أخيرا صدر حكمٌ قضائيٌ من محكمة العدل العليا الإسرائيلية، في شهر أغسطس 2016 بشأن ملكية الوثائق التي تعود للروائي اليهودي الهنغاري البارز، فرانتز كافكا، هذا الحكم يقضي بتسليم الوثائق إلى المكتبة الوطنية في إسرائيل، بعد هزيمة وارثي الوثائق، ممن كانوا يسعون لبيعها.
هذا الحكم القضائي أعاد لي ذاكرتي في مقارنة سيرة حياة فرانتز كافكا، وسيرة حياة، المبدع العربي، أبو حيان التوحيدي، وجه الشبه بين الاثنين، يختص بمنزلة المبدعين في مجتمعاتهم، فهم يعيشون غرباء، بسبب نبوغهم الفكري وتفوقهم، وهم أيضا يعيشون حياة المعاناة بكامل تفاصيلها، فكافكا، والتوحيدي عاشا حياة صعبة ماديا، وصحيا، لدرجة أن الاثنين اشتركا في وصية واحدة وهي:
احرقوا آثارنا عند موتنا، ولا تتركوا بعدنا ورقةً مما كتبنا!!
فكافكا المولود 1882- 1924 كتب رسالة لصديقه، وحافظ ملفاته، ماكس بورد يقول:
"آخر وصية لي يا عزيري ماكس، أن تحرق ملفاتي، ومذكراتي، وقصاصات أوراقي، وكل رسائلي، قبل أن تقرأها"
لكنَّ الوصيَّ لم ينفذ وصية المبدع، كافكا، بل احتفظ بها، وحملها معه إلى فلسطين 1939 وعمل على نشرها، وحينما توفي ترك ملفات أخرى لمديرة مكتبه، التي تركت الوثائق بدورها لابنتيها اللتين تعيشان في إسرائيل، وهما اللتان طالبتا بثمنٍ مادي، نظير احتفاظهما بالوثائق!
أما فيلسوفنا العربيُ الذي ناضل في مجال نسخ الكتب ليعيش حياة كريمة، ولكنه لم يفلح، فقال: "تمكَّن مني نكدُ الزمانِ إلى الحدِّ الذي لا أسترزقُ، مع صحةِ نقلي، وتزويق نسخي، وسلامته من التصحيف والتحريف، بمثل ما يسترزق البليدُ، الذي ينسخُ النسخَ، ويمسخُ الاصلَ والفرع"!!
أبو حيان الذي أحرق كتبه، وقال مبررا فعلته: "كيفَ أتركُ كتبي لأناسٍ، جاورتهم عشرين عاما، فما صحَّ لي من أحدهم ودادٌ، فاضْطُرِرتُ لأكل الخُضر في الصحراء، وإلى تعاطي الرياء... فلي في إحراق كتبي أسوةٌ أقتدي بهم، منهم، أبو عمرو بن العلاء، وكان من كبار العلماء، دفن كتبه في باطن الأرض، ولم يوجد له أثر.
وأبو سليمان الداراتي جمع كتبه في تنور، وسجَّرها بالنار وقال: والله ما أحرقتكِ، حتى كِدْتُ أحترقُ بك.
وهذا سفيان الثوري، مزق ألف جزء من كتبه وطيرها في الريح، وهو يقول: " ليت يدي قُطعتْ من ها هنا، ولم أكتب حرفا واحدا.