يرى معارضو تقليد تعدد الزوجات المنتشر في جنوب أفريقيا أنه يمثل جزءا من التراث الأبوي العتيق، حيث يعتبرون أنه من غير المنصف السماح للرجال فقط بالزواج بأكثر من امرأة. بالرغم من ذلك يحظى تعدد الزوجات بقبول واسع على الصعيد السياسي، فالرئيس المحبوب جاكوب زوما نفسه متزوج من أربع نساء.
ويوضح موسى مسليكو (42 عاما) المتزوج من أربع نساء، ولديه تسعة أبناء، أنه يجب معاملة جميع الزوجات على قدم المساواة، سواء في توزيع الهدايا والطعام أو حتى في العلاقة الحميمة، مؤكدا أن هذا هو سر الزواج السعيد الناجح.
عندما تزوجت بوسيسوي في 2002، لم تكن تتصور أن زوجها يريد الزواج من نساء أخريات، لكن في 2007 تزوج من نوكوكانيا ماينيه، والتي تصغرها بأربع سنوات. “لم يكن بوسعي عمل شيء. حينما يقدم الزوج على شيء لا يسع المرأة أن تعترض”، تقول بأسف. وتضيف “بعد ذلك بعامين تزوج من اثنتين أخريين، أصغرهما في السابعة والعشرين، وأدى ذلك إلى نشوب خلافات، ولكن في النهاية كان علينا التعاون في ما بيننا ليسود السلام المنزل”.
أما عن الأبناء فإن أصغر أبناء مسليكو لم يتجاوز عمره الشهرين، بينما أكبرهم فقد تجاوز الثانية والعشرين، وجميعهم معتادون على مناداة جميع نساء المنزل “أمي”.
مسليكو رجل أعمال ناجح، وتمتلك كل واحدة من زوجاته سيارتها الخاصة، ومنزلا صغيرا أنيقا في أراضي الأسرة، الكائنة فوق إحدى ربوات كوامادلالا، ضمن مرتفعات كوازولو-ناتال التي تضم العديد من القرى تنتشر بها قطعان الأبقار، وتفصلها بضعة كيلومترات عن المحيط الهندي.
تشريعات جنوب أفريقيا واضحة في ما يتعلق بتعدد الزوجات: لا يجب الحصول على موافقة أي من الزوجات من أجل الزواج مرة أخرى، كل ما يطلب من الزوج هو تقديم أوراق تفيد بالوضع القانوني لممتلكاته، إلا أن هذا الشرط يتم التغاضي عنه، سواء سهوا أو عمدا.
كما لا تهتم السلطات بإحصاء شامل لعدد الأسر التي تعيش حالة تعدد الزوجات. ووفقا لاستطلاع رأي أجري على 8000 حالة عام 2003، فإن 25 بالمئة من المواطنين يقرون هذا التقليد ويمارسونه، وهذا يعني المئات من الآلاف من سكان جنوب أفريقيا.
وبحسب جوجوليزو مكهيزو، أستاذ ثقافة الزولو بجامعة كوازولو-ناتال، يقدر معدل تعدد الزوجات بين سكان جنوب أفريقيا من السود بنحو 10 بالمئة من إجمالي عدد السكان البالغ تعدادهم 56 مليون نسمة، 80 بالمئة منهم من أصحاب البشرة السمراء.
أما عن المشاهير الذين يمارسون هذه العادة، فيبرز من بينهم، بالإضافة إلى الرئيس زوما، زعيم قبائل الزولو الملك جودويل زويليثيني، حيث تشير وسائل الإعلام إلى أن الملك الشرفي يعيش مع ست زوجات ولديه 25 من الأبناء، وهذا يعد أمرا لا يذكر إذا ما قورن بملك سوازيلاند، مسواتي الثالث، والمتزوج من 15 امرأة، ولا يعرف عدد أبنائه.
