حقق الأردن خلال العقود الثلاثة الماضية إنجازات كبيرة في ردم الفجوة بين الجنسين بالتعليم بما نسبته 90% لكن مشاركة المرأة في سوق العمل لا تزال محفوفة بالكثير من التحديات ولم يتم استغلال إمكانات المرأة التعليمية في زيادة مشاركتها الاقتصادية.
وقد أظهرت آخر بيانات دائرة الإحصاءات الأردنية أن فجوة الالتحاق بالتعليم العالي في الأردن هي 1.15، بمعنى أنه مقابل التحاق كل 100 طالب تلتحق 115 طالبة في الجامعات الأردنية.
كما كشفت بيانات تعداد 2015 بالمقابل أن نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة في الأردن من أقل النسب في العالم حيث قدرت بـ16 % في عام 2010 وهبطت إلى 12.6 % في العام 2014.
وتعني النسبة أن امرأة واحدة فقط من كل ثماني نساء أردنيات إما تعمل أو تبحث عن عمل، مقابل ثلاثة من كل خمسة رجال.
ووجدت نتائج التعداد العام للسكان والمساكن للعام 2015 أن الأردنيات يتركن سوق العمل بعمر 30 عاماً، على الرغم من مستويات التعليم العالية لديهن، وقدرتهن الجسدية للاستمرار بالعمل لفترات أطول، مما يحد من إمكانية وصولهن لمواقع صنع القرار ومن المشاركة الفعالة في التنمية الشاملة والمستدامة.
وأشارت جمعية معهد تضامن النساء الأردني أن الانسحاب المبكر للنساء الأردنيات من سوق العمل ينعكس بشكل مباشر على زيادة معدلات البطالة بينهن، حيث يبلغ معدل البطالة في الربع الثاني من عام 2016 بين الإناث %22.8 وبين الذكور 12.9 % ليكون المعدل لكلا الجنسين 14.7 %.
وتنعكس بطالة المرأة على أسرتها لأن المرأة بشكل عام تنفق معظم دخلها على البيت والأولاد وتساهم في تحقيق مستوى معيشي لائق لأسرتها سواء في مجال التعليم أو في الطعام والشراب او في الملبس والصحة وانسحابها من العمل يسبب تراجعا في مستوى دخل الأسرة ووضعها الاقتصادي، وبالتالي ينعكس على أبنائها وتتراجع من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة.
ويعود انسحاب المرأة من سوق العمل في هذه السن المبكر برأي ناشطات حقوقيات أردنيات إلى الواجبات والمسؤوليات التي تقع على كاهل المرأة في المنزل والعمل، ومسؤولياتها في البيت مع الاولاد والزوج والأعباء الاخرى التي تفرضها العلاقات الاجتماعية حيث تجد نفسها وحيدة بدون مساعدة خاصة في مجتمعاتنا التي لايشارك فيها الزوج الأعباء الحياتية.
وتبين دراسة صادرة عن منتدى الاسترتيجيات الاردني أن وتيرة التقدم في المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية شهدت ركوداً نسبياً على مدى العقد الماضي، وفي هذا تناقض حاد بالمقارنة مع وتيرة النمو الاقتصادي العالمي.
ففي مؤشر الفجوة الجندرية الدولي والصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي حصل الأردن على المركز 134 من 142 في العام 2014، وذلك أعلى من لبنان وساحل العاج وإيران ومالي واليمن والتشاد وباكستان وسورية، وهذا التصنيف لا يعد متواءماً مع الإنجازات التنموية للأردن في السنوات الماضية.
وتأخذ مهنة التعليم الحصة الكبرى في مجالات عمل المرأة الاردنية فهناك 65 % من العاملات في القطاع العام يعملن في مجال التعليم، بينما تبلغ هذه النسبة 25 % في القطاع الخاص.
وتعد الفجوة الواضحة في الاجور بين الجنسين من أسباب انسحاب المرأة مبكرا من سوق العمل، فمثلا يتقاضى الرجل الأردني في المعدل راتبا في المناصب العليا أعلى بحوالي 52 % من راتب المرأة، كما يتقاضى الرجل الأردني العامل في فئة "المتخصصين" وفي المعدل راتبا أعلى بحوالي 46 % من راتب المرأة، علما بأن نسبة الاناث التي تعمل في هذه الفئة عالية نسبيا، فهناك 128.165 امرأة تعمل كمتخصصة مقابل 136.397 رجل، أي أن نسبة العاملات في فئة متخصصين هي حوالي 49 % من مجموع العاملين.
ولا تحظى المرأة بأجر أعلى إلا في الأعمال التي لا تتطلب تعليما او تخصصا مثل البيع في المحال التجارية والأسواق، حيث يزيد أجر المرأة بنسبة 8 % عن الرجل.
وفي هذا مؤشر مخيب للآمال ويعني ان سوق العمل الأردني يكافئ الرجال على تحصيلهم العلمي والعملي، إلا أنه لا يقدر ذلك للمرأة.
وتعزى دراسة منتدى استراتيجيات الاردن أسباب المشاركة الضيقة للمرأة في سوق العمل إلى عدة أسباب أولها أن الاقتصاد الأردني لم يكن حيادياً بين الجنسين، حيث أن مشاركة المرأة في سوق العمل باتت مقتصرة على قطاعات معينة كالتعليم والصحة، وذلك بسبب نظرة المجتمع لهذه القطاعات حيث ينظر إليها على أنها مناسبة للمرأة، بحسب العادات والتقاليد الطاغية في المجتمع الأردني، لذلك لم يكن للمرأة دور فعال في القطاعات الأكثر نمواً وتطوراً.
كما ترى الدراسة أن للمفاهيم الاجتماعية دور كبير في تحجيم القدرة العملية والاقتصادية للمرأة الأردنية، فبالرغم من كونها أكثر تعلماً من نظيرها الرجل، إلى أنها تعتبرالمسؤولة عن معظم الأعمال المنزلية وذلك طبعا دون أجر، ويشمل ذلك رعاية الأطفال وكبار السن والقيام بالأعمال المنزلية، الأمر الذي يحد من قدرتهن على ترك المنزل لساعات طويلة والتوجه لسوق العمل.
ولا يميل كثير من أصحاب العمل وفقا للدراسة لتوظيف النساء في المهن التي تتطلب عملا يدويا أو ساعات متأخرة إضافة إلى التكاليف المترتبة على أرباب العمل والتي تتعلق برعاية الأطفال وإلزامية إجازة الأمومة للعاملات المتزوجات.
كما أن صعوبات التنقل التي تواجهها النساء تعوق انخراطهن في الاقتصاد الوطني، إضافة النظرة السلبية لعمل المرأة لدى البعض وعدم فهم أهمية دور المرأة في التسريع من وتيرة نمو الاقتصاد المحلي.
وفي سياق التركيز على عمل المرأة أوصت الدراسة بتعديل المناهج الدراسية الأردنية سواء في المدارس (بمختلف المراحل) أو الجامعات لتغيير الصورة النمطية للمرأة، بحيث تظهر كعضو فعال في الاقتصاد والمجتمع الأردني وأن يتم تصويرها على أنها متعلمة ومنتجة وقادرة على اتخاذ قراراتها.
كما طالبت كافة الجهات المعنية الاهتمام باحتياجات النساء وضرورة إشراكهن وإدماجهن في أية سياسات أو خطط تنفيذية أو لجان تهدف الى تنمية مهاراتهن وتقليل نسب البطالة والقضاء على جيوب الفقر، والى ضمان وصول الخدمات والفرص لكل أفراد المجتمع رجالاً ونساء دون تمييز.