مع بدء أعمال الدورة العادية الأولى لمجلس النواب الثامن عشر تتجه الأنظار الى أعضاء وعضوات المجلس والى كيفية تناولهم للعديد من القضايا والملفات الشائكة والمعقدة والتي تمس حياة المواطنين والمواطنات، خاصة تلك الواردة في البرامج الانتخابية للقوائم التي نجحت في إيصال عدد من المرشحين والمرشحات الى قبة البرلمان.
وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" الى أنها سترصد آداء البرلمان خاصة آداء النائبات رقابياً وتشريعياً ضمن برناج الرقابة على آداء المجالس المنتخبة، وتأمل بأن يكون الآداء متقدماً ومتمشياً مع التحسن الملموس على ترتيب الأردن عربياً ودولياً في مجال التمثيل النسائي بعد إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب الثامن عشر وفوز 20 امرأة وبنسبة 15.3% من مجموع أعضاء المجلس البالغ 130 عضوأ، وتشكيل مجلس الأعيان ومن ضمنه عشر نساء وبواقع 15.3% من مجموع الأعضاء، حيث تقدم الأردن خمس مراكز على المستوى العربي و22 مركزاً على مستوى العالم. ويحتل الأردن حالياً المركز العاشر عربياً والمركز الـ 122 عالمياً.
إن التمثيل النسائي في مجلس النواب الثامن عشر شكل ما نسبته (15.3%) من المقاعد (20 مقعداً من أصل 130) وهو الأعلى منذ دخول النساء الحياة السياسية ، حيث كانت نسبتهن (12%) من مجمل أعضاء مجلس النواب السابع عشر (عام 2013) و (10.83%) من مجمل أعضاء مجلس النواب السادس عشر (عام 2010) و (6.36%) من مجمل أعضاء مجلس النواب الخامس عشر (عام 2007) و (5.5%) من مجمل أعضاء مجلس النواب الرابع عشر (عام 2003).
وترحب "تضامن" بالإنجاز والإختراق الهام الذي تم إحرازه بوصول خمس سيدات بالتنافس الى قبة مجلس النواب، وتعتبره مؤشراً ودليلاً على تحرر بعض أصوات النساء من السيطرة الذكورية وتراجع محمود للعادات والتقاليد المسيئة للنساء ، وتأكيد على وعي عام بأهمية وجود النساء في الحياة السياسية.
لقد تخطت النائبات الجزء السهل فأمامهن مسؤوليات وطنية وملفات ساخنة وقائمة من المطالب النسائية التي توافقت عليها مؤسسات المجتمع المدني خاصة النسائية منها وجميعها تحتاج الى العمل الجاد تحت قبة البرلمان ، فآدائهن الرقابي والتشريعي سيرصده الناخبون والناخبات وسيكون مقياس نجاحهن في مواقع صنع القرار الى جانب الرقابة على آدائهن من المراصد البرلمانية.
وتؤكد "تضامن" على أهمية وجود أعداد أكبر من النساء كنائبات داخل المجلس خاصة وأنهن أكثر إلتزاماً من النواب في القضايا المتعلقة بالمساواة بين الجنسين وحقوق النساء والأطفال، واكثر تفهماً وتعاوناً، وأقل عدوانية وأقل فساداً من النواب، وفقاً لدراسة حول "النوع الاجتماعي والفساد" نشرت في مجلة التنمية الاقتصادية عام 2001. إلا أن مشاركتهن في مختلف القضايا مشاركة فعالة على أسس المواطنة والعدل والمساواة لا تقل أهمية عن إلتزامهن ودفاعهن عن القضايا ذات العلاقة المباشرة بحقوق النساء والأطفال الى جانب زملائهن من النواب الذي يتبنون ذات التوجهات والأفكار والطروحات.
كما ويُبرز التقرير البرلماني العالمي : "طبيعة التمثيل البرلماني المتغيرة" والصادر عام 2012 عن الإتحاد البرلماني الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، العديد من المشاكل التي تعاني منها البرلمانات في علاقتها مع جمهور الناخبين والناخبات بشكل عام، مع تأكيده على عدم ترادف كلمتي البرلمان والديمقراطية، فلا يعد وجود برلمان مرادفاً للديمقراطية وإنما لا وجود للديمقراطية بدون برلمان.
ويركز التقرير على تحليل العلاقة المتغيرة ما بين المواطنين والبرلمانات وتطور هذه العلاقة وذلك بتحليل توقعات المواطنين وكيفية إستجابة البرلمانات لتلك التوقعات. وبالرغم من الإختلافات بين شعوب العالم من حيث طلباتهم وتوقعاتهم من البرلمانات التي تمثلهم ، إلا أنهم يشتركون في رغيتهم بوجود إعلام ونفوذ في العمل البرلماني ، وفي مساءلة الحكومة والمسؤولين والإستجابة لمطالبهم ، وفي الحصول على خدمات تلبي الإحتياجات الحياتية واليومية.
ومع أن البرلمانات تعبر عن الشعوب التي تمثلها وعن مصالحها وأنها تعتمد على دعم جمهور الناخبين ، إلا أنها ترد في ذيل المؤسسات الوطنية الأقل شعبية ولم يسبقها في ذلك إلا الأحزاب السياسية وفقاً لإستقصاء المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الإنتخابية ، وأشار أحد المحللين البرلمانيين المرموقين الى ذلك بقوله "لا شعبية للبرلمانات بشكل محير" . ودفع ذلك العديد من البرلمانات الى النظر بشكل إستراتيجي للعلاقة المتدهورة والثقة المفقودة ما بينها وبين الناخبين والناخبات. ففي الكويت ولبنان أبدى نصف السكان ثقة قليلة أو لا يبدون أي ثقة بالبرلمان ، ولم يكن المشهد البرلماني الأردني ببعيد عن هذه الصورة والتي عبر عنها العديد من الناخبين والناخبات سواء بالإنتقاد أو الإحجام عن المشاركة في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة.
وتشير “تضامن” الى التحليل الجغرافي الذي أجراه علي الصاوي ضمن التقرير الذي أعتبر البرلمانات العربية متميزة بآدائها الضعيف وخضوعها للسلطة التنفيذية المسيطرة أسوة بالكثير من برلمانات العالم ، وأن أي برلمان عربي لم ينجح في رفع الأمل بين الجمهور بصفته المصدر الأول للسلطة الحاكمة أو كعنصر أساسي في الساحة السياسية المحلية ، وغالباً ما تلتزم هذه البرلمانات الصمت بشأن أكثر القضايا أهمية كالبطالة الفساد. إلا أن الآمال لا زالت قائمة في وجود برلمانات عربية أكثر قرباً من شعوبها وتطلعاتها وإحتياجاتها وأكثر جرأة على محاسبة السلطة التنفيذية وملاحقة المسؤولين ، وأعلى تمثيلاً للنساء والإستجابة لضرورات تمكينهن سياسياً ، إقتصاديا ، إجتماعياً وثقافياً.
وتشدد “تضامن” على دور النساء الإيجابي الذي لا بد وأن ينعكس بصورة ملموسة وحقيقية في إطار تطوير آداء البرلمانات ، فلا يمكن إستبعاد النساء من أية إصلاحات برلمانية ولا يجوز التنكر لأدوارهن في تلك الإصلاحات ولا النيل من مكتسباتهن التي حصلن عليها خلال عقود من الزمن. وعليه فإن دعم النساء كمرشحات وناخبات ما هو إلا بوابة رئيسية وهامة من بوابات النهوض بالعمل البرلماني في المنطقة العربية.
وتؤكد “تضامن” على أن البرلمانات عملت على تحسين صورتها وتواصلها مع جمهور الناخبين بطرق عديدة ووسائل متنوعة غير أن تأثير ذلك لا زال محدوداً ، فعلى الرغم من توسيع دائرة جمع المعلومات وإستخدام إستراتيجيات إعادة بناء الثقة وإتباع أسلوب التواصل بإستخدام تكنولوجيا المعلومات وتحسن آدائها الرقابي والتشريعي ، إلا أن كل ذلك إصطدم بحقيقة عدم إمكانية البرلمانات من تحقيق وعودها الإنتخابية خاصة وأن أغلب تلك الوعود صعبة التحقيق لكنها الأكثر جذباً للأصوات الإنتخابية من وجهة نظرهم.
كما كان هنالك تراجع للغة التواصل والتفاهم ما بين البرلمانات وجمهور الناخبين ، فلم يعد أي من الطرفين قادر على فهم تصرفات الآخر أو تبرير تلك التصرفات ، مما أدى الى تدخل وسطاء فيما بينهما وهو ما يعرف بالمراصد الإنتخابية لرصد آداء أعضاء البرلمان داخله وخارجه وتقييم هذا الآداء وإيصال النتائج الى جمهور الناخبين بلغة يفهمها ، وتشير أرقام التقرير الى وجود (191) مرصداً برلمانياً حول العالم ترصد أنشطة (80) برلماناً وطنياً. وإذا كان وجود هذه المراصد يؤرق البرلمانات إلا أنها ستكون في المقابل حافزاً لجسر الهوة ما بينها وبين جمهور ناخبيها.
وتعد الخدمة الإنتخابية التي تقدمها البرلمانات مقبولة مع إزدياد حجمها ومضمونها وتعقيداتها ، كدعم الأفراد بإيجاد فرص وظيفية أو برفع الظلم عن فرد بسبب مشكلة ما بدائرة حكومية أو بسبب البيروقراطية أو حصول منطقة محلية على خدمات حكومية. وجميع هذه الخدمات تعتبر من وجهة نظر جمهور الناخبين المقياس الأساسي لنجاح البرلماني / البرلمانية دون النظر الى دوره / دورها الرقابي أو التشريعي ، في حين يرى البرلماني / البرلمانية في هذه الخدمة أنها تؤثر في حياة الناس وأن ذلك سيؤدي بالضرورة الى زيادة في الأصوات الإنتخابية مستقبلاً.
وتشير “تضامن” الى ضرورة العمل على تطوير الخدمة الإنتخابية كونها جزء لا يتجزأ من العمل البرلماني ، وذلك من خلال تطوير إستراتيجيات تنقل التعامل معها من الإطار الخاص للإطار العام ، ومن الفردي الى الجماعي كإيجاد حلول لمجموعة من الأشخاص بدلاً من الحلول الفردية ، ومن المناطق الضيقة الى المناطق الأكبر ليكون توفير الخدمات الحكومية لنطاق أوسع وقاعدة جغرافية أكبر.
وعلى الرغم من كل ما تقدم وبمقارنة أعمالها خلال الخمسة عقود الماضية تعتبر البرلمانات الأن أكثر تمثيلاً وأفضل آداءاً ومهنية ، وتواصلاً مع جمهور الناخبين ، خاصة وأن لها أدوراً لا يمكن لأي مؤسسة أخرى أن تقوم بها كسن التشريعات ، وأن جمهور الناخبين يدرك أهمية وجودها في إطار علاقة قائمة على المرونة والتكيف وسرعة الإستجابة يمكن أن تنشأ عنها برلمانات قوية تستجيب للتطورات وتوظف إستراتيجياتها لتتوائم وتتناسب مع الطلبات مرتفعة السقف لجمهور الناخبين.