الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

النقر والزنقار والجذور

  • 1/2
  • 2/2

الدكتور محمد فتحي راشد الحريري - الإمارات العربية المتحدة- خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

هناك مكان مشهور في قرية نَمَر(حوران) جنوب سورية يسمّى الزِّنْقــــــــــــار.
وقد استوقفني الاسم لعدة اعتبارات موضوعية يستبينها القارئ الكريم من خلال السطور التاليــــــــــة .
فما معناه، ولِمَ سُمِّي بهذا الاسم ( زنقار)؟
بالبحث المعجمي لم أجد(زنقار) في الجذور، وانما وجدت (الزنقير) فقد ورد في هذا اللفظ في التاج واللسان،
ومعنى زنقر في تاج العروس:
الزِّنقِيرُ بالكَسْرِ أَهملَه الجوهريّ . وقال ابن دُرَيْد : هو قُلاَمَةُ الظُّفُر وهو القِطْعة منها وهو دَخِيل صَرَّح به الأَزْهَرِيّ . والزِّنقِير : القِشْرَة على النَّواةِ . ويقال من ذلك : ما رَزَأْتُه زِنْقِيراً أَي شَيْئاً . وقيل : الزِّنْقِير : النَّقْـــرُ على الأَســـــنانِ نقله الصَّاغانِيّ.
ومعنى زنقر في لسان العرب التهذيب في الرباعي قالوا الزِّنْقِيرُ هو قُلامَةُ الظفر ويقال له الزِّنْجِير أَيضاً، وأضاف ابن منظور: وكلاهما دخيلان.
وما دام الزنجير والزنقير دخيلين، فليس هما المطلوبين في بحثنا.
فلابدَّ أن يكون الاسم قد تحوَّر وتبدل حسب اللهجــات، وكلُّــنــــا يعرف أنَّ بعض الشاميين يقلب الذال زايــاً ، فما المانع أن يكون الاسم(ذو النَّقر) أو ذو النقـارة؟
ولنــرَ:
قال ابن منظور في اللسان:
النَّقْرُ ضربُ الرَّحى والحجرِ وغيره بالمِنْقارِ ونَقَرَهُ يَنْقُره نَقْراً ضربـه والمِنْقــــــارُ حديدة كالفأْس يُنْقَرُ بها وفي غيره حديدة كالفأْس مُشَكَّكَةٌ مستديرة لها خَلْفٌ يُقطع به الحجارة والأَرض الصُّلْبَةُ ونَقَرْتُ الشيء ثَقَبْتُه بالمِنْقــــارِ والمِنْقَر بكسـر الميم المِعْوَل. قال ذو الرمة :
كأَرْحاءِ رَقْدٍ زَلَّمَتْها المَناقِرُ
ولا يزال السكان المحليون يسمون فتات الصخر إذا نقروه بالنِّقارة.
والناظر في جغرافية المكان يأنس فورا لهذا التعليل، فالزنقـــار مكان بركاني تكثر فيه عملية قطع الصخور للحصول على حجـارة البناء، كما كانت تكثر فيه عمليات نقر الصخور لصناعــة حجــــــارة الرَّحـى، كما أخبر بذلك الأسلاف، بل لا زال في المنطقة كثير من الأرحاء (الأرحيــة)(1) المنسوبة للزنقار!
وقال المعجميون والمفسرون في قوله تعالى: ((ولا يظلمون نَقِيراً ))النساء/ 124
قال النقير النكتة التي في ظهر النواة وروي عن أَبي الهيثم أَنه قال النَّقِيرُ نُقْرَةٌ في ظهر النواة منها تنبت النخلة والنَّقِيرُ ما نُقِبَ من الخشب والحجـــــر ونحوهما وقد نُقِرَ وانْتُقِرَ وفي حديث عمر رضي الله عنــــه على نَقِير من خشب هو جِذْعٌ يُنْقَــــرُ ويجعل فيه شِبْهُ المَراقي يُصْعَدُ عليه إِلى الغُرَفِ والنَّقِيرُ أَيضــــــاً أَصل خشبة يُنْقَرُ فَيُنْتَبَذ فيه فَيَشْتَدُّ نبيذه وهو الذي ورد النهي عنه شرعا ً.
