ينصب اهتمام أغلب الأفراد الذين يتعاطون مع مواقع التواصل الاجتماعي حول ردود أفعال الأصدقاء والمتابعين لصفحاتهم، على محتوى رسائلهم وصورهم التي يظهرونها على صفحاتهم الشخصية، ومدى تفاعل الناس مع ما يطرحونه من آراء في مختلف مجالات الحياة، وما إذا كانت آراؤهم تلك تلقى إعجابا وردود أفعال إيجابية أو سلبية، إضافة إلى زخم ردود الأفعال هذه نوعا وكما.
وتمثل ردود أفعال الأصدقاء، الحافز الرئيس لنشاط الأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تفاعلهم مع الآخرين بصورة متبادلة.
وأظهر استطلاع للرأي خاص بمستخدمي الفيسبوك أن الإعجاب بمنشورات الأصدقاء هو نشاط شائع على هذا الموقع، حيث أشار أكثر من 44 بالمئة من مستخدمي الموقع إلى أنهم يشيرون بعلامة “إعجاب” على محتوى صفحات أصدقائهم بصورة يومية، وهذه “الإعجابات” والتعليقات على المنشورات هي الحافز الرئيس للمستخدمين بمختلف دوافعهم، كما أشار 16 بالمئة من الرجال مقابل 29 بالمئة من النساء إلى أن تلقي التشجيع والدعم المستمر على منشوراتهم هو الحافز الأساس لاستخدامهم الفيسبوك.
ومن خلال نتائج الاستطلاع الذي حمل عنوان “العلاقة بين التغذية المرتدة في وسائل التواصل الاجتماعي والثقة بالنفس” الذي نشرت نتائجه في مجلة “الاستشارات وعلم النفس الإكلينيكي”، يتساءل باحثون عن إمكانية إحداث مثل هذه الأشياء البسيطة، ومنها ردود أفعال الآخرين على مساهماتنا الإلكترونية، زيادة في الشعور بالدعم المعنوي؟ تشير بعض الدراسات في هذا المجال إلى أن التفاعل مع الآخرين في مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون له تأثير السحر في الأشخاص الذين يتبادلون الاهتمام والمشاركة الإيجابية في الأفكار التي يطرحونها، خاصة إذا كان هؤلاء في عداد المتابعين الأقرب في سلّم العلاقات الاجتماعية، غير الافتراضية منها، في حين أكدت دراسة أخرى أن أصحاب الفئة العمرية ذات الـ45 سنة، هم الأكثر تأثرا باستجابات الآخرين وأكثر شعورا بالثقة والرضا عن النفس.
وترى الدكتورة غويندولين سيدمان، رئيسة قسم علم النفس في كلية ألبرايت وأستاذة علم نفس الشخصية في جامعة نيويورك الأميركية، أن مدى التأثير الذي تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي فينا قد يعتمد، إلى حد ما، على صفاتنا الشخصية، حيث أثبتت بعض الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات، يأخذون التعليقات والردود السلبية على منشوراتهم على محمل الجد ويشعرون بإساءة كبيرة خاصة إذا كانت “الإعجابات” التي يحصلون عليها بعدد منخفض وغير متوقع، كما تتميز ردود أفعالهم بالمقابل بحدية وانفعالية واضحة، لما يمثله موقع فيسبوك بالنسبة إليهم كمكان حقيقي، وليس افتراضيا، لتلقي الدعم من الآخرين.
إلا أن هناك عوامل أخرى، بحسب متخصصين، مرتبطة بعامل احترام الذات وهو صفة شخصية غير قابلة للتغيير، هو مدى شعورنا بالغاية والجدوى من التواصل مع الآخرين والهدف من حياتنا عموما، وهو ما يمكن أن يتأثر بالأحداث في محيطنا؛ وهذا ما أوضحه استطلاع آخر للرأي عمد فيه باحثون إلى هذه العلاقة الثلاثية بين استخدام الفيسبوك، احترام الذات والدافعية أو الهدف من حياتنا، الذي حمل عنوان “السلوك وشبكات التواصل الاجتماعي”، الذي نشرت نتائجه في مجلة “وسائل الإعلام الإلكترونية”، حيث أكد المشاركون في الاستطلاع، والذين أشاروا إلى أنهم يمتلكون الكثير من الأسباب للعيش ويعتقدون بأن كل ما يقومون بعمله يستحق التقدير، أن لا علاقة تربط بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ومستوى احترامهم لذواتهم، في حين عبّر المشاركون الذين يفتقرون إلى هذه الأسباب والدوافع في حياتهم، عن أن ردود فعل الآخرين على مشاركاتهم في فيسبوك تعني لهم الكثير، وهي مرتبطة بالضرورة بمدى احترامهم لذواتهم، أي أن تقدير الآخرين قد يمنحنا شعورا بالمعنى والرضا في حياتنا، إذا كنا نفتقد إلى ذلك في الأساس.
من جانب آخر، تفسر لنا هذه النتائج التأثير الكبير الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في حياة المراهقين، فالتواصل مع المواقع الإلكترونية بات أمرا حيويا في أيامنا هذه بالنسبة إلى المراهقين مقارنة بالراشدين، إذ تشير الأبحاث إلى أن قرابة 92 بالمئة من المراهقين يتعاملون بصورة يومية مع مواقع الإنترنت، في حين يؤكد 24 بالمئة منهم بأنهم على تواصل يومي شبه دائم مع الإنترنت، وهذا يعني أنهم في كل الأحوال معنيون بردود أفعال الآخرين الإيجابية على مساهماتهم التي تمنحهم المزيد من الدعم، الأمر الذي يعد حافزا لهم على بذل المزيد من الجهد لحصد الإعجاب والرضا حتى في حياتهم الواقعية، على الرغم من أن جميع الناس لا يتأثرون بالكيفية ذاتها.
إلا أن بعض الدراسات تشير إلى تأثير تصفح موقع فيسبوك على الحالة المزاجية للأفراد، وأكثر العوارض على ذلك هو الشعور بالحزن، فلماذا إذان يعود الناس لتصفحه بصورة شبه مستمرة على الرغم من هذه العوارض؟
يسمي بعض المتخصصين هذه الظاهرة بـ“التنبؤ العاطفي”؛ حيث يتوقع الناس بأن تصفح مواقع التواصل الاجتماعي سيجعلهم يشعرون بأنهم أفضل، وهم يفترضون، ولو بشكل غير صحيح، أن عشرين دقيقة من النشاط “الفيسبوكي” سيعزز مزاجهم، وبعضهم يجد فيه فسحة لملاقاة الأصدقاء أو فترة استراحة لامتصاص التوتر، في حين أن هذا النشاط في الواقع سيقتطع من وقتهم وراحتهم، وهكذا يستمر الروتين الذي يتحول في إحدى نقاطه إلى إدمان يصعب التغلب عليه. لكن بعض الأشخاص قد يعون في مرحلة ما حقيقة الأمر، فيبادرون إلى التقليل من تواجدهم في متابعة نشاطات هذه المواقع الإلكترونية على حساب إنتاجيتهم اليومية، والوقت الذي سيتبدد من دون فائدة، هذا الوعي بالذات هو أساس الشعور بالرضا.