تظهر أرقام يبدو أن إجماعا حصل بشأنها، إحصاء خمسة آلاف مولود غير شرعي في الجزائر سنويا، وهو رقم يعكس الاختلال الموجود داخل مجتمع تدين الغالبية الساحقة من سكانه بالإسلام.
وكشفت شبكة “ندى” لحماية الطفولة ومن خلال برنامج “نحن في الاستماع” المخصص لحماية الطفولة عبر خطها الأخضر، عن تلقيها الآلاف من المكالمات من قبل أطفال وعائلاتهم تعرضوا لمختلف أشكال العنف ويعانون من صعوبات نفسية واجتماعية، وفي مقدمتها المشكلات الأسرية الناجمة عن الطلاق والأمهات العازبات اللائي يسعين لإثبات النسب عندما يحين وقت التحاق أطفالهن بالدراسة.
وتقول رئيسة جمعية “المرصد الجزائري للمرأة”، شائعة جعفري، “إن المشكلة الحقيقية في قضية الأمهات العازبات والأطفال غير الشرعيين، تكمن في غياب إحصاء دقيق ورسمي لهذه الفئة”، مرجعة السبب في ذلك إلى الحالات التي تقع في الخفاء ولا يتم الإعلان عنها، إلى جانب الولادات غير الشرعية التي تتم خارج المؤسسات الصحية.
ودعت جعفري الجمعيات الأهلية إلى تحمل مسؤولياتها من خلال التقرب من الأسر خاصة النساء وتوعيتهن بحقوقهن وواجباتهن خاصة في المجال الصحي، والتقرب كذلك من الشباب لنشر التوعية وسط المجتمع قبل حدوث “الخطأ”، منبهة إلى أن الجميع كان يحمل المسؤولية في الماضي للمرأة ذات المستوى الدراسي المحدود، ولكن الأمر يختلف اليوم بدليل وقوع العديد من الحالات لطالبات جامعيات جرتهن “لذة الحياة والهروب من المشكلات” إلى اقتراف ما لا تحمد عقباه.
لحظة وجيزة كفيلة بأن تقلب حياة البنت رأسا على عقب، وبين الضياع والمسؤولية والحيرة تبدأ رحلة المتاعب ويبدأ التفكير الجدي في مستقبل طفل لم يعترف به والده. تروي ليلى ذات الـ26 ربيعا والماكثة في البيت قصتها بحرقة كبيرة بعد أن ارتبطت بشاب خارج علاقة الزواج وحملت منه.
وتعترف سامية وهي أم عزباء بأنها دخلت في طريق مظلمة منذ حملها، خاصة بعد فشلها في التواصل مع المؤسسات الراعية والمتعهدة للمرأة الحامل خارج إطار الزواج. وتقول شاكية حالها “حاولت إقناع والد ابنتي بالزواج إلا انه رفض. كما أن عائلته رفضت التحدث معي. بعد الوضع واجهت ضغوطا نفسية وصحية كبيرة… حتى أني وجدت نفسي في الشارع. وبعد سنوات من المتاعب والتشرد وجدت عملا واستأجرت بيتا أعيش فيه حاليا مع ابنتي التي تحمل اسمي”.
يشار إلى أن القانون الجديد يوفر للأسرة في الجزائر، الحماية للأم والطفل على حد سواء ولا يخالف الشريعة الإسلامية، حسب قراءة المحامية مهدية سعاد مقراني، التي عالجت الكثير من القضايا المتعلقة بالأمهات العازبات وإثبات النسب. وتؤكد مقراني أن القانون لا يعاقب الأم العازبة ولا يتابعها في المحاكم إلا في حال ثبوت أنها ارتكبت جنحة في حق الطفل بإهماله والإساءة إليه. كما تعتبر أن نظرة المجتمع هي أشد عقاب لهذه الحالات التي تخلق مشاكلات عديدة سواء في ما يتعلق بالتكفل بالأم أو الطفل بحد ذاته الذي لم يرتكب أي ذنب.
وتشدد المحامية على أن قانون الأسرة الجزائري يضمن للأم العزباء الحق في التكفل بطفلها وحمل اسمها، مع السماح بالإبقاء على اسم الأب مجهولا في حال اختفائه نهائيا وعدم اعترافه بالمولود. كما أن للأم الحق أيضا في تعيين كفيل لابنها في حال ما إذا تعذرت عليها حضانته، في حين يمكن للطفل حمل اسم والده إذا ما اعترف به وأقر بذلك في جلسة مغلقة بالمحكمة. وحذرت المحامية من إهمال الأبناء من قبل الوالدين وما يترتب عليه من انعكاسات سلبية على دراساتهم وعلاجهم، حيث لا يمكن للقضاء في هذا الوضع إنصافهم بسبب غياب الأدلة.
ويعلق إمام مسجد القدس بحي حيدرة الراقي في أعالي العاصمة الجزائر، جلول قسول، عن موضوع “الأمهات العازبات”، فيقول “إن الأمر يسوده ظلم اجتماعي يقع على المرأة غالبا”، داعيا إلى وقفة اجتماعية وإنسانية حول ما يحدث في المجتمع نتيجة ظروف قاسية، وإلى التعامل مع مرتكبي هذه الأخطاء بالشكل الذي يتم فيه سترهم ودمجهم في الحياة العادية حتى لا تعم الفوضى.
ويؤكد قسول أن الإسلام منح المرأة كل الحقوق وأسقط عنها ما كان يرهقها، مشددا على أن الزنا هو من كبائر الذنوب وهو محرم لما له من عواقب خطيرة وآثار سلبية على الفرد والمجتمع والأسرة. وشدد المتحدث على أن الإسلام دين رحمة وأنه يجب التعامل مع “المخطئين” حسب الظروف لأن هناك صنفا من الأمهات العازبات تم الاعتداء عليهن وتم اغتصابهن، مستطردا بالقول “لا بد من التعامل برحمة مع هؤلاء النسوة، حتى لا تحدث فوضى في المجتمع”.
وانتقد الإمام ما سماه “الجهر بالمعصية” من خلال وضع النساء في مراكز خاصة تسمى “مراكز الأمهات العازبات”، لافتا إلى أن ذلك بحد ذاته جريمة في حق الفتاة، بل هو أكبر خطأ يقع فيه المجتمع الذي يبقى دوره الأساسي هو البحث عن سبل لتزويج تلك الفتيات وسترهن والتكفل بأولادهن بدلا من وضعهن في “مقابر” تنتظر شفقة المجتمع، أو الرمي بهن في مراكز “الموت الحقيقي” التي تنجب مجرمين وتخلق مشكلات نفسية عميقة للأطفال الذين تخرجوا منها.