“لا شك أن تعدد الزوجات حق شرعي من حقوق الرجل، إلا أن استخدامه مرتبط بشروط وضوابط شرعية أيضا، وأصبح الإسراف في هذا الحق من جانب الرجال بوابة واسعة جدا لتدمير البعض من الأسر العربية، وسببا في زيادة أنواع الجرائم الأخلاقية والاجتماعية والظواهر السلبية التي لحقت بالكثير من الأسر والمجتمعات”.
كان هذا تصريحا شجاعا لشيخ الازهر أحمد الطيب، جاء في ثنايا كلمته، التي ألقاها أمام مؤتمر الإفتاء العالمي الذي احتضنته القاهرة الاثنين والثلاثاء الماضيين، بحضور وفود من 80 دولة، عربية وإسلامية، قال فيه إن “الكثير من الأزواج يفهمون نصف الحقيقة فقط في ما يتعلق بشرائع الزواج ويطبقون هذا النصف بحذافيره”.
وصحيح أن الطيب نفى عن نفسه تهمة المطالبة بتشريعات وقوانين تعارض أحكام الشريعة الإسلامية أو تتصدى لظاهرة تعدد الزوجات، لكنه اتهم البعض من الرجال بأنهم يتلاعبون بما حلّله الدين الإسلامي عبر إباحة تعدد الزوجات (4 زوجات).
واعتبر شيخ الأزهر، أن صمت علماء الدين ودور الإفتاء العربية والإسلامية عن شرح أسباب وطبيعة التعددية، رسّخ لدى العامة فكرة أن تعدد الزوجات حق مباح دون قيد أو شرط، وأنه لا مسؤولية شرعية تقف في طريق رغباتهم ونزواتهم ما دامت في الحلال.
وفيما رآه المراقبون بمثابة سابقة تاريخية، أفتى شيخ الأزهر بأن الجور والظلم على الزوجة، جراء زواج الرجل من امرأة ثانية وثالثة ورابعة وإهدار الرجل لحقوق الزوجة الأولى، هما بمثابة جريمة تفوق جريمة الزنا بل إن الزنا أصغر بالقياس إلى ظلم الزوجة وإهدار حقوقها، لكنه أوضح أن ذلك يكون في حال ما إذا تزوج الرجل من أخرى، ولم يستطع الوفاء باحتياجات الأولى أو يعدل بينها وبين الثانية.
ورفض الحجة التي يسوقها البعض، بأن الزوجة من حقها طلب الطلاق أو الخلع، إذا وقع عليها ضرر من الزوج، وبرر رفضه بأن هناك ضررين سوف يقعان على الزوجة، ضرر الهجر، وضرر التضحية بكل حقوقها في حال الخلع، بينما يكون الزوج قد حقق منفعتين، الأولى تمكينه من تحصيل رغبته التي أمره الشرع بتهذيبها عندما يتزوج الرجل من أخرى، والثانية أخذ حقوق الزوجة التي اضطرها الجور للتنازل عنها.
ويبدو أن دخول مؤسسة الأزهر على خط الأزمات الأسرية، أسعد أنصار الدعوة لإنصاف المرأة ورفع الظلم عنها، وقالوا في هذا الصدد إن هذا التدخل- وإن جاء متأخرا- إلا أنه سوف يمثل في المستقبل أحد عوامل الاستقرار الأسري في مصر.
وقالت إيمان حسن، رئيسة جمعية “حقوق المرأة المصرية”، إن إقدام الأزهر على تفسير البعض من الأمور الشرعية التي كان يساء استغلالها وتتسبب في تدمير مستقبل أسر بأكملها، يمثل بادرة جيدة جدا شريطة أن يترجم ذلك على أرض الواقع من خلال مؤتمرات وفتاوى حاسمة وقاطعة في مسألة تعدد الزوجات دون الاكتفاء فقط بالكلام.
وأضافت، أن الكثير من الرجال استغلوا حالة الكسل التي تعيشها المؤسسات الدينية بشأن إطلاع الناس على صحيح الشرع ما سمح لهم بالتمادي في قهر النساء وإذلالهن وتهديدهن، بأنهم “سوف يتزوجون من سيدات غيرهن في حال خروجهن عن المألوف”.
الطيب عرّف الزواج، بأنه تحمل للمسؤولية الأخلاقية تجاه الشريك قبل البدء في مشوار هذه الشراكة، انطلاقا من أن الزواج حق قبل أن يكون نزوة أو رغبة عارضة ومسؤولية كبرى وصفها القرآن الكريم بـ”الميثاق الغليظ”، وقال إن الدين الإسلامي لم يشرّع أبدا لمكايدة العشير وأن تشريعات الزواج إنما فرضت لمصلحة الأسرة والمجتمع معا.
وكان حديث شيخ الأزهر في هذه المسألة وأمام وفود دينية مختلفة بمثابة “انتصار تاريخي للمرأة”، وأساس حقيقي لتحصين الأسر من خطر “الانزلاق الذكوري”، وراء تفسيرات البعض من أصحاب الفتاوى الهدامة والمضللة وأعداء النساء الذين يرون في تطبيق النواحي الشرعية بحذافيرها “بوابة للتقرب إلى الله”، خاصة هؤلاء الذين يدعون إلى تعدد الزوجات لعلاج ظاهرة العنوسة في المجتمعات.
وقالت سعاد منتصر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس بالقاهرة، إن الاندفاع وقبول فكرة تعدد الزوجات دون تفكير أو رويّة، بدافع الاستناد إلى ما أقره الشرع، يسيئان إلى الدين الإسلامي ويظهرانه وكأنه غير منصف للزوجة، وهذا غير حقيقي.
ولفتت إلى نقطة أخرى، وهي أن البعض من الرجال يتخذون من ذلك ذريعة للانتقام من المرأة بشكل شرعي، وفق رؤيتهم، مما يمكنهم من النجاح في التهرب من إعطائها حقوقها إذا طلبت الطلاق أو رفعت قضية خلع بدعوى أنها هي من طلبت الانفصال.
وطالب البعض من المتفقين مع رؤية شيخ الأزهر بالبدء في تنظيم حملة دينية موسعة من علماء وسطيين مشهود لهم بالمصداقية بالتعاون مع مختلف وسائل الإعلام في مصر، لتصحيح المفاهيم الدينية المتعلقة بمصير الأسر والمجتمعات، ووضع النقاط على الحروف.
جدير بالذكر أن محاكم الأسرة في مصر تعج بقضايا زوجات طلبن الانفصال عن أزواجهن بسبب زواجهم من أخريات، تحت مبرر أن الدين الإسلامي أحل تعدد الزوجات، وفي الكثير من الأحيان يحكم القاضي بأحقية الزوجة في الانفصال لكنها تخسر كامل حقوقها، لأنها هي من بادرت بطلب الطلاق أو الخلع، ويكون منطلق القاضي أن ما فعله الزوج، بالزواج من أخرى، لا يتعارض مع صحيح الدين أو القانون.