هل اختيار كلمة «جريمة» مبالغ فيه إن أسقطناه على ما تفعله بعض القنوات بحق شعبها واسم وصورة وطنها والجمهور العربي بأكمله؟
هل هناك قانون يمكننا أن نلجأ إليه ليكون حَكَماً عادلاً منصفاً، ليعطي كل ذي حق حقه في شأن الإعلام المرئي؟
وكأن هناك إصراراً لدى بعض القنوات على تشويه سمعة اللبناني بتشويه صورته التي يراها العالم الخارجي.
برامج جديدة ارتأت قناة «إل بي سي آي» اللجوء إليها مبشرة بموسم تلفزيوني «حار»، وكانت الصدمة أو الصفعة التي لا يمكن أن يقبلها أي مشاهد عربي وليس فقط لبناني.
لم نعهد أي شاشة لبنانية مصابة بهذا الانحطاط الذي نراه اليوم. لم نر برنامجاً بالسوء الذي بلغه «نقشت.. تيك مي أوت» على «إل بي سي آي». و«آي» تعني أن القناة «إنترناشونال» وإرسالها موجهة إلى العالم، ويعني في حالة تلك البرامج الهابطة تشويه الصورة اللبنانية في الخارج مضمون 100%.
فتيات في السوق، ولا يمكن أن نعتبر ما نراه استوديو، كل منهن تعرض مفاتنها لتغري الشاب فيشتريها أو يختارها - لا فرق في هذه الحالة - للخروج معها. والممثل فؤاد يمين يقدم البرنامج ليضيف البهارات ويشعل الأجواء لهيباً بالمزيد من الكلام والإيحاءات.
بيع 30 امرأة في سوق مفتوح للعرض والطلب. سوق نخاسة؟ الصورة قريبة مع اختلافات بسيطة في التفاصيل. المهم أن الجوهر واحد، عرض المرأة كسلعة وعرض الرجال كسلع أيضاً. المسرح ساحة لاستعراض قدرات الشباب، وعريّ النساء مع إيحاءات واضحة، وحركات وضحك ماسخ. لا شيء مبطن، وكل مفاهيم وكلمات العيب والخجل والأدب منتهية الصلاحية ولا وجود لها بل لا مجال لاستخدامها في هذا البرنامج.
مهزلة بكل معنى الكلمة، ما الهدف الإعلامي منها؟ حسناً، ما الهدف الاجتماعي منها؟ لا ينفع هنا قول «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» لأن الشاشة ليست حكراً على أحد، إنها مكان عام مشرّع لتراه كل العيون وتستقبل كلامه كل الآذان وتتلقف مشاهده كل الأجيال.. إنها ملك للناس، وملك للبلد الذي تنتمي إليه الشاشة، تحمل اسمه وتعكس صور مجتمعه وبيئته. هل تدرك ذلك «إل بي سي» وهي تخطط لعرض برنامج إباحي يحوّل سمعة المرأة اللبنانية وذكاء الرجل اللبناني وتمدنه إلى سلعة رخيصة؟
ويزيد الطين بلة برنامج «بي بي شي» الذي يشارك فيه يمين أيضاً، والذي بدأت تعرضه حديثاً نفس القناة، وقد قرر الانطلاق بحلقة «ساخنة» مع رولا يموت، أصابتنا بحالة من «القرف» والاشمئزاز، والمفروض أنه برنامج نقدي ساخر. فهل البذاءة نقد؟ وهل قلة الأدب سخرية؟ وهل صارت الإباحية تسرح وتمرح على الشاشة بلا رقيب ولا ضمير؟
عيب. حرام أن تشوّهوا صورة لبناننا الغالي بهذا الشكل. حرام أن تهبطوا بمستوى الفهم والعلم والرقي الأخلاقي اللبناني إلى أسفل السافلين. ما هكذا تكون الحرية في التعبير ولا التفكير، ولا هكذا يكون التطور والانفتاح ومجاراة العصر، ولا هكذا يكون الإعلام وتكون البرامج في قنوات غير مشفرة. إنما هكذا يكون الابتذال بأكمل صوره، وهكذا يكون الاستفزاز والاستخفاف بالقيم والعقول والطاقات والسمعة، وهكذا يكون «البيزنس فوق كل اعتبار». وهكذا ترتكب القنوات جريمة بحق المشاهدين وبحق المرأة وبحق الأخلاق والقيم.