ومنه قول لبيد يرثي أخاه أربدَ:
ولا هُمْ غيرُ أصْداءٍ وهامِ  ***  فليس الناسُ بعدَكَ في نَقيرٍ
أي ليسوا بعدك في شيء.
وقال ابن فارس في مقاييس اللغة، (مادة: ن ق ر):
النون والقاف والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على قَرعِ شيءٍ حَتَّى تُهْزَم فيه هَزْمَــةٌ، ثم يتوسَّع فيه.[منه] منقار الطَّائر، لأنه يَنقُر به الشَّيء حتّى يؤثِّر فيه.
ونَقَرت الرَّحَى بالمنقار، وهي تلك الحديدة. ومن الباب نقَّرتُ عن الأمر حَتَّى علِمتُه ، وذلك بَحْثُك عنه، كأنَّ عِلمَك به نَقْرٌ فيه.
ونقرت الرّجلَ: عِبْتُه، كأنَّك قرعتَ بشيءٍ فأثّرتَ فيه.
وقالت امرأةٌ لبعلِها: "مُرَّ بي على بَنِي نَظَرَى ولا تمرَّ بي على بَنَاتِ نَقَرَى"، أي مُرَّ بي على الرِّجال الذين ينظُرونني، ولا تمرَّ بي على النِّساء اللواتي يغتَبْنَنِي.
والنُّقرة موضعٌ يبقَى فيه ماءُ السَّيل، كأنَّه قد نُقِر نَقْراً فهُزِم.
وطبيعة الزنقار الجغرافية تؤكد ما نحوناه في تحليلنا وتعليلنا.
وواحِد المناقِرَ منْقر، وهي آبارٌ صغار ضيّقة الرؤوس، كأنَّها قد نُقِرت في الأرض نَقْراً. وللسبب نفسه تسمى المنطقة المحيطة بالزنقـــــار قديما ولغاية اليوم أرض النقرة، كذا يروي السكان المحليون منذ القديم، وهو أمـرٌ معروف في تــاريــــــخ حوران، المسماة (باشان) أو ( هيورانتوس).
______________________هامش:
(1)- والرَّحَى معروفة التي يُطْحَنُ بها، والجمع أَرْحٍ وأَرْحاءٌ ورُحِيٌّ ورِحِيٌّ وأَرْحِيَةٌ؛ الأَخيرة نادرة؛ قال: ودارَتِ الحَرْبُ كدَوْرِ الأَرْحِيَه قال: وكرهها بعضهم.
وحكى الأَزهري عن أَبي حاتم قال: جمع الرَّحَى أَرْحاءٌ، ومن قال أَرْحِيَةٌ فقد أَخطأ، قال: وربما قالوا في الجمع الكثير رِحِيٌّ، وكذلك جمع القَفا أَقْفاءٌ، ومن قال أَقْفِيَةٌ فقد أَخطأَ، قال: وسَمِعْنا في أَدْنَى العدد ثلاثُ أَرْحٍ، قال: والرَّحَى مؤنثة وكذلك القفا، وأَلف الرَّحَى منقلبة من الياء، تقول هما رَحَيانِ؛ قال مُهَلْهِلُ ابنُ ربيعة التَّغْلبيُّ: كأنَّا غُدْوَةً وبَني أَبينا، بجَنْبِ عُنَيْزَةٍ، رَحَيــــا مُديِرِ وكلُّ مَن مَدَّ قال رَحاءٌ ورَحاءَانِ وأَرْحِيَةٌ مِثْل عطاءٍ وعَطاءانِ وأَعطِية، جعلها منقلبة من الواو، قال الجوهري: ولا أَدري ما حُجَّته ولا ما صِحَّتُه؛ قال ابن بري هنــا: حُجَّتُه رَحَتِ الحَيَّةُ تَرْحُو إذا اسْتَدارَت، قال: وأَما صِحّةُ رَحاء بالمدّ فقولهم أَرْحِيَةٌ. وهذا يؤكد خطأ أبي حـاتم إذ قال أرحية جمع خطأ، وما هو بغلط.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى