الشعر ديوان العرب، والشعر مشتق من الشعور وجذره الثلاثي(ش ع ر) فالشاعر إنما يعبِّر عن خلجات ضميره وأحاسيسه.
وقال الأَزهري الشِّعْرُ القَرِيضُ المحدود بعلامات لا يجاوزها والجمع أَشعارٌ وقائلُه شاعِرٌ لأَنه يَشْعُرُ ما لا يَشْعُرُ غيره أَي يعلم وشَعَرَ الرجلُ يَشْعُرُ شِعْراً وشَعْراً وشَعُرَ وقيل شَعَرَ قال الشعر وشَعُرَ أَجاد الشِّعْرَ ورجل شاعر والجمع شُعَراءُ قال سيبويه شبهوا فاعِلاً بِفَعِيلٍ كما شبهوه بفَعُولٍ كما قالوا صَبُور وصُبُرٌ واستغنوا بفاعل عن فَعِيلٍ وهو في أَنفسهم وعلى بال من تصوّرهم لما كان واقعاً موقعه وكُسِّرَ تكسيره ليكون أَمارة ودليلاً على إِرادته وأَنه مغن عنه وبدل منه ويقال شَعَرْتُ لفلان أَي قلت له شِعْراً وأَنشد شَعَرْتُ لكم لَمَّا تَبَيَّنْتُ فَضْلَكُمْ على غَيْرِكُمْ ما سائِرُ النَّاسِ يَشْعُرُ ويقال شَعَرَ فلان وشَعُرَ يَشْعُر شَعْراً وشِعْراً وهو الاسم وسمي شاعِراً لفِطْنَتِه وما كان شاعراً ولقد شَعُر بالضم وهو يَشْعُر والمُتَشاعِرُ الذي يتعاطى قولَ الشِّعْر وشاعَرَه فَشَعَرَهُ يَشْعَرُه بالفتح أَي كان أَشْعر منه وغلبه وشِعْرٌ شاعِرٌ جيد قال سيبويه أَرادوا به المبالغة والإِشادَة.
وكانت القبائل العربية تحتفي بظهور الشاعر فيها وتحتفل أياما، إذ تضمن قدرتها بالردِّ على تهكم القبائل الأخرى بها، وكان للشاعر مكانة عليا في المجتمع، وقد اتَّهمت قريش سيدنا محمدا أنَّه شاعر بسبب عجزهم عن الإتيان بمثل ما جاءهم به من القرآن الكريم المعجز.
ويرى بعض العلماء والفقهاء وذوو المكانة أنَّ الشعر لا يليق بهم وأمثالهم.
وهناك ديوان شعر ينسب الى الإمام محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله ؛ ويرى أكثر المحققين خطل نسبته للإمام انطلاقاً من هذه القاعدة، ومما يؤكد ترفع الشافعي عن الشعر وقرض الشعر انه يراه سِبَّةً يزري بالعلماء؛ قوله:
ولولا الشعر بالعلماءِ يزري*** لكنت اليوم أشعر من لبيد
واختار لكم من هذا الديوان المنسوب اليه ابياتا ً جميلة حقا (1):
صنِ النَّفْسَ وَاحْمِلْهَا عَلَى مَا يَزِينُهَا *** تَعِشْ سَالِمًا وَالقَوْلُ فِيكَ جَمِيلُ.
ولاَ تُرِيَنَّ النَّاسَ إِلاَّ تَجَمُّلاً *** نَبَــــا بِكَ دَهْــــرٌ أَوْ جَفَاكَ خَلِيلُ.
وإِنْ ضَاقَ رِزْقُ اليَوْمِ فَاصْبِرْ إِلَى غَدٍ***عَسَى نَكَبَاتُ الدَّهْرِ عَنْكَ تَزُولُ.
ولاَ خَيْرَ فِي وُدِّ امْرِئٍ مُتَلَوِّنٍ ***إ ِذَا الرِّيحُ مَالَتْ مَالَ حَيْثُ تَمِيلُ.
ومَا أَكْثَرَ الإِخْوَانَ حِينَ تَعُدُّهُم ***ْ وَلَكِنَّهُمْ فِي النَّائِبَــــــــاتِ قَلِيــــلُ
والأبيات هذه هي للشافعي حقا وبلاشك، رواها بإسناده ابن عساكر في تاريخه (45175)، ونسبها بعضهم إلى علي بن أبي طالب.
وقد ظهرت طبعات كثيرة لديوان الشافعي منها طبعة زهدي يكن سنة 1961، وعبد العزيز سيد الأهل 1966، ومحمد عفيف الزعبي 1971، ومحمد عبد الرحمن عوض 1984، والدكتور محمد عبد المنعم خفاجي 1985، وسليمان سليم البواب (صاحب موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين)، ومحمد إبراهيم نصر 1984، وأميل بديع يعقوب 1991، ود. مجاهد مصطفى بهجت (طبعة دار القلم 1999) وهي نشرة علمية، تعد خير الطبعات وأفضلها، استقى المحقق نصوصها الشعرية من كتب الطبقات والتراجم والمناقب والأدب والشعر، واعتمد على عدد من المخطوطات.
ولا شك أن الكثير مما ينسب إلى الشافعي ينسب لغيره، مع احتمال أن يترجَّح بعض ذلك له، أو يترجح بعضه الآخر لغيره، واحتمال عدم صحة نسبة بعض النصوص إليه لأنها مما تمثَّل به من شعر الأوائل الجاهليين والإسلاميين، أو لبعدها عن لغة شعره ومعانيه مما توهمه بعض النساخ له، أو لتفرُّد المصادر الخاصة بهذه النسبة.
وقد قام الدكتور بتحرير نسبة هذه الأشعار من الخلط الذي وقع فيه كثير من ناشري أشعاره فضلاً عن القراء المثقفين غير المدقِّقين. وقد تضمَّن الهامش تحقيق نسبة النصوص بذكر المصادر التي نسبت النص للشافعي أوَّلاً، ثم المصادر الأخرى التي نسبت النص لغير الشافعي، مقرنًا سنة الوفاة للأعلام المذكورين، ومثبتاً رقم الجزء والصفحة لكل مصدر، مختتماً ذلك كله بالتعليق على النسبة بترجيح كونها للشافعي أو لغيره مع ذكر المرجح أحيانًا لذلك الوجه، فبلغ مجموع الديوان (92) اثنين وتسعين نصاً، ويمكن تصنيف هذه النصوص الاثنين والتسعين على النحو الآتي:
أولا ً: نصوص ترجح نسبتها له وهي (6) ستة نصوص.
ثانيًا: نصوص ترجح نسبتها لغيره وهي (11) أحد عشر نصاً، أكثر الشافعي من تردادها لإعجابه به، فتُوهِّـم أنها له، وهي للخليل بن أحمد الفراهيدي (قطعتان)، ولسهل الوراق (قطعة)، ولنصر بن سيار الخراساني (قطعة)، ولابن أبي حازم (قطعة)، ولعبد الله بن المبارك (قطعة)، ولبشامة بن الغدير (قطعتان)، وللوليد بن طريف (قطعتان).
ثالثًا: نصوص لا تصح نسبتها له، ومجموعها (30) ثلاثون نصًّا، وهي قسمان:
أ – قسم تفردت المصادر المتأخرة (خاصة كتب الشيعة والمتصوفة) بروايتها، وهي (12) نصًّا. ومن المعلوم أنَّ الشيعة لا يتورّعون عن نسبة كل كلام جميل وكل شعر إلى الخليفة الرابع عليّ رضي الله عنه، بل وتمادوا في نسبة ما راق لهم من كلام وحكم الى الصادق أو إلى النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم.
ب – وقسم يبعد عن شعره (لغة ومضموناً)، وهي (6) نصوص، صحت نسبة (ثلاثة) منها للغزالي، و(اثنتان) للجرجاني.
ج – وقسم مما تمثَّل به وهي (12) اثنا عشر نصًّا:
للحسين بن مطير، ولامرئ القيس، وللحسن البصري، ولطفيل الغنوي، ولأبي الدرداء، ولقيس بن الخطيم، وللبيد بن ربيعة، وللخليل بن أحمد الفراهيدي، ولنصيب بن رباح.
رابعًا: نصوص متنازعة النسبة (دون مرجح)، وهي (45) خمسة وأربعون نصًّا: نسبها بعضهم للشافعي، ونسبها آخرون لابن الظهير الأربيلي، وللسيد الحميري، ولأبي فراس الحمداني، ولأبي العتاهية، ولبشار بن برد، ولصالح بن عبد القدوس، ولأبي نواس، ولابن حنبل، ولعمرو بن علي، ولأبي دلف، ولسالم بن ميمون العجلي، وللعتابي، ولابن يسير.. وآخرون كثير.
ويعقِّب بعض الأدباء على هذا فيقول:
قيل ذلك ورغم جميع ما قيل فإنه لا يطعن بنسبته إلى الشافعي، ذلك أنه لم يتخذ الشعر مهنةً ولم يتوغل في أغراضه، على انه يملك القريحة والأداة فشعره كله يخدم فقهه، وكان مما يعجبني منه قوله الأبيات التي مطلعها:
دع الايام تفعل ما تشاء ***وطب نفسا اذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي*** فمـــا لحوادث الدنيا بقــاء
إلى آخره.... وهل يعقل ان يقول أحد من الشعراء مثل هذا ثم ينسبه لغيره ؟ ابدا ! هذا والله اعلم(3).
-----------------حاشية:
(1)-«ديوان الشافعي» ص (25)
(2)-من تعقيب للأستاذ الشريف عدنان أبو شعر.
(3)-من تعقيب للأستاذ مفلح علي بُنيّان الحريري.