قد يحاول الكثير الجمع بين الحقائق المكانية، ورصد العلاقات السياسية، في ضل تطورات عاجلة او اجلة، بطيئة او متسارعة، يشهدها العالم خلال عقود من الزمن، مع محاولة الربط بين العمليات الكونية هذه والحياة اليومية، حتى يساق على ذلك تساؤل :
هل يرى من تكامل يتحقق بين السياسات المتباينة عبر الاقاليم الجغرافية، لتكون خطوة لفهم تنامي التحولات والتغيرات المختلفة بابعادها ؟
ولو عمل على الاقتراب من نهج النظام العالمي، هل تكشف طبيعته وماهيته وابعاده ؟
وهل عمل على التوقف عند مفهوم وتحليل دلالاته والتعامل معه على فرض واعتبار انه التجلي الاخير لمجموعة تفاعلات وعمليات جغرافية تاريخية من مدى طويل، وقد من امتداد التاريخ البشري ؟
وقطعا ولا بد ان اي الابعاد وكلها شديدة الترابط والتداخل والتفاعل بعضا ببعضها وبطبيعة الحال .
حين يهتم بمجال الجغرافيا السياسية، يقف عند التطور المرتبط بالمجال، حيث ترصد انماط التحول الاساسية والتغيرات المتسارعة في اطاره، ولا بد من تشابك عناصر تشكل منظومة قد تعتبر منظومة واحدة لا يمكن فصلها او تجاهلها او اغفالها، ولابد ان تكون هناك صيغ تركز على موروث سياسات القوى وحتمية التأكيد على رجالات السياسة ومستشاريها، وما له صلة بمفهوم النظم الدولية التي تمثل بنى ثابتة نسبيا توظف السياسات في حقب ما او محددة، مع الاخذ بظر الاعتبار الصيغ الجديدة للنظام العالمي والتي معالمها بين النضج وعدم تكامله.
وان توقفنا عند ظاهرة حرب باردة باعتباردها احد الشواهد التاريخية للنظم العالمية، او على انها تعبير عن ما تتبناه حكومات بعينها مع القواعد التي تنهجها دولة او قوى، خاصة الولايات المتحدة، وكما يعرف بسياسة " الاحتواء "، والتي يحاول معها ومنها استكشاف مؤشرات كفيلة باحداث نقلات الى نظام عالمي غير وجديد، مع صيغة يتخذها ذاك النظام المرتقب .
وبعد الجمع بين الحقائق المكانية والعلاقات السياسية، وجد انها تشترك في التركيز الشديد على دولة وان وجد اختلاف من وجهه سياسية، فالممارسات السياسية نموذج دينامي، تتجسد عنها نهج متعلقة بنظم عالمية في جغرافية السياسات، والجغرافية الامبريالة منها، فكل له صلة، وقليل من يركن الى الاسلم من منظور ان الامور من مخلفات الماضي، وعموما لابد من وجود علاقة تقوم على هيمنة دول على بلدان، وهي اشارة الى السيطرة السياسية واستغلال في جانب واخر، حتى وان يعتقد بانتصار نموذج ليبرالي في اغلب الدول المسماة " دول العالم الثالث"، فعموما لن ينتج الا تبعية جديدة لا تقل رسوخا عما قبلها وانفة، فالثلاثية الكلاسيكية للجغرافيا السياسية، " الارض، الدولة، الامة " هو تراث مصطبغ وبنية مكانية للدولة ايدولوجيا وتنمويا، ونظرية الدولة من منظور عالمي ومداي في القومية .
ثم لتأتي بعد هذا الدولة الاقليمية ومفهومها، وفق ما يمكن استقاءه من ميراث الجغرافية السياسية، ومنها لتتوضح كيفية وضع خريطة العالم السياسية، وتحليل اداء دول العالم واصولها من استخدام نموذج او مسح طوبوغرافي مبسط للدولة، حتى تتبين الاشكاليات والقضايا الجوهرية المتعلقة بطبيعة الدول ذاتها، ودلالات الجدل الدائر حديثا في اطار نظريات وبما يتعلق بالدولة وما يساهم في فهم طبيعة الدولة، وان وجد اخفاق فيما يتعلق بالتعامل مع طبيعة العلاقات بين الدول او الشريط البنيوي للدول المتعددة، ثم ليتحتم ان تكون الدولة قائمة على نظرية نظم عالمية ، كنظام جماعي بين كل الدول .
وحين يركز على الدول الاقليمية، تعتبر الدول القومية ممثلة مهمة للمجال المحوري، ومهمة في الايدولوجيا السياسية، وحيث الامة والدولة شراكة اقليمية، وحيث يستخلص الى ان القومية مجموعة ممارسات سياسية لا يمتد تاريخها بعيدا، وما هي بشعار ترفعه الامم، وان آوالها ليس الى زوال، وذلك حين تتنامى الصراعات وتترامى ابعادها، وما يحدده الزمكان للمجتمعات وادوار محورية وهجي،نة واي من ذلك مربوط بالسياسة المحيطة والدولة والامة والطبقة والاسرة .
يترافق الاهتمام بالجغرافية السياسية مع الانحياز لنظريات، وتحديدا نظريات يجري تطبيقها ومنهج النظم العالمية، كنظرية الليبرالية، والممارسات المتبعة، عليه يحدد قصور في مجال الجغرافية السياسية الحديثة واحتياجها الى اعادة تقييم يتبعه تطوير من خلال آلية ومنظومة عالمية، مع ما ينطوي من تداعيات نجاح عملية الدمقرطة عبر العالم مع وجود نمطين مختلفيين من العمليات السياسية، وهناك من يقدم على تطوير سياسته وفقا للنمط السائد في دول، ثم ليصاغ الى تساؤل، ما اذا كانت نهايات الحروب الباردة سوف تسمح للديمقراطية بأن تتواصل وتستمر، أم ...؟
وعموما تعتبر الساحات الداخلية " المحلية " للبلدان، وتوصف بانها الساحات الاولية التي فيها تجري العملية السياسية، لانها كل ما يتعلق بالمكان والزمكان، وقد لا تخلو من صراعات رسمية وغير رسمية، والتي تتطبع بطابع الجغرافيا السياسية المحلاتية، مع اهمية النسبية المكانية للسياسة العالمية وقطعا لا بد من وجود نظام اقتصادي، نظام تلعب فيه الدول دورا لتكتمل المنظومة، ناهيك عن الاعتبارات المرتبطة بالمكان، مع وجود هويات عبر مؤسسات اساسية للنظام العالمي الحديث، باعتباره المجال الذي اليه ينظر الى ما وراء الدولة، حتى يقترب من ظاهرة الولاءات " المحلية " وكأنه هوية " مكان " وتداخل نطاقات الولاءات المتباينة، خاصة بالنسبة للانسان وتفاعله مع المجتمع الذي اليه ينتمي، والبيئة ايضا تقوم عليها النظرية مع نظريات البيئة الحضرية التي تعاني من ابعاد سياسية غائبة، وقصور من ظاهرة جغرافيا الصراع في المحليات وما يتعلق من دافع واسباب، ثم ترصد نتاجات كل ذلك، والعولمة منها وما تتأتى من نتائج على الهياكل الاساسية للاقتصاد والرأسمالية، وما يترتب عليها من تفاوتات هائلة، منها عدم تكافؤ العولمة وسلبياتها وتعاظم سلبياتها حتى باتت المكانات متوترة، من نزاعات سياسية حول المكان والبناء الجغرافي وما يتشكل من مكونات ونضالات متعلقة بمسار ومستقبلية!؟ .
