تركت آهين مدرستها لمساعدة أمها في المنزل مثلما فعلت شقيقاتها الخمس قبلها... وها هي الآن تتدرب على القتال.
في قاعدة نائية للميليشيات الكردية على التلال التي يكسوها العشب الأخضر قرب حدود سوريا مع العراق تجد الفتاة القصيرة الممتلئة البالغة من العمر 19 عاما تقفز وتزحف وسط صفوف من النساء اللائي يرتدين ملابس مموهة ذات لون أخضر زيتوني. تصدر قائدتهن الأوامر ليتخذن أوضاعهن ويصوبن بنادقهن الكلاشينكوف نحو الهدف.
هذا المعسكر التدريبي هو علامة قوية على الطريقة التي يعمل بها أكراد سوريا لإقامة منطقة تتمتع بالحكم الذاتي. وبينما تتعرض النساء للتهميش على يد مقاتلي المعارضة الإسلاميين وقوات الرئيس بشار الأسد يسعد الرجال في هذه المنطقة الكردية بالقتال الى جوارهن.
ويقول بعض القادة العسكريين الأكراد إن النساء يشكلن ثلث القوة القتالية للأكراد. وهناك كثير من النساء مثل آهين لم يكن ليحلمن بحمل السلاح أبدا حتى وقت قريب.
وتقول الفتاة وهي تزيح شعرها المبلل بالعرق عن جبينها "رأيت كل هؤلاء النساء يتركن منازلهن للدفاع عن أرضنا وكن مصدر إلهام لي. لم أكن أفكر في أمور مثل حق المرأة في المساواة (مع الرجل) قبل أن أنضم إلى كتائب الدفاع النسائي. كان قرارا غريبا علي."
وأضافت "الآن بدأت حياة جديدة تماما."
صحيح أن المجتمع الكردي في سوريا قد يكون محافظا بالمعايير الغربية ولكنه أقل محافظة من مجتمعات أخرى في البلاد. فتقول نسرين قائدة المعسكر ومدربته البالغة من العمر 32 عاما إن الكرديات يجدن الآن فرصة للربط بين تحرير المرأة وتحرير المنطقة.
وأضافت "عندما تندلع الحرب لا يميز العنف بين رجل وامرأة فلم نميز نحن؟ النساء جزء من هذا المجتمع. سنشترك في هذه المهمة."
ورفضت نسرين الكشف عن اسمها الأخير مثل جميع النساء اللائي أجريت معهن مقابلة لإعداد هذا التقرير.
يدير حزب الاتحاد الديمقراطي أقوى الجماعات في المناطق الكردية السورية هذه المناطق منذ انسحاب قوات الأسد منها عام 2012 وشكل ميليشيات من الرجال والنساء تدافع عنها حاليا.
وهناك روابط أيديولوجية بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني في تركيا الذي خاض حربا ضد أنقرة استمرت ثلاثة عقود وكان سباقا الى تشكيل الميليشيات النسائية وتخصيص حصص للمرأة.
ويحتاج الحزبان إلى مشاركة الرجال والنساء في الأدوار القيادية السياسية والعسكرية لان رئاسة الحزب مشتركة بين رجل وامرأة. تلك القاعدة ليست سياسة فكرية فحسب بل هي سياسة ذكية أيضا في مجتمع تقل فيه الخيارات المتوافرة أمام المرأة في الحياة العامة.
وتقول الخبيرة في الشؤون الكردية اليزا ماركوس عن مشاركة النساء في القتال "تلك كتلة إضافية كاملة من المكونات المحتملة... ولأنها توفر خيارات للتقدم فغالبا ما تكون النساء أكثر الأعضاء التزاما."
وقالت نوجان (20 عاما) التي تزين ملابسها المموهة بوشاح أسود مطرز بالزهور أن المقاتلات تشعرن بالفخر بصفة خاصة لمساعدتهن في دحر مقاتلي القاعدة خلال معارك وقعت أواخر العام الماضي.
وأضافت "حين وصلنا إلى الجبهة كانت الدنيا مظلمة وكان تنظيم القاعدة قريبا من موقعنا... صحنا في وجههم بأننا نساء حملن السلاح وجئن إلى هنا للدفاع عن شعبنا حتى الموت."
وتابعت "طلبوا منا المغادرة ولم يريدوا محاربة النساء."
وتقول آهين إنه عند عودتها إلى البيت تثير نقاشات ساخنة عن حقوق المرأة مع أشقائها ووالدها الذين يغضبون من انتقاداتها للمجتمع الذكوري.
وأضافت والابتسامة مرسومة على شفتيها "أريدهم أن يحذوا حذوي ولكنهم يحتاجون إلى بعض الوقت."
وتابعت "عندما كنت أعيش في المنزل كنت مجرد فتاة حسنة السلوك. أما هنا فلم أتعلم فقط كيف أحمل السلاح بل تعلمت أيضا كيف أتحدث. أصبحت امرأة