تعتبر الغيرة بين الزوجات من أكبر المشكلات التي تنجم عن ظاهرة تعدد الزوجات. “هناك غيرة وشعور بالمنافسة”، يوضح سيهواوكيلي نجوباني، الأستاذ بجامعة كوازولو-ناتال في دوربان، مشيرا إلى أنه لهذا السبب ترفض الأجيال الجديدة من الزولو المتمدنة فكرة تعدد الزوجات.
ويقول الكاتب ماليبونجوي زابا من جوهانسبرغ “رأيت أسرا تتفكك بسبب هذه الظاهرة”.
تعتبر أماندا توبو (29 عاما) أن تعدد الزوجات ليس من بين اختياراتها، حيث أكدت قائلة “لا أعتقد أنه بوسع أي رجل أن يحب أكثر من سيدة في نفس الوقت”، فمن وجهة نظرها، “إنها وسيلة لكي يستحوذ الرجال من كبار السن على الفتيات الشابات”، مشيرة إلى أن عمها في الثانية والستين من عمره، و”هو من بلدة كوازولو-ناتال، تزوج مؤخرا من فتاة في الثامنة والعشرين من عمرها، أما زوجته التي تصغره بعشر سنوات فهو بالكاد يراها. الرجال يفضلون دائما البقاء مع المرأة الأصغر سنا”.
تحرم الديانة المسيحية تعدد الزوجات، ولكن هذا لا يمثل أي عائق أمام الكثير من سكان جنوب أفريقيا، ويبررون استمرار تمسكهم به بقلة عدد الرجال، مقارنة بالنساء، فضلا عن أن تعدد الزوجات يقلص من حالات الطلاق، وحالات الخيانة الزوجية، وبالتالي تجنب أطفال غير شرعيين، بحسب المدافعين عن هذا التقليد. وفي هذا السياق يقول المخرج مزازي “هناك مظاهر كثيرة لتعدد الزوجات بصورة غير شرعية في الكثير من الدول”، فيما يعتبر انتقاد بعض البيض لهذا التقليد، بينما تنتشر العلاقات خارج الزواج بينهم، نوعا من النفاق.
كما يبرز من بين أسباب تمسك قبائل الزولو بتعدد الزوجات، الحصول على بركة الأسلاف، فكلما أنجب الرجل عددا أكبر من الأبناء، كلما كان ذلك مدعاة لتكريمه وتشريفه عند رحيله إلى العالم الآخر، بحسب ما يوضحه هيلتون وايت عالم الإنثربولوجيا بجامعة ويتووترزساند بجوهانسبرغ.ويضيف الخبير أنه وفقا للمعتقدات التقليدية، تعتبر الأسرة الكبيرة مؤشرا على الرفاهية. بالنسبة إلى مسليكو على سبيل المثال فإن “أمورا مثل المال والسيارات، ليست سوى أشياء مادية، المهم هو إنجاب المزيد من الأطفال، لأن الإنسان فقط هو من يستطيع نقل المعتقدات بعد أن نرحل عن هذا العالم”.
تجدر الإشارة إلى أن غالبية المدافعين عن تعدد الزوجات يتمتعون بوضع مادي جيد، سواء من حيث المسكن أو الدخل المادي كما يتضح من المهر الذي يدفع لأهل الزوجة، والمسمى “لوبولا”، ويتراوح بين 5000 راند أي ما يعادل 360 دولارا و100000 راند، ما يعادل 7200 دولار، وهو مبلغ ضخم في بلد يعاني ثلث سكانه من وطأة البطالة.
ووفقا للعرف تدفع الـ“لوبولا” في صورة أبقار، كما جرى مع يوهان مزوبي، وهو مزارع في الـ65 من عمره، يعيش في بلدة كوامدلالا، مع أربع زوجات، ولديه منهن 22 ابنا و35 حفيدا. تعتبر زوجته ميلدريد ماتهوفي أن تعدد الزوجات أمر طبيعي للغاية. “إذا لم يكن هناك تعدد زيجات، ومرضت الزوجة من سيقوم بواجباتها؟”، تتساءل. مزوبي يوفر لقمة العيش لأسرته عن طريق عمله في زراعة الذرة والخضر وتربية