيف، فأن تنجب ابنا واحدا توليه الرعاية الكاملة والتربية الحسنة والاهتمام البالغ خير وأفضل من أن تنجب عشرة من الأولاد تهملهم ولا ترعاهم فيصبحون غثاء كغثاء السيل، ولعل قصة الأقرع بن حابس تبين مدى إهمال الأب أبناءه، فهو لم يمنحهم العاطفة التي يريدون وهم في تلك المرحلة العمرية لأنه قاس وصلف لا يؤدي رسالته التربوية، وبينما هو كذلك رأى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم كيف يحمل الحسن والحسين ويقبذلهما ويلعب معهما في جوّ أسري مرح، انتبه وأصابته قشعريرة من الخوف على أبنائه، ظن أن الرجولة تكمن في القسوة والشدة، لكن ظنه خاب عندما شهد المشهد التآلفي بين الرسول وحفيديه.
فالإسلام يهتمّ ببناء الإنسان من البداية، منذ نعومة أظفاره، يحمل القرآن بين جنبيه، يقيه من الوقوع في براثن الفساد، لأن قلبه يشع نورا، "وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ"، هو القبس الذي يستضيء به في حياته لذلك كان الأُول حريصين على تعليم أبنائهم القرآن الكريم وهم في الصغر حتى ينشأوا على عبادة الرحمن، تتحصّن نفوسهم من الأهواء والزيغ، ويهتمون بتكوين أبنائهم على السنة النبوية الشريفة حفظا وتربية وسلوكا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليس كل الناس يفعلون هذا، لذلك نجد شبابا آخرين تزيغ بهم الأهواء لسبب أو لآخر، فيتلقاهم الشارع ويكونون عرضة للانحراف أيا كانت طرقه وأهواله، فمحيط الأسرة والبيئة والرفقة كلها عوامل أساسية في تكوين شخصية المراهق أو الحدث.
ولعل أخطر ما في الصداقة غير السوية أن يتعلم الطفل كيف يتعاطى المخدرات أو التبغ أو أي نوع من أنواع المهلكات، فتلك مصيبة المصيبات، فعندما يقع المراهق فريسة لهذه العصابات، ويبدأ حياة التمرد والضياع، تبدأ هيستيريا الشباب، حياة كلها اضطرابٌ وعصيانٌ، وبعدٌ عن الأهل والأصحاب، واهتمامٌ بالتبغ وكل صنوف الهلاك والخسران، يبدأ الشاب في الانعزال ثم التورّط في علاقات مع الفتيات، وربما تبجّح بما يفعله أمام المجتمع، ليتمّ بعدها الإدمان على مثل هذه الحبوب المخدرة التي تدفعه إلى ارتكاب الجرائم الأخرى كالسرقة للحصول على المال الكافي لشراء هذه المنبّهات، وربما ورّط نفسه في قتل إنسان من أجل أن ينقذ نفسه من الانهيار، لن يرحمه أحد إلا الرحيم الرحمن، عندما يتوب ويؤوب إلى الله الحنّان المنّان.
والكل يعلم بالخطر المحدق بالأطفال، فعلينا الاهتمام بالأجيال، حتى لا نندم في يوم من الأيام، علينا أن نبحث عن الأسباب، ونوجد حلولا من ذوي الألباب، ونقتدي بسيد الأحباب، في التربية والتعليم وقراءة الكتاب، ونحمي فلذات الأكباد من الوقوع في براثن هذا الباب، حتى ننشئ جيلا يحمل مشعل الأجداد، وينقل الراية نحو العزة والكرامة والنصر الأواب، فاحذورا يا أولياء الأمور من الأصحاب، الذين يصاحبون أبناءكم في الليل والنهار، في السر والجهار، واعلموا أنكم مسؤولون عنهم يوم القيام، ولا تلقوا بهم إلى التهلكة والخسران فتندموا طول العمر والزمان.