هل يستطيع العالم فعل شيء ازاء اكبر قوى وقيادة؟
الحرب على العراق بين الاحتلال وادعاءات التحرير ... ليس غير مطامع استعمار وعواقب !
قد لا يستطاع، فالقيادات الاميركية في استمرار ترديد الكذب، وتبرير الادعاءات، مرة اسلحة دمار " شامل " ومرة ارهاب واخرى قاعدة، وهكذا دواليك، المهم الا تخسر القيادات الاميريكية شيئا، حتى وان لم تخسر سوى سمعتها! لانها تركيبة نظام عالمي وتركيبة سياسية وواقع نفسي لواقعها الداخلي، ويبدو انها كما يقال " تكذب كذبة وتصدقها أو تصدق كذبها " .
وما عملية اجتياح العراق الا تقدير لتصديق كذبة على انه تحرير لا احتلال، حتى يتحول العراق الى فيتنام ثانية، أو لبنان، وقد يبدو ان القادة الاميركان وساساتهم، يتجاهلون الواقع حتى وان بدت ضدهم مقاومة شريفة، على فرض منها انها مقاومة غير منظمة، ورغم انها ( اميريكا ) لا يغفل عنها ان المقاومة مستمرة والى مدى غير معلوم، والمعلوم كم وعدد الجثث التي تصل اراض اميريكا وشواطئها من الجنود المجندين الاميركان وغيرهم .
ان اهم معالم الغزو الاميركي الهجومات التي تشنها والعمليات العسكرية كـ " عقرب الصحراء " وضربة شبه الجزيرة " التي راح ضحيتها الاف من العراقيين، الذين صرح عنهم ضابط اميريكي كبير مسؤول عن الهجمات التي تشن ضد القوات الاميركية، لصحيفة ( لوس انجلوس تايمز ) ردا على سؤال للصحيفة، انه : " لا يعرف ان من قتل! هم من البعثيين، ام من الجنود العراقيين القدامى، ام ارهابيين ...؟! المهم لا ندري ولا نعرف وكل ما نعلم اننا قتلنا الالاف منهم ....!"، وكما صرح ضابط اخر لوكالة اسوشييتد بريس " للانباء ، ردا وتبريرا على الوحشية التي تسلك ضد المدنيين العراقيين :" اننا لا نريد ان ندع للصدفة مجالا، وان حياتي في خطر، وعلي ان اتعامل معهم ( العراقيين ) كـ " اعداء "، الى ان يثبت لي العكس، وضابط ثالث اخر قال : " اننا نقف على اطراف اصابعنا طوال الوقت، واعيننا مفتوحة نفتش المباني، لم نعد نقاتل ضد دبابات ومشاة، اننا نقاتل شيئا خفيا .." هكذا يسمي القادة الاميركان الاشياء باسمائها، حتى وان نكروا انها المقاومة، او تناسوا الانهيارات المعنوية للعكسرين الامريكيين والمجندين، او ما يواجههم من عمل سري يمكن ان ينتهي الى هزيمة او انسحاب.
لقد اسفرت الادارة الاميركية قبل غزو العراق، عن وجهها على لسان " كولن باول وزير " الخارجية، الذي يروج له انه اكثر الرجال مسالمة وعقلانية حين اعلن ان : " غزو العراق سيتيح للولايات المتحدة الامريكية فرصة اعادة ترتيب المنطقة بما يخدم مصالحها ..."، ويعني هذا ان لا وجود لاسلحة دمار شامل او نظام فاسد وحكم دكتاتوري مأسوف عليه، بل هو مشروع القرن الاميريكي الجديد الذي بدأ به في المنطقة، وهذا هو رد فعل اليمين الاميركي المتطرف على الهزيمة في فيتنام، وهذا يعني ان اعادة ترتيب الامور يخدم مصالح الولايات الاميركية في هيمنة مطلقة على " نفط العرب "، هذا الاحتياج الحيوي للاقتصادات الغربية وبسعر بخس، ولن تكون هناك غير ايران منبع النفط الوحيد الباقي في المنطقة بعد اخضاع الدول العربية للاحتلال العسكري على فرض ان ايران القوى الصاعدة المحتملة ومصدر تهديد استيراتيجي في المنطقة، وهكذا يخلص الى تحويل منطقة الشرق الاوسط الى منصة انطلاق مشروعات الهيمنة الاميريكية في باقي العالم .
ما تعرض له العراق من غزو وهجوم بشع، من تحالف تقوده اميركا والمملكة المتحدة، وبعض الشركاء منهم من معلن والاخر مستتر، وبما اسفر عنه وبما استتر من اغراضه، كان عدم تكافؤ بين طرفي الحرب حيث كان جليا، حيث القوة الاعظم في العالم وبترسانتها الحربية العاتية، والعراق المنهك من حصار قاس وحضر جوي مفروض دون سند ولا شرع قادته تلك القوى مع اضعاف قدراته القتالية، حتى عملت الحرب على اشكال الخراب وضروس باغية بصواريخ ناهزت الالف وقنابل ذكية، حتى فقدت المصداقية الاخلاقية لمعسكر الغزو، حيث لم تظهر دلائل على اسحلة دمار شامل، بل من الممكن ان يعمل الغزو على زرع مواد منها لتبرير العدوان خاصة بعدما ثبت ان ليس للعراق الا بعض وسائل الدفاع ضد هجوم كيمياوي او بايولوجي، وما هي الا ذريعة وتهمة تبتدع لشن الحرب على العراق والغرض المبيت، رغم شهادات نظام التفتيش وفرقه المخولة من مجلس الامن والتي كانت تحقق انجازات مرضية بشهادة الجميع تقريبا، لكن ما هي الا خديعة كبرى حيث كان التفتيش يكاد ينتهي وينتهي الى خلو العراق من اسلحة الدمار وما يدعون، لكن الاقدام على غزو العراق مبيت، ولو كانت الاسلحة السبب لما تجنبت اميركا اي عمل عسكري ضد كوريا الشمالية حين اعلنت امتلاكها لاسلحة ذرية يمكن ان تطول عاصمة كوريا الجنوبية!؟، وهكذا بدت تكئة اسلحة الدمار الشامل مطلب بيروقراطي وكما اعترف احد اعمدة مشروع الهيمنة الاميريكية " بول ولفوويتز " ـ نائب وزير الدفاع ، حتى ان تقارير الاستخبارات البريطانية المعتمدة من الادارة الاميريكية في تبرير غزو العراق كانت عرضة للتلاعب والاختلاق، وليس من مبرر غير ان " العراق يسبح على بحر من نفط " كما صرح ولفوويتز .
وحين بدأ العدوان لم يتورع معسكر الغزو عن استخدام القنابل العنقودية باعترافهم، وقذائف اليورانيوم المنضب، واستهداف المدنيين والاعلاميين عيانا جهارا ومعاملة الاسرى بشنيع الافعال، خرقا لجميع الاتفاقيات الدولية ومنظمالت حقوق الانسان التي يتغنون بها ولا يحترمونها، بل تهدر معها المعايير الانسانية الراقية، ناهيك عن الدمار المادي بالغ الضخامة، ودمار الحضارة والمعرفة، وما هي الا اخلاقية معسكر تحالف الغزو، وها هو وهم الديموقراطية وتدهور الحريات المدنية، والحرب الضروس التي عارضتها اغلبية شعبية واسعة عبر العالم، وبالتالي صار النظام العربي ايل الى السقوط بعد ان بدا قبل غزو العراق مترنح حتى ولو في درجة وليس في صنف، فاخفقت معها سلطات حاكمة على معياري المعرفة والحرية والتنمية ومعيار خليق بالقرن الحادي والعشرين، ناهيك عن فرمانات المندوب السامي الاميركي " برايمر " الذي ترك بغداد والعراق تحت اكثر من حاكم امريكي دون بوادر لقيام سلطة عراقية حرة والتأكيد على دور " مجلس السبعة " استشاري، او تعيين وزراء عراقيين تحت امرته لتسيير امور تنفيذية لا تقترب من امور السيادة التي تبقى حكرا عليه .
هكذا ثبت ان العراق بشعبه دفع ثمن تدميره من ثروته النفطية ثم ليعيد اعماره، وهذا ما جاء بعد اعلان الرئيس الامريكي انتهاء العمليات العسكرية لتتقدم الادارة الامريكية لاستصدار قرار من الامم المتحدة بانهاء العقوبات على العراق وتحويل سلطة التصرف في عائدات نفط العراق الى الادارة الامريكية، هكذا ...!وهكذا في كلتا الحالتين هي ثمرة نصر الحرب على العراق وغزوه، وهكذا لن يتمكن الشعب العراقي في منظور التنمية الانسانية من تمكين نفسه تقرير مصيره وفق الشرعة الدولية لحقوق الانسان بالتحرر من الاحتلال واستعادة ثرواته واقامة نظام صالح يمثل جموع العراقيين تمثيلا سليما يعمل ساهرا على بناء العراق، لان الولايات المتحدة الامريكية اتاحت ما يخدم مصالح القوة الاعظم واعادة تشكيل المنطقة، ومخططات تشكيل المنطقة خدمة لاغراض قوى اجنبية ودخيلة .
غزو العراق والميزان العسكري في الشرق الاوسط للقوى الكبرى !؟
ان غزو العراق، واحتلاله وضع نظرة افق تحليلية الى الميزان العسكري، والتحدي الذي يواجهه شرق اوسطيا، ومناطق العسكرة في العالم، وتطورات القوى في الدول والبلدان، وتأثيرات القوة ناهيك عما تتحجج بها القوة العظمى عن اسلحة الدمار الشامل، وكل هذا يؤشر الى الاتجاهات ويركز على الصراعات، خاصة الصراع العربي ـ الاسرائيلي، حيث لا توازن بين الخطر الاولي الذي يهدد والخطر الحقيقي او الكامن، وما يصل اليه ان الخطر هو " الشرق الاوسط الكبير " وكل امر حسب طوفان تدفق المعلومات وما هو الا مقارنة ثلاثية الابعاد وعلى سبيل التحديد، قوة العراق العسكرية كما كانت 1990 ( اي قبل الحرب الامريكية الاولى في الخليج التي عرفت بعاصفة الصحراء ) وكما كانت في 2002 ( اي العام الذي سبق الغزو الامريكي للعراق في اذار 2003 ) حيث كانت القوة البشرية العسكرية للعراق بما يعادل مليون جندي منهم 425 الف نظامي ليتراجع العدد هذا الى 389 الف ويصبح عدد القوات النظامية 375 الف ، اما بعدالغزو فبين 20 ـ 30 الف فرد ناهيك عن عدد وكم الاليات والمعدات والمكائن العسكرية حسب تسميتها توصيفها واستخدامها، عموما ان الميزان العسكري للدول هو ما توليه اجهزة المؤسسة العسكرية الامريكية، والذريعة التي بها يتحجج، والعذر الذي به يتطاول على بلدان العالم بحجة امتلاك اسلحة وترسانة واسلحة دمار شامل، وهذا تستبعد عنه اسرائيل حيث يوضع موضوع ترسانة اسلحة الدمار الشامل الاسرائلية في الظل ويقلل من اهميتها دون تضخيم الخطر وهذا بعينه هو الاختلال في المقاربة من جانب المركز الاستيراتيجي، فالجزء الوحيد هو اسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط والذي تتناوله مصادر المخابرات الاسرائيلية وتردد ذكرها وبشكل ملحوظ، هكذا حتى يصاغ الى وضع اسماء دول الشرق الاوسط الى منظمات ارهابية من سعيها لامتلاك الاسلحة خاصة الكيمياوية والبايولوجية، حتى وان جاءت الرغبة والمساع في امتلاك اسلحة الدمار الشامل لجوءا الى محاولة امتلاك " مكانة " او لـ " الردع " او لـ " التخويف " او لـ " القدرة القتالية " ومنها سباق التسلح بين دول متجاورة، وقد من عجز عن معرفة عدو المستقبل وتحديد خصائص المخاطرة، وكل شيء يتحدث عن ارتيابات يبرز من بينها " من هو العدو " من هو الحليف ، ومن هو حليف العدو؟ والارتياب في دقة الاسلحة وفاعليتها، وكل شيء مرهون بفهم تقانة الاسلحة وتأثيراتها ومفاهيم الاستهداف والمخاطرة، وكل هذا استنتاج لاتجاه خطوات الاستيراتيجية الاميركية في المنطقة وبقدر كبير من التفاصيل .
عموما الامر ليس اقل او اكثر من تمهيدات لما هو اكثر من اتهامات وتهديدات امريكية توفر كم وعدد معلوماتي ومخابراتي وبقدر عن نشاطات اولا، بمعنى ان وفرة المعلومات تمثل انعكاسا للاهتمام الخاص الذي توليه اجهزة المؤسسات العسكرية الامريكية، ووضع ترسانات اسلحة الدمار الشامل لدولة ما تحت الظل ويقلل من اهميتها ويضخم الموضوع عن اخرى بما يعطي اهمية تستوجب يضخم منها الخطر ألاتي، وما هذا الا اختلال في المقاربة؟! مع توفر ووجود عنصر مفاجأة في تقارير تؤكد عدم وجود اسلحة دمار شامل مذ غزت امريكا العراق، وهذا ما يضعها تحت الحرج والفشل في العثور على السلاح المزعوم، عموما ان تقرير الميزان العسكري الجديد في الشرق الاوسط يضع مقارنة ثلاثية الابعاد لقوة العراق العسكرية وكما كانت 1990 وحتى كما كانت 2002
القطب الاوحد والعالم والعرب و 11 ايلول / سبتمبر 2001 .....؟
يبدو من الضروري رصد احداث وحيثيات الحادي عشر من ايلول / سبتمبر 2001 عربيا وعالميا، فمن المعروف ان هناك قطب أوحد او عالم القطب الاوحد واتجاهاته في قراءة اليوم المشهود وفي سياق التطور التاريخي والدور الاميركي في توظيف الدين في حروب لا صلة لها بالدين، حيث جليا تبدو هيمنة القطب الاوحد وما يرى عن تمركز اقتناء الولايات المتحدة الامريكية الاسلحة الفتاكة وبشكل خاص في مجال الطيران مع موقف الدول الكبرى واحتمالية تطور القطب الاوحد بخصوص سياسة الهيمنة.
وهناك من يعتبر ان تنازع القوى تلك هو في تسيد الولايات المتحدة في مجالات اخرى غير المجال العسكري، ناهيك عن انعكاسات الاحداث على الوطن العربي وما حدث في واشنطن ونيويورك ما يدعو الى استيعاب كل ما يجري وجرى بكل سلبياتها وان كل ما يمكن ان يتأتى لا يمكن ان يكون الا من خلال الاصلاح السياسي الديمقراطي والاصلاح الثقافي والفكري، والقبول وعصر الانفجار المعرفي الذي يعاش والانفتاح التكنولوجي التقني بالحداثة وما تتطلبه من ارساء دعائم الحرية ومشاركة فاعلة في امور منها شؤون الحكم وامره .
وكي يصمد في وجه انحرافات القطب العسكري الواحد لا بد من اطلاق ابداعات جماعية وفردية تساعد على الصمود والمواجهة والتحدي، وكل ذلك مع التطورات الاخيرة في الولايات المتحدة وانعكاساتها العربية، وحيث السلوك الامريكي " الخارجي " واعلان الحرب الامريكية على ما يسمى الارهاب وما يتعلق بمؤشر بناء نظام دولي جديد، عموما ـ
ان مشكلة العرب مع الولايات المتحدة الامريكية تكمن في المعايير المزدوجة التي تستخدمها، حيث انها تفرض على العرب والمسلمين اقسى العقوبات بمجرد محاولتهم رفع الحيف والظلم عن اراضيهم وانفسهم، وبالمقابل تكافيء غير العرب بانواع من الدعم ! وهذا هو وصف السلوك الامريكي في العديد من الاحيان من قبل وحتى بعد هجمات الحادي عشر من ايلول / سبتمبر، بتجاهل القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة، وهكذا بدا وكأن العصر الامريكي قد بدأ، فتقلص دور مجلس الامن واضعف مركز الامين العام مع انتهاء الحرب الباردة، واستهين بالمجموعات الدولية، حتى تحللت من اتفاقيات يلزم بها، بل لم تولي اهتمام بالحلفاء والاصدقاء، وهكذا بلغت الفجوة الاتساع بين مباديء تنادي بها الولايات المتحدة " داخليا " وممارستها على الصعيد الدولي، وقد يقود هذا الى معتقد صراع الحضارات، وهذا منزلق لا يجوز اعتناقه ولا من مقولات تطرح حول هكذا صراع، لان الحضارت تتفاعل لا تتصارع، ولان المصالح وسبل تحقيقها هي العامل المحرك، خاصة للسلوك الامريكي .
الكثير يعتقد ويرى ان النظام الجديد هو نظام الولايات المتحدة الامريكية ذاتها، وانه منظومة كونية على مستويات، مستويات التنظيم الاجتماعي والسلطة والايدولوجية والنفوذ والقواعد، والمعني هي القواعد العسكرية، والتي مؤداها الى هيمنة شمولية، وهكذا لن تنحصر الهيمنة الامريكية في البعد العسكري بل في المتغير الايدولوجي او الحضاري. وهناك ما يقود مؤشرا الى ان العرب والمسلمين مستهدفون في وجودهم ومصالحهم وثرواتهم، وانهم يواجهون جملة تحديات، كيف لا وامريكا قد صارت الامبيراطورية الاقوى في تاريخ البشرية، وهمها ان تبقى القوة العسكرية الاعظم على المدى البعيد والاطول زمكانيا، وبذلك يتسنى لها تشديد قبضتها على ثروات ما امتدت يداها واينما موقعها، لذلك يكون توطيد تواجدها عسكريا تحكما يستنزف موارد العالم والعرب خاصة .
ان كان العرب مجتمعات ومسلمين براء من الارهاب، فما عليهم الا تحقيق مصالحة عربية، والحفاظ على وحدة الجوار والشقيقة، ومع دول المحيط، دون تناسي انهم تعرضوا تاريخيا لاشكال مختلفة من الارهاب، ناهيك عن ان بناء كيان اقتصادي قومي ذي سلطة، تتجاوز سلطة الكيانات القطرية القائمة، تحدي متطلب في غاية الاهمية لتحقيق مصالحة عربية، والعمل على تنفيذ اتفاقيات متعلقة بتنظيم انتقال العمالة والاستثمارات بين دول الاقطار العربية وتفعيلها، مع ضرورة تطوير الاطر الثقافية والسياسية والاجتماعية، وما يرى على الساحة والواقع تصاعد وزن الاسلام السياسي والتيارات الاسلامية هنا وهناك خاصة في المنطقة العربية وان امريكا تتبنى حملة قد تكون مباشرة وعسكرية لتنال منها او من دول اسلامية .
يبدو ان فرص الحوار بين الحضارات كما المآزق والجموح، حيث ضاعت بعد احداث الحادي عشر من ايلول / سبتمبر 2001 ليستبدل بميل نحو اليمين المتطرف بمنلوج امريكي فردي من شعورها بانها " الضحية "،! وهكذا لتمتد اليد الطولى الى الشرق الاوسط لمحاربة الارهاب فيه ضد عدو غير محدد وذي قيادة منفلتة، حيث الفكرة ان القوة والقوة وحدها هي التي ستزيل الارهاب العالمي، بل وانها ستخلق ديمقراطيات لبرالية مستقرة واقتصادات حرة مزدهرة في المناطق " الجامحة " منها الشرق الاوسط، وهذا يتنافى ويناقض مع ان الامبراطوريات الناجحة تاريخيا هي تلك التي يدين نجاحها الى قدرتها على ان تحكم بسلام واستقرار لحقب زمنية طويلة، لا ان تفعل ما هو اكثر من مجرد كسب الحروب، فهل يمكن ان يشييد سلام ( امريكيا ) في القرن الحادي والعشرين استنادا الى القوة العسكرية؟
نحن والعالم والاوطان والحقبة المعاصرة والسماة الجديدة للحقبة من عولمة وغليان اقليمي خاصة في الشرق الاوسط، وطبيعة الامبراطورية الامريكية، هل من تأمل لاي من هذا، وهل يمكن ان تدير القوة العسكرية مناطق العرب والمسلمين وطبيعتهم صعبة المراس؟ وهذا الشرق الاوسط الذي تمزقه النزاعات، ونزعة امريكا الانفرادية وما قد تواجهه الولايات المتحدة من صعوبات في محاولة فرض سياستها الامبراطورية على هذه المنطقة من العالم؟ عموما، التحديات العالمية لها انعكاساتها الاقليمية خاصة بعد احداث 11 ايلول / سبتمبر 2001 .
وما يقود من اشارات الى تحليلات ومؤشرات يرى منها ان صدقية النظرية الامنية في حفظ الاستقرار السياسي للولايات المتحدة، صدقية مهتزة وان ما يواجهه الغرب هو ازمة عقيدته العسكرية والاستيراتيجية، خاصة بعد زوال الخطر الشيوعي، وما بقي هو التحليل القائد الى اتخاذ معاداة الاسلام استيراتيجية الغرب، وهذا مجازفة قد تهدد السلام العالمي، حتى دعى هذا الى اتخاذ مفردات وتعابير كـ الارهاب والتطرف او الاصولية . ومهما هو الامر فأن النظرية الامنية " التقليدية " لتحقيق الاستقرار السياسي والامن للولايات المتحدة تبدو امام العدو الجديد ( الارهاب ) متهافتة عاجزة! وما يسوغ لتحقيق مصالح اميركا الوطنية والكونية هو في بقاء قواعد عسكرية لها في الوطن العربي تبقي على ادارتها وبما تسوغ، فهل بعد هذا من حق في تقرير مصير ومن منطلقات سياسية وقانونية، وهل من مقاومة بين حق وواجب؟ وما هية اشكالها وآلياتها؟ وهل من مقاربة في حقبة ما قبل وما بعد؟
عموما يبدو للعيان ان صعود اليمين المتطرف الى موقع السلطة في الولايات المتحدة هو التفسير للحملة العدوانية تحت زعم مناهضة عدو هلامي هو الارهاب، وقد يقود هذا الى التعرف على المدرسة الامبريالية في التفكير التي تريد احداث تغيير في نظم الحكم في بلدان ودول، كما في العراق، بدعوى نشر الديمقراطية، وهل سيتم هذا والتغييرات دون ضرر استيراتيجي ؟
عموما جعل الارهاب فائدة ومرتكز سياسة خارجية هو ما يجعل لمن يتولى حكم او قيادة وسياسة باع في مجالات السياسة العامة وان كان محدود الفكر والخبرة،! ثم ليخلص الى ما يتلخص في جعل امريكا في حالة تأهب او خوف كسياسة مركزية يحتفظ بها، وكأن العالم مليء بالاشرار وعليه يجب ان تكون هناك يد حازمة واستباق ومبادرة وحركة كبديل للردع على اساس ان هناك مواجهة حرب غير متساوية، وان على امريكا التحرك وبسرعة لحماية شعبها، لا على انها عدوانية على فرض انها مستنبطة المعاني الضمنية للمعاهدات والموايثق الدولية ولها ان تتخذ ضرباتها الوقائية حتى وان لم يفسح مجال لتداول مع شركاء او لا يتسع الوقت للامعان في التفكير خاصة في القيم الاخلاقية والتي لا بد من تحاشيها ويتعين التغلب عليها لتحاشي الخطر، وهنا لا يكون هناك مجال للتمييز بين المقاومة والارهاب او السبب والنتيجة حتى يبدو الامر ليس اقل من تغطرس .
عموما ليس الامر اكثر من تحول، تحول من حرب الجيوستراتيجي وحرب جيوثقافي، وهذا ما رصد بعد احداث الحادي عشر من ايلول / سبتمبر 2001 وتحليل الوثائق في مجال الامن داخل الولايات المتحدة بين عامي 1990 و 2000 وصولا الى عولمة الامن وما للافكار والقيم من تأثير في النخب والجماعات والافراد الذين يساهمون في تشكيل السياسة العالمية .
ومهما يكن الامر فأن مكافحة الارهاب الدولي بين تحديات المخاطر الجماعية وواقع المقاربات الانفرادية، وليس من نكران ما للارهاب الدولي من مخاطر ولا في هذا خلاف ولا اختلاف عليه، لكن الاشكالية في تعدد المفاهيم بالنسبة الى ظاهرة الارهاب، وقطعا العنف ضرب من الارهاب لكن هناك العنف الارهابي والعنف النضالي" المشروع "، ومن المعروف ان الفقه الغربي يستهجن العنف الثوري الذي تقوم بها حركات التحرر الوطني، وقطعا رغم اي وكل شيء لابد من اجماع على احتواء الظاهرة الارهابية مع تنويه بالمقاربة الانفرادية للارهاب في الممارسات الدولية، وتوافقها مع الرؤية الامريكية وغيرها حتى قبل عام 2001 واحداث 11 ايلول / سبتمبر وما بعدها، وقطعا لا بد من مكافحة دولية للارهاب دون غياب مفهوم جاد يرضي شعوب العالم وان كانت النتائج نسبية لكن ليست عديمة الجدوى ومجتمع دولي تتضارب فيه المصالح بشكل كبير واخر . ان موضوع مكافحة الارهاب وبعد احداث 2001 يقع بين الوسائل والغايات واسلوب التعامل الامريكي مع الظاهرة خاصة في الشرق الاوسط والذي قد يستفحل الى ما هو اسوأ .
يبدو ان احداث سبتمبر 2001 صنعت مشكلة علاقة، علاقة ندية والمطلوب معها الحوار، والحوار لا يتطلب الندية بل الاختلاف والتعارض، ليناقش قضية تعددية، واطراف الحوار الاسلام والغرب، والاسلام طرفين والغرب ليس صفا واحدا كما هو قائم، لكن يبدو ان الرد على ضربة 11 ايلول / سبتمبر 2001 جاءت لأعادة صياغة موازين القوى وعلاقاتها، والخريطة السياسية لمنطقة الوسط الاسلامي، والمهم في الامر الا يندرج في مخططات بل الى تحقيق اقصى درجات من التضامن العربي ـ الاسلامي شريطة ان تتخلق ارادة سياسية للتخطيط الحكيم والفعل الشجاع وبالرهان على ميزان الارادات الثورية لا ميزان القوة العسكرية .
ان معالم ثقافة العولمة بعد هجمات نيويورك تطرح جملة تساؤلات حول الثقافة هذه ومستقبلها تحت خط عام واطار عام، فالظاهرة باتجاهات متعددة بين الاقتراب من موضوعها وبين ما هو استيراتيجي، ومنها ما هو اقتصادي، وما هو ثقافي منها، حين يتعرف على زوايا متعددة منها، وحتى تظهر الرؤية العربية للظاهرة والاحداث وتداعياتها الدولية والاقليمية، ناهيك عن الرؤية الغربية الموازية، من ثم ليتعين للعرب التعرف وفهم كيفية فهم الغرب للاحداث وتداعياتها.
عموما ليس ببعيد عن التجلي بالتحليل او بالاكتشاف، الكشف عن اوجه الاتفاق حول اهم الظواهر الناتجة عن احداث 11 ايلول / سبتمبر 2001 ، اولها ان لم ابرزها الاتجاه الجديد للسياسة الامريكية على مستوى المنطقة العربية والمستوى العالمي والعالم الاسلامي، وليس غير الهيمنة والانفراد بموقع القيادة للنظام العالمي الجديد وباتجاه امبراطوري، لكن ليس من البعيد ان هذا التوجه ستكون له دوافع مقاومة باسباب واشكال مختلفة واساليب من كل ما هو عربي واسلامي لان امريكا هي من اتخذت الموقف هذا عداءا وهي من اتخذت توجهات معلنة وغير معلنة من تحديات للدول العربية والاسلامية سواء مع النظم السياسية او الحضارة العربية الاسلامية، والتي يعمل دائما ويسعى لتشويهها وحيث تعمل وسائل الاعلام لكل ما يعرض العرب والاسلام للتشويه، ناهيك عن المرامي لتحويل كيان ما الى قوة اقليمية مهيمنة كبرى وفق توجهات وسياسات، وهذا ما يربأ بالتضامن العربي ـ عربي والعربي ـ الاسلامي . عموما مهما الامر هو فأن الولايات المتحدة وهي تضع سياساتها تتجاهل الاوضاع في المنطقة هذا ان لم تكن تجهلها وهي تضعها موضع التنفيذ، لانها ببساطة تحاول فرض اطار تحكمي للاوضاع وتفاعلاتها، وقطعا ليس غير الآلة العسكرية الفتاكة والمتطورة عمادها الاساسي وميزانها، ناسية متناسية ان البناء العسكري وحده لا يبني سلام ولا يكفي لبناء سلام امريكي عالمي ولا حتى ليطبق التوجه الامبراطوري الامريكي، وكما هو معروف فأن رد الفعل لكل فعل بمعنى ان هناك مقاومة تشتد حدة عربيا واسلاميا ضد التوجه هذا وبالنتيجة قد يؤول الامر الى الاستعداد الى دخول صراع طويل الامد مع الولايات المتحدة، وقطعا لا بد ان تكثر الاجتهادات في اسلوب التعامل مع هذه السياسة الامبراطورية ناهيك عن التداعيات وكل هذا ليس بالامر الهين بل من الخطورة ما يستوجب الاهتمام والتحسب لكل المواقف المحتملة والتطورات خاصة بعد غزو العراق وما حمله من دلالات وما سينتج عنه من آثار وتداعيات لن تكون حصرا عليه بل ستشمل المنطقة والعالم .
الحرب على العراق اصلاح سياسي ام عواقب !؟
بدأ مسلس التغيير العالمي وما زال مستمر مرتبطا بالتحرر والعولمة والانفتاح ودول تواجه تحديات متعددة ومعقدة سياسية واقتصادية واجتماعية تتراوح بين زيادة الفقر وتصاعد معدلات البطالة والزيادة السكانية المرتفعة وضعف المؤسسات التشريعية وغيرها ومؤسسات حقوق الانسان وحماية حقوقه ناهيك عن افتقار الحكومات الى الشفافية والخضوع للمحاسبة، وقطعا لن تكون الحرب على العراق بلا أثر ولا تطورات في المنطقة حتى وان ادعى العرب ان الاصلاح العربي امر لا بد من الدفاع عنه ويستوجب انجازه وبالمقابل الغرب ومجتماعته تعمها الاستفادة من وضع مستقر مزدهر وديمقراطي من وطن عربي سيكون خطر الارهاب القائم على قاعدة اسلامية منخفظا وهذه هي مصلحة مشتركة قد يبنغي ان يتشجع اليها الغرب والمنطقة العربية والعمل عليها معا على اساس القيم العالمية تتحقق منها اهداف مشتركة .
وعن العراق ....، هل يمكن ان يتحول الى لبنان اخرى على سبيل المثال من خلال نوع من الاتفاق التعاهدي؟ ام يراد جعله فيتنام اخرى ( لا سامح آلله )، ام ان له ان يتحول الى حكم مستقر اكثر تمثيلا وليس بالضرورة ان يكن ديمقراطيا بالكامل؟! ام انه يمكن ان يصبح ( لا سامح آلله ) مسرح حرب بالانابة؟
هناك تطلب لوفاق قوي بين الفاعليين الرئيسين في المنطقة والعالم، لكن كل ما يبدو ان الولايات المتحدة الامريكية لا ترى قيمة الوضع الراهن في المنطقة بل انها مستعدة لزعزعة الوضع هذا كي تحقق استقرارا لها، ورسالتها مفادها انها قد لا تكون مستعدة في المستقبل ان تحمي من النقد بعض الدول التي كانت تعتبر صديقة لها في المنطقة في الماضي، وهذا ما يضفي عملية اعادة تشكيل جديد للسلطة، حتى يبدو الحال في العراق والمحيط ومن حوله تحت احتمالية حدوث تطورات لها تأثير " الـ دومينو " ولو من شك، ولا بد ان هناك سيكون تزايد من استياء كما وقود يسكب من عجز دولة عن انجاز ووعي عربي جماعي عاجز عن تصويب توجيه المسائل ونزعها، وهناك معادلة تسحب على العدوان على العراق وما تتعرض له الساحة العربية وكأن سياسات تقوم على الهوية او على الثقافة،، وهذا قد يغذي التشدد الاسلامي بشكل اكبر، وقطعا لن يكون الامر ولن يترك دون ردود افعال من ضغوط، ليكون الاصلاح " التجميلي " احد هذه الردود كأن تناط المسؤوليات او السلطة الى شخصية اكثر شعبية ازاء استياء او انفتاح ترافقه علاقة جديدة بين الدولة والمجتمع .
هناك امور تبرهن واقع في الحرب العراقية، كـ الكيفية التي توجه بها الدول العربية رسائلها المختلفة في المحافل الدولية " محليا " او الى الولايات المتحدة، وما يظهر من تعاون جامعة الدول العربية انه تعاون " شكلي " وليس في المحتوى، ولا يستبعد ان دولها الاعضاء ليست على غير ادراك لهذا بل ان عليها ان تدرك، مع وجوب للارادة اللازمة والالتزام، ليكون لها دورا فاعلا لاعبا حيويا بين بلدان المنطقة يتحقق منه التجديد الاجتماعي والاقتصادي.
يعتقد الغرب والحكومات الغربية ان له المشروعية في تناول الاصلاح العربي في المنطقة، بينما ينظر الى الاصلاح العربي باعتباره مسؤولية عربية وان للغرب مصلحة فيه، والواقع ان طريقة واسلوب تأييد الوضع والواقع الراهن هو التأمين للوصول الى مغانم واهداف ( النفط اولا واخرا ) ومنها يتأمن الاستقرار الاقليمي، وعموما ليس من اخطار غير آتية منها الارهاب والمخدرات واعمال تهريب الاشخاص والهجرة غير القانونية، يتورط فيها فاعلون وكثيرون وهذا ما يدعو الى اعادة تقويم، لان المخاطر الناتجة عن تغيير في المنطقة تعد اقل من تلك التي ينطوي عليها دعم الوضع الراهن، وعلى الغرب ان يستحصل مصداقية لدى المنطقة العربية حول المسائل هذه وتقدما حقيقيا مستداما بشأن واخر، كما يتطلب حكومة فاعلة وتمثيلية في البلد ( العراق )، وحيث لايمكن فرض الاصلاح من الخارج حتى وان نظرت حكومات غربية في مقاربات للمشاركة، مع حكومات فردية او جماعية، باسلوب شراكة جديدة من اجل تنمية لتشمل الاصلاح الاقتصادي والقانوني وحرية التعبير والكلام وما للنساء من دور ناهيك عن حقوق الانسان والتعددية السياسية والاهم مسائل الامن والامان، لكن هناك تعارض واشكال يكمن في التزام اللذين ينص عليهم اتفاق الشراكة الجديدة ومن اجل تنمية، وهذا ما يتبادر في الاذهان من تساؤلات عن تلك الحكومات في المنطقة العربية التي ستتقبل مشروع الشراكة؟! وهل يمكن ان تلعب دور وتشجع على تعاون عربي ـ عربي لدعم مشروعات البنية التحتية في ميادين ما في المنطقة، والطاقة منها خاصة؟
يبدو ان الادوار التي تلعب والاصلاح المزعوم والحرب على العراق، ما هي الا اهداف سياسات تعمل على تغيير سلوكيات حكومات وليس تغيير النظم الحاكمة ذاتها، او تحسين احوال المجتمع، حتى وان ظهر ان التغيير قد يجلب عدم استقرار او يؤدي الى ظهور حكومات تعادي الغرب!.
عموما، الاصلاح التدريجي هو ما يمكن به تجنب نتائج ليست ببال وغير متوقعة او مرغوبة، ولا يستبعد ان حكومات الغرب قد تتبنى مقاربات متماسكة تطرح معها التساؤلات وهناك الليبراليون " الحقيقيون " اللذين يرفضون التمويل الغربي او الاجنبي، وحيث ان الحكومات عموما لا تتحدث بصوت واحد حتى وان انتبهت ...، يضاف لذلك منها من لا يحمل اي توقعا في تحقيق مكاسب عن طريق العمل مع الحكومات الحالية في المنطقة بشكل او اخر، ناهيك عمن يدعو الى تدعيم وتعضيد منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ويفضلها بمنحها الدعم واعطاءها المساعدات، ومهما الامر هو فهناك حوارات متزايدة الحدة وحقيقة بين العالمين الغربي والعالمي مع الاطراف التي تشكل جداول الاعمال ومقاربات متنامية ومتكافلة ومع فكرة دعم مؤسسات غير حكومية مجتمعية يمكن ان يمهد الطريق لبناء قادم من مستقبل قد افضل للجميع في القرن الحادي والعشرين .
أمن الخليج بين الحرب على العراق ـ الوجود الاجنبي والتحديات ...
الامن قضية حساسة لا يمكن للعرب التغافل عنها او الحياد، لانه يعني القدرة على الحماية من الاختراق او الاستقطاب الخارجي، وامن الخليج ليس امن المصالح حسب، ولا يعني امن النفط، او امن النخب الحاكمة والحكومات، هو امن المصالح العربية شعوبا ثروات وموارد، هي ذي المفاهيم التي لا يجب ان ينقسم او يتقاطع على فهمها ورؤاها المتعددة، وما الامن الا قوة ردع كافية تقلص التبعية للخارج، عموما هو الامن العربي وفهم للامن القومي، وتعامل مع كل اجزاء الوطن للامة، ناهيك عن ان الخليج اغنى منطقة من الوطن في ثرواته وموارده، ومن هنا يخشى ان تطال هذه من تهديدات واستهدافات او نظم او خلافات بينية او سلوك سياسي .... الخ، او من تجزئة .
العراق والخليج وحدة جغرافية واحدة، ووحدة مصالح حضارات واهداف، عليه كان هناك حذر من مشاريع عسكرية تستهدف استخدام القوة للسيطرة على هذه المنطقة الاستيراتيجية في منتصف سبعينات القرن الماضي لربط امن الخليج بالاحلاف الغربية ووضعه تحت مضلة اجنبية، وهذا لا يعني غير ان على الخليج والعرب واقطارها ان تبحث عن امنها بالتضامن والتعاون وبناء قوى ذاتية عربية ورفض التواجد العسكري الاجنبي فيها، لان سياسة الاعتماد على الدول الكبرى في النهاية غير مجدي.
ان المصالح الدولية المشروعة ومصلحة دول الخليج مرهونة بتجنب المشاحنات والاوضاع القلقة وتتطلب الالتزام بالقواعد والاعراف الدولية، وان اي قوة " عسكرية، سياسية، اقتصادية او ثقافية " عربية ـ عراقية ـ خليجية، هي بالنهاية ضد المصالح الغربية والاحتكارات، لان القوة هذه تحقق التضامن والعمل العربي المشترك وعلى حساب امتيازات ومصالح الغرب والقوى الاحتكارية بما يعرضها للضرر .
والعراق من يومه يرفض سياسة الامر الواقع وانه يرى ان التعاون يبنى على التكافؤ، ومن منطلق تقوية الاستقلال الوطني واهمية التنمية للعرب، وهذا من شأنه الا يزيد من ارتفاع الحواجز الاقليمية بمنهجية صحيحة وفي اطر تنمية موضوعية . وما الحرب والعدوان على العراق 1991 الا لوقف عجلة التقدم واجهاض قدراته العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية، وكان من الممكن ان يكون النواة لنهضة عربية شاملة تؤدي الى وحدة عربية، وما آل اليه العدوان على العراق ان عادت قوى ونفوذ الغرب الاجنبي الى المنطقة ووضعت قواعدها العسكرية ووسعتها، البحرية منها والجوية، حتى اصبح امن الخليج امتداد لاستيراتيجية حلف الاطلسي وخدمة المصالح الطامعة وكأن الثروات والنفط على ارض العرب ليس للعرب.
عموما، سبق للوجود الغربي على ارض الخليج العربي ان يصنع له موقعا وكما كانت شركة " ارامكو " الامريكية ولا زالت، المتمثلة بالمصالح النفطية التي تمثلها وبوجه مدني، حتى بدا بعد حين وجه عسكري بتوجه استيراتيجي للقوات المسلحة في منطقة الاهتمام، ووفق ضوابط تحكم الوجود العسكري الامريكي، في التكامل للعمل كفريق تحت امرة قيادة مشتركة مؤثرة، والتنسيق في العمليات الفعلية والقيادة المشتركة للعمليات، وحيث كان مقر القاعدة " ماك ديل " في فلوريدا للقيادة المركزية، وقاعدتها العملياتية المتقدمة في الرياض، وكانت وسائل القيادة الامريكية، الدفاع والردع، الانفتاح الاستيراتيجي في الامام، الاستجابة للازمات، وذي هي اهداف القيادة، وهكذا ليتم انشاء وتأسيس قناعة اعتمادية للخليج يستشعرون منه بالامن على انظمتهم وبوجود من يحميهم ويحمي اراضيهم بشكل فعلي، وهذا ما تدعوه امريكا بالردع بشكل يتوافق مع الهدف الاول من اهداف الامن القومي الامريكي، ومن ثم ليتم تنفيذ سياسة الاحتواء، والاحتواء المزدوج لكل من " العراق ـ ايران " لتتبعها سياسة الاحتواء المتمايز والتي ركز فيها على العراق، مع العمل على استثمار الاتفاقيات الامنية المزدوجة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، حتى يتم تأسيس امر واقع يجعل للولايات حضور دائم في المنطقة ومتعارف عليه، وليس من هذا وبعده الا السلطوية او السيطرة على السياسة الانتاجية للنفط " خليجيا " وضمان السيطرة على اسعاره، ومنع استخدامه سياسيا، ناهيك عن ضمان وصوله من المصدر الى المستهلك، ومن هذا كله وعمادا عليه والعراق تحت طائلة الحصار وفرض منطقة الحظر الجوي " الجنوبية " غير الشرعية، يبقى العراق تحت الطائلة، لتؤمن الحماية الجوية المستقبلية اذ ما انشأ في الخليج موقف يستدعي ذلك، ثم ليؤمن منها قاعدة امنية لعملية تحشد لاحقة، عند تصاعد الازمة في اية فترة مستقبلية، وكل ذلك له اثره الجيوستراتيجي والذي منه تطور القواعد الجوية الخليجية ولصالح الولايات، وعموما لن يخلو الامر من تأشيرات متوقعة على الخليج وامنه من التواجد الاجنبي ـ الغربي، حتى على قومية الامن في الخليج العربي، والذي تحول الى امن دولي من وجهة نظر الولايات، وقطري لكل من الاقطار الخليجية، والتي قد تفقد معه وحدة النظر الى مصالحها، وبالتالي احتمال ادخال المنطقة في خضم الاحتكاك الدولي والصراع من خلال عقد اتفاقيات امنية مع دول شتى، وعن ذلك يتأتى الاستقطاب في المنطقة، لتتكون تشكيلة ( العراق ـ مجلس التعاون الخليجي )، ( العراق ـ ايران )، ( ايران ـ مجلس التعاون الخليجي )، ( العراق ـ الولايات المتحدة )، ولا بد عن ذلك وان كرها تتضارب المصالح الخليجية بشكل او اخر، وقد تدخل المنطقة في دوامة امنية يخيم الشك على نتائجها من تصارع اقليمي ووجود امتداد لمصالح مفترضة، وبالتالي الوجود الغربي سيحيل انتقال القرار الامني من حالة شبه اجماع الى قرار فردي، تتخذه دول الهيمنة الغربية الاجنبية في المنطقة، وقد ليس ببعيد تؤول الثروة القومية الاولى ( النفط ) الى او في أيد خارجية، عن ذلك ستثار حساسية ( المستهلكين ) لاحتمال لجوء هذه القوى وألايدي للابتزاز لتحقيق مصالحها، والخوف والحذر من شرعنة التدخل السافر والعدوان، والشاهد ما تعرض له العراق .
وتحت المظلة الضمنية للقوة الدولية، بهدف الاستحواذ على المصالح، انتهى الاجماع الامني العربي الى غير العربي، فربحت عن ذلك ايران حرية العمل والمرونة، فتعمق الحاجز النفسي بين ابناء الوطن العربي من خلال اطروحات لا تنصب في مصلحة الامة العربية، عليه كيف يمكن ان يخلص الى خلاص وكيف يمكن ان تكون الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية؟ لن تكون بخير الا باهمية العمل على اعادة الثقة بالاجماع القومي على عروبة الخليج وامنه، وما يمت صلة وعلاقة بمتطلبات المنهج الوظيفي بين ابناء الوطن العربي الواحد، خاصة وهناك سياسة احادية تكيل بمكيالين، ولذلك لا بد من التعويل على المستقبل والدخول اليه من اوسع ابوابه، تتبين منه الحقوق والالتزامات في العلاقات البينية بين الدول ومع الجيران العرب وغير العرب . وعموما ما هو الا رصد للتحديات الامنية وما قد تواجهه دول الخليج، من جراء الهندسة الاقتصادية للقرن الحادي والعشرين، والتي قد يمتص جزء منها، من خلال تعميق العلاقات الاقتصادية البينية مع العراق، ليكون هناك واقع واقعيا للخيار التنموي العربي ـ القومي، والبحث عن بدائل للتحديات وتشابكها، مع تحديد العوامل السياسية الراهنة من امكانية تحقيق ادنى التكاليف واعظم العائدات، مع جهود مثمرة وحيازة تقنية متقدمة وتطوير، وكل هذا يجعل هناك بديل مأمول لتحقيق امن الخليج العربي وعلى مستويات شتى .
فهل من تحد لآمن الخليج وأمن العراق ووجود اجنبي ؟