عند كل حديث عن تشكيلة وزارية جديدة، تستعيد الحركة النسائية مطلبها بالمشاركة أو توزير نساء. لكن الأسماء المقترحة للحكومة العتيدة والتي يتم تسريبها للإعلام لم تتضمن اسم امرأة واحدة لأي حقيبة. والواضح أن ما يطغى على التفكير هو العقلية الذكورية والتي لا تزال تسيطر على عقول الغالبية الساحقة من السياسيين المنهمكين في توريث مناصبهم لأولادهم الذكور أو يحاولون فرض أصهرتهم لتولي حقائب سيادية أو خوض الإنتخابات النيابية.
فات لبنان قطار الحداثة في هذا الملف لأن مشاركة المرأة في الشأن العام قطعت أشواطاً مهمة في الكويت، وسوريا وصولاً إلى حركة حماس التي قررت تعيين إرساء المدلل أول إمرأة في منصب الناطقة الإعلامية للإعلام الأجنبي باسمها...
حاولت "النهار" تسليط الضوء على السياسة الذكورية المجحفة التي تقف حجر عثرة أمام تعزيز دور المرأة في الشأن العام من خلال رأي كل من عميدة المناضلات اللبنانيات السيدة ليندا مطر والأستاذة الجامعية ورئيسة جمعية اللبنانيات الجامعيات الدكتورة إلهام كلاب البساط.
لم ترافق مطر الوفد النسائي الذي توجه للقاء رئيس الجمهورية ميشال سليمان لإعادة المطالبة بحقيبة للنساء في الحكومة. وعن أسباب عدم مشاركتها في هذا اللقاء، قالت: "يؤيد الرئيس سليمان مشاركة المرأة، لكن هل يستطيع ترجمة ذلك إلى أفعال؟".
ورداً على سؤال عن تقويمها للحركة النسائية في لبنان أجابت: "تشبه الحركة النسائية في لبنان الواقع الذي يشهده البلد". وسألت بعفوية: "هل أنت راضية عما يجري في البلد؟". أكملت قائلة:" لم يتمكن الرسميون فيه من تحقيق شيء في لبنان". أضافت في حديثها عن الحركة النسائية قائلة: "لا مانع لدي إذا قررت الهيئات النسائية أن تنظم تحركاً مطلبياً في هذا الخصوص حتى ولو كانت الدعوة للنزول إلى الشارع".
في المقابل، تخشى مطر على مصير الوطن الذي دخل في أزمة خطيرة، وهذا يستدعي الاستنفار للعمل من أجله، وقالت: "أشعر اليوم أن مشاركة المرأة أو عدم مشاركتها في الحكومة المنتظرة لا يفوق أهمية واقع الوطن". وبالنسبة إلي "هو رايح كلياً".
وقبل أن تختم، أوضحت مطر أن واقع الوطن الحالي لا يعني أن مشاركة المرأة ليس ضرورية"، وقالت: "أتساءل عن أي إمرأة نتحدث وما هي الوزارة التي يمكن أن تتولاها؟ والمصيبة في الأساس مين بدو يصوت ويعمل هالوزارة".
وبرأيها قضية مشاركة المرأة مهمة و ضرورية في الشأن العام "بس بدك مين يسمع". أضافت: "أنا لا أتعاطى اليوم في قضايا المجتمع فقط، بل همنا أن يبقى الوطن". وختاماً، توقفت عند دور الوزيرة السابقة منى عفيش في الحكومة قائلة: "كان أداؤها جيداً لكنها لم تتمكن من تحقيق مطالب عدة خاصة بالمرأة، لا سيما تحديث قوانين خاصة بها مثلاً".
من جهة أخرى، اعتبرت البساط أنها "واكبت مساعي الهيئات النسائية التي تشبه طقوسا متكررة للمطالبة بتوزير إمرأة في كل حديث عن تشكيل حكومي". ورأت أن "المعنيين بهذه القضية والذين يكررون على مسمعنا تمسكهم بمشاركتها في الوزارة يصطدمون بالجشع السياسي وحصر عمل الشأن العام بالرجال في لبنان". وقالت: "إن مطالب العمل النسائي تحولت مجرد خربشات على الجدران بسبب النظام الطائفي في لبنان يتقوقع فيه المواطن".
وبالنسبة إليها، لن يكون "تسلم إمرأة وزارة ما جائزة ترضية لأن المرأة ليست مجرد شخص يطالب بحقه بل يجب أن يكون ذلك مساراً معتمداً في الحياة السياسية، من خلال تحديد مقاعد محددة للنساء في الحكومة أو في النيابة". وقالت: "أخجل كثيراً عندما نطالب بتوزير إمرأة. تحول الموضوع إلى نوع من التسول وتكرار المطلب، أضحى مملاً جداً وتكراره من قبلنا غير مجد".
من جهة أخرى، توقفت عند اعتبارات عدة لتمسك الرجال اللبنانيين بالسلطة وأهمها "هوس السلطة والخوف من منافسة مجموعة من السيدات اللواتي فرضن أنفسهن في الحياة العملية". وقالت: "تلقى فكرة توزير المرأة التشجيع من بعض المعنيين. لكنها سرعان ما تصطدم بحائط مسدود لأن بعض النساء يشكل عامل خطر ومنافسة للرجال في حال فتحت لهن فرصة المشاركة الفعلية في صنع القرار".
ولم تتردد في تشخيص الحالة الذكورية في لبنان بأنها "تنبع من المشكلة العصبية الطائفية، وكل عصبية تتلقح من أخرى". وقالت: "إن مفهوم السلطة يعكس رغبة في السيطرة بإمتياز أكثر مما هو للخدمة العامة. أضف أن البنية السياسية العائلية والطائفية تختار الرجل ممثلا لها". وبرأيها، العقلية الذكورية التي ترشح الذكور لتولي السلطة تسيطر اليوم على معظم الكتل السياسية الموجودة على الساحة".
وعندما سألناها عن الطريقة المقترحة لكسر حاجز وصول المرأة إلى القرار، اجابت: "تلام المرأة لأنها لا تدعم فعلياً إمرأة أخرى ترغب في السلطة. لا أحد من النساء يعترف فعلياً أن ثمة إمرأة أخرى أفضل منها لمركز معين. هذا التشرذم يفرض تغيير نهج العمل لهذا المطلب والعمل وصولاً إلى دفع رجال السياسة لأن يعتمدوا نسبة محددة أو عدداً محدداً من مقاعد خاصة بالنساء".