تنحتان في ضفاف أريكة بينهما شاطئان غافيان على موج بزرقة المساء.. حالمتان هما رغم ما حولهما من الأحاديث الصامتة.. كلّ تهيم في واد.. تجتمعان تارة على كلمات تكرر نفسها، ثم تنصتان إلى خفق السكون حولهما.. ليستا في عمر متماثل، لكن ما يجمعهما يعبر فوق العمر، ويطفو فوق السنين، ويرتل لحكاية تعبق بها ليالي الإناث الفارغة.. تركض المضيفة لتقدم ما تقتضيه الضيافة، لكن الأخرى تشعر بقدميها تفران لا تكملان حوارا، وكأن الحوار يطفو فوق مركب شراعي يريد أن يبحر في أيّ اللحظات.. ربما ليقصّ شغفه على السماء، وعلى الشمس، ويسند نبضه إلى القمر حين تعتم الطبيعة، فيستميت البشر في الاستكانة، والحب..
الحب.. كلاهما عنه تبحثان.. رغم الخجل في عيني من قفزت فوق الشط ليتتوج رأسها بالفضة، ورغم أن الأخرى التي تبدو مثل سيف يبرق بالوعود قد اطمأنت أن لا شيء يمنع من أن تبوح بالشوق إلى الرجل، وإلى الجسد الصلب المعشوشب بالحياة..
تهدأ وتستعيد تفاصيله.. ترتعش كالشمس قبل أن تسقط في قاع البحر..
تعود لتستبق الريق حين يعطش.. لست إلى الماء عطشى.. اجلسي.. إليه جوعى.. اهدئي.. لا مفر من الصخب أحيانا علّها ترعوي.. تسكب أمامها
القهوة.. إنها بلا وجه، مغلية جيدا كما طلبت.. أستغرب كيف تستطيعين شرب القهوة والنوم.. ومن قال لك إنني أريد النوم؟!
كالقطط متوحشة قد فاض بك اليأس من عناق قط عابر.. يبيت المواء مكتوما.. تموئين والحرمان يكحلك في ليال تنعتق فيها الروح من إسار الكينونة.. أعرف أنك تفتعلين التهرب من بوحي.. لا تعدّي علي سني عمري، اغرقي في تفاصيل شيبك، عدّي سني ولهي.. ولكن كيف لمثلك أن تعترف أن الوله يسكن الجلد ويقبع تحت الأظافر الشائخة، ويغرد.. تحتاجين مفاتيح عبقر حتى تستطيعي أن تدركي كنه الجسد حين يطرق نداءات الوله ولا من ملبّ..
قلقة على ضفة الأريكة الأخرى.. الليل يتطاول، وأصوات المتوحشين فرادى يجمعها قمقم مختوم بلذة الآبدين.. تشعر بالطحالب تنمو فوق أجساد
الاختمار.. يتشقق الجلد، ويزعق المارد.. شهرزاد تحبل بحكاية قد لا تولد.. إنها قد تشتهي الحب، لكن الليل يثلج ..