مع زيادة وعي المرأة السعودية وتطور الحياة وتقدمها، ومرورها بسرعة نحو الحداثة والعصرنة زادت متطلباتها وارتفعت قائمة احتياجاتها، وزادت معها المعوقات التي تقف حاجزاً أمام تقدمها
منذ فترة بدأت حملات المطالبة ببعض حقوق المرأة السعودية بطرقها الرسمية الواضحة غايتها والسامية أهدافها، تقودها نساء واعيات يعرفن ما لهن وما عليهن، همهن تعديل وضع المرأة والنهوض بوعي المجتمع وتصحيح بعض الأفكار المغلوطة تجاه المرأة وقدراتها، وتفعيل دورها في ممارسة حياتها بشكلها الطبيعي الخالي من التعقيد، وذلك لما واجه هؤلاء النساء من عقبات في شؤون حياتهن، والتي لا جواز لها شرعاً ولا عقلاً.. ألبسوها غطاء الدين وهو منها براء.
بإدراك ومسؤولية، قررت هؤلاء النساء إيصال صوتهن ومطالبهن إلى ولاة الأمر وطرح القضية عليهم، وإيضاح مطالبهن وشرح حاجتهن لها وترك الحكم لهم ليفصلوا فيها.
الفكرة والهدف من وراء هذه الحملات تصادمت مع أفكار مجتمع يحمل بعض المفاهيم الدينية المغلوطة، ورواسب الصحوة، كل ذلك نتج عنه أشخاص يعتقدون أن التغيير بدعة، فلا يقبلون الرأي الآخر ولا يحترمونه. يعيشون بتناقضات كثيرة، وهذا الصدام الفكري العنيف خلف ردات فعل سلبية متشنجة من الجنسين -مع الأسف- حيث كانت هناك نساء وقفن معارضات لهذه المطالبات، راضيات بوضعهن الحالي، ومن خلال إجاباتهن وأسباب معارضتهن وأسلوب استنكارهن في الاعتراض، فإنهن يصنفن تحت ثلاث فئات: الفئة الأولى: نساء لم يذقن ويلات ومشقة نتائج حرمانهن من هذه الحقوق، ولم يفقدنها من الأساس، فهي تفعل ما تريد وكيفما تريد وفي أي وقت تريد، سواء إكمال تعليم، أو قبول وظيفي، أو الخروج في بعثة تعليمية، أو حتى اتخاذ قراراتها الشخصية الخاصة. والأمثلة لا تحصى، ونماذج هذه العينات كثيرة، نراها أمام أعيننا وفي برامج التواصل الاجتماعي، هذه الفئة ترى أن مطالبات هؤلاء النساء ما هي إلا مطالبات بلا هدف ولا غاية منشودة، وأنهن يقمن بذلك لتمضية بعض الوقت فقط لا غير، ويستدللن على حججهن تلك بأفعال وسلوكيات من حسابات وهمية في برامج التواصل تدعي أنها مع هذه المطالبات وهي في الحقيقة ضدها، بل وتسعى لإفسادها.
الفئة الثانية: نساء ثقافتهن الدينية ضعيفة، لم يكلفن أنفسهن عناء البحث والتعمق والتفكر في دينهن، بل سلمن عقولهن لبعض المنتفعين من قمعهن وفرض الوصاية عليهن، فقاموا بتعطيل العقل وزرعوا في أدمغتهن أن المطالبة بهذه الحقوق خروج على طاعة الوالدين ومعصية للخالق، وفسوق لا غفران له. غلفن ممانعتهن بعادات المجتمع، وساعدهن في ذلك المتعصبون والجهلاء، ليكفروا كل من تحاول التغيير أو من تسعى له.
نساء هذه الفئة يستمتن في مجاهدة الأخريات ومن يختلفن معهن في الآراء والتوجهات، يقمن بتصرفات يتبرأ منها العقل، مثل الأخت المشهورة بـ"أم سلك". فيتهمن الأخريات في أخلاقهن، يقذفن في الأعراض، يشتمن ويهاجمن، يُخرجن من الجنة ويُدخلن في النار، وكأنهن وصيات الله على خلقه. أما الفئة الثالثة: فهن في رأيي الأسوأ على الإطلاق، نساء يمارسن "الاستشراف"، ويسعين لإرضاء الطرف الآخر بمحاربة هذه المطالبات، ومحاولة كسب إعجاب الذكور بما يفعلنه، لتجدهن في الخفاء يفعلن ما يحلو لهن دون أدنى خوف أو مراقبة، والأدهى والأمر أن بعضهن بكل جرأة تفعل هي ما تريد أمام الجميع وتحارب الأخريات! وقد حاولت أن أفهم أهداف مساعيهن وتصرفاتهن، ولكن دون جدوى. جميع هذه الفئات التي ذكرت رغم اختلاف أفكارهن إلا أنهن اتفقن في جهلهن بالهدف من هذه المطالبات، ولكوني إنسانة مَنّ عليّ الله سبحانه بأسلوب حياة مريح وميسر في تحقيق ما أسعى له، فليس من حقي "إنسانيا" الوقوف في وجه أخرى تعاني وتريد الحصول على حقها الشرعي بطرقها السلمية دون إثارة الفوضى، فإن لم أقف معها فلماذا أحاربها وأقف ضدها؟!
هن لم يعصين الله ولم يخرجن عن دينهن ولم يعقّوا أهلهن، بل على العكس أرى أن بعض المطالب هي من أجل راحة والديهن خاصة الأب كبير السن، ولكن زرعت بعض الألغام في طريقهن، وليس من الحق الوقوف ضدهن في انتزاع هذه الألغام.
أما المعارضون من الرجال لهذه المطالب فلهم أسبابهم الكثيرة الواهية والتي لا يقبلها لاعقل ولا منطق، ولا أريد الخوض فيها لأنها قد تحتاج مساحة أوسع في شرحها وتحليلها وفهم وجهة النظر فيها، لكن ما لفت نظري وشدني أن أحد تلك الأسباب الغريبة الشعور بالنرجسية وكأننا محور العالم! فتجد من يعارضها بحجة أنها مؤامرة غربية تستهدف عقيدة وعادات بنات الوطن، وتسعى إلى ضياعهن ونشر الفتنة بينهن، وأن أطراف هذه المؤامرة تخطط لتفتيت المجتمع عبر تحرير أفكار المرأة وحصولها على ما تراه حقا لها.
لا شيء أغرب من اعتبار تمكين المرأة وإجادة استثمارها في وطنها مؤامرة خارجية! وكأنه أمر سيئ وسلبي تمكين المرأة من أولوليات حقوقها كما في المجتمعات المتحضرة. فمع زيادة الوعي لدى المرأة السعودية وتطور الحياة وتقدمها، ومرورها بخطوات سريعة نحو الحداثة والعصرنة زادت معها متطلباتها وارتفعت قائمة احتياجاتها، وزادت معها المعوقات التي وقفت حاجزاً أمام تقدمها، وأولى تلك المعوقات جهل مثل هؤلاء من الرجال بحاجات المرأة وتهميش حقوقها، وحينما وقفت وقفة صامدة لتغيير نمط حياتها، حاولوا ثنيها، وعندما لم يستطيعوا اتهموها بخيانة الوطن أو القبيلة أو العائلة.. وكأنها قاصر يسهل إغواؤها تحت أي تأثير، فلا يثقون بعقلها ولا تربيتها ولا أخلاقها!
هؤلاء النساء ليسوا كما يعتقد البعض، وإن كانت هناك قلة معدودة فهذا أمر طبيعي، وليس من العدل أن نجعل
1 % مقياسا على 99 %، وليس من حُسن الصناعة والاستثمار في عناصر المجتمع وإعدادها إعدادا جيداً أن أطمس هوية النصف الآخر منه أو أهمشه.
تمكين المرأة والاعتراف بأهليتها والثقة برشدها لا يقتصر على نجاحها وحدها، بل يسهم في نجاح وتطور ونمو مجتمع بأكمله.