أثار فيلم وثائقي أنتجته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن وضع المرأة في السعودية، ردود أفعال سعودية متباينة، حيث اعتبره البعض ضغطاً دولياً ومحاولة لتشويه صورة المملكة ونسائها، فيما اعتبره آخرون شيئاً حميداً.
وتواكب الوثائقي الذي حمل عنوان "النساء أولاً" مع أكبر حملة ضغط نسائي من ناشطات في السعودية بهدف إلغاء ولاية الرجل على المرأة، واشتراط موافقته للعمل، أو لاستخراج جواز سفر، إضافة إلى منحها حق قيادة السيارات، وهي الحملة التي ظلت ضمن التريندات العالمية للنقاش على موقع تويتر لأكثر من 100 يوم.
ويتناول الوثائقي حياة عدد من السعوديات وطرق تعايشهن مع العادات الاجتماعية الخاصة في السعودية، وكان من ضمن من شاركن فيه ناشطات حقوقيات وبعض من المرشحات للانتخابات البلدية التي عقدت أواخر عام 2015، إضافة إلى عدد من المرشحين السعوديين.
سنة أولى انتخابات للمرأة
أحداث الفيلم الذي تم تصويره في الرياض وقعت خلال ديسمبر/كانون الأول 2015 عندما كانت المرأة السعودية تشارك للمرة الأولى في الترشح للانتخابات البلدية.
ورصد الفيلم عن قرب تجربة المرشحة فادية الخضراء، واستعرض الخطوات التي اتبعتها للفوز في تلك الانتخابات.
فادية أبدت سعادتها بمشاركتها في الانتخابات، معتبرة أن مجرد المشاركة في حد ذاتها فوز لها يكسبها الخبرة.
وتطرق الفيلم أيضاً لمعاناة المرشحة في التنقل، حيث يتغيب ابنها عن عمله لمساعدتها في قضاء شؤونها، بسبب حظر قيادة المرأة السيارة في السعودية.
وتابع الفيلم أيضاً حالة المرشحة ريم علي، التي وصفها بأنها من بيئة تقليدية ومحافظة، وترتدي النقاب.
وقالت ريم في الفيلم إن مجتمعها متطور لكنها تلتزم بالتقاليد التي يفرضها عليها الزوج والأهل حتى وإن لم تكن مقتنعة.
منع من الترشح
وتوقف الفيلم أيضاً عند الناشطة الحقوقية السعودية لجين الهذلول التي مُنعت من الترشح في تلك الانتخابات، وصرحت لمنتجي الفيلم بأن منعها كان من قبل جهات حكومية مجهولة.
وأورد الفيلم أن لجين مثلت أمام محكمة مكافحة الإرهاب بسبب قيادتها السيارة على الحدود السعودية، إلا أن المحكمة لم تدنها ولم تبرئها، وبقيت قضيتها معلقة، وقالت الهذلول عن ذلك: "هذه القضايا يتم استغلالها بهدف إغلاق أفواه الناشطين".
اكتبوا لنا مشاكلكم
لم يكن فيلم "نيويورك تايمز" وحده هو مبعث الغضب، فقد نشرت الصحيفة، الإثنين 24 أكتوبر/تشرين الأول 2016، على حساباتها الرسمية باللغات العربية والإنكليزية استطلاعاً للرأي يستهدف السعوديات تحديداً.
"نود أن نتواصل مع النساء السعوديات أخبرونا عن حياتكم وطموحاتكم وآرائكم في المجتمع السعودي"، هذا ما عنونت به الصحيفة استطلاعها، الذي تضمن الأسئلة التالية:
- ما - باعتقادكِ - المفهوم الشائع الأكثر خطأً حول المرأة السعودية بين الناس خارج المملكة؟
- هل تغير المجتمع السعودي بالنسبة إليكِ في السنوات القليلة الماضية؟ مثلاً، هل يوجد الآن شيء مسموح للنساء كان محظوراً من قبل؟
- كيف يؤثر نظام "ولي الأمر" على حياتك؟ اذكري لنا تجربة شخصية مررت بها.
تضليل
وأثار استطلاع الرأي الذي نشرته "نيويورك تايمز" جدلاً واسعاً على الشبكات الاجتماعية في السعودية، فقد اعتبره البعض تضليلاً إعلامياً وإثارة للفتنة داخل المملكة، وسعياً لتشويهها خارجياً، وطالب أصحاب هذا الرأي الفتيات بالتجاوب مع الاستبيان بكتابة ما يكشف أنهن معززات مكرمات.
جرائم أميركا ضد المرأة
البعض قرر الرد بحملة معاكسة، مدشنين هاشتاغاً يتضامن مع المرأة الأميركية المظلومة هو #جرايم_أمريكا_ضد_المرأة، واستعرضوا فيه مقاطع فيديو تظهر العنف ضد النساء في أميركا، إضافة إلى العنصرية ضد السود والبيض.
التعامل مع المنصات الأجنبية ليس خيانة
وفي مقابل الحملات السابقة، اعتبرت عزيزة اليوسف، وهي أستاذة جامعية متقاعدة شاركت في الفيلم الوثائقي، أن التعامل مع الإعلام الأجنبي لا يعني عدم الوطنية، فأكبر المسؤولين في الدولة يتعاملون معه، وهو مجرد منصة لتوصيل وجهة نظر لا يتيحها الإعلام الداخلي السعودي.
اليوسف عددت ما اعتبرته مطالب المرأة السعودية، "في مقدمتها تغيير القوانين الوضعية التي استجدّت من عام 1980، مثل طلب إذن سفر، وإغلاق بوابات الجامعات، وطلب إذن ولي الأمر للتعليم، وطلب إذن ولي أمر للعمل، وكثير من القوانين الوضعية".
كما طالبت بـ"إعادة النظر في قانون دار الرعاية والسجون ووضع المسجونات المنسيات، إذ إن معاملة المرأة على أنها ناقصة الأهلية طول العمر ليس من الإسلام في شيء، ويجب أن تعامل المرأة كمواطنة كاملة الأهلية في نظر الدولة".
وتقول اليوسف إن حملات دعم حقوق المرأة السعودية ليست دعوة للتفسخ الأسري ولا لتمرد الفتاة على أسرتها، فالأسرة مثلاً لم تفسد عندما تم تحديد سن الرشد للشاب، "العلاقات الأسرية تعتمد على التربية وليس على قوانين حكومية"، على حد تعبيرها.
ابتزاز سياسي وضغط دولي
الكاتبة ريم سليمان تناهض الرأي السابق، وتعتبر الأمر "تدخلات خارجية وابتزازاً سياسياً وضغطاً على الدولة".
سليمان قالت إن "لدينا ولاة أمر نعود إليهم ونطلب منهم ونسعى لتحقيق ما نريد من خلالهم.. التغيير يجب أن يأتي من الداخل عبر العمل على زيادة الوعي بحقوق النساء، والترويج لثقافة أن المرأة متساوية في الحقوق والواجبات أمام القانون".
وتضيف: "أميركا وكثير من الدول الغربية مبتلاة بانحدار أخلاقي لا نريد أن نكون مثلهم، لكننا نريد حرية وحقوقاً مناسبة لعصرنا الحديث دون الاعتماد على تفسيرات لأماكن وأزمان انتهت".
ولا تعارض سليمان حملة "إسقاط الولاية وقيادة المرأة السيارة" في جوهرها، بل ترى فيها "وعياً نقياً يجب أن يلتفت إليه"، حسب وصفها، فالمرأة السعودية تتعرض لعراقيل في حياتها اليومية تزيدها صعوبة، لكن يجب إبعاد صراعات التيارات المختلفة في المجتمع عن حقوق المرأة.
حملة السعوديات تتخطى 100 يوم
وكانت السعوديات قد أطلقن حملة "إسقاط ولاية الرجل على المرأة" عبر تويتر، وسجلت تلك الحملة نجاحاً فريداً، إذ اعتبرت أول حملة تتصدر الترند العالمي لأكثر من 100 يوم.
وفي 25 سبتمبر/أيلول 2016 دشن السعوديات هاشتاغ #برقية_الولاية_للملك 25 سبتمبر، إذ اتفق عدد كبير من السيدات المؤيدات لإسقاط ولاية الرجل، على رفع برقيات للملك سلمان آل سعود، تحوي أسماءهن ورقم السجل المدني ومطالبهن، وتم نشر نص تلك البرقيات على الشبكات الاجتماعية، بالإضافة إلى تعليمات توضح طريقة إرسالها.
وقالت ناشطة حقوقية إن عدد الرسائل وصل إلى 2500 برقية.
وتركز المطالب التي تضمنتها البرقية على منح المرأة صلاحية إنجاز معاملاتها الرئيسية كحق استخراج جواز سفر أو استئجار شقة أو العمل دون الحصول على إذن من رجل.
وكان النشاط النسوي السعودي على الشبكات الاجتماعية قد تزايد في أعقاب الإعلان عن رؤية 2030 التي لم تتطرق للأوضاع الاجتماعية للمرأة، وأعلن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في المؤتمر الصحفي بعد إقرار الرؤية في مجلس الوزراء أن قضايا مثل قيادة المرأة للسيارة مرهونة بموافقة المجتمع عليها.
هافينغتون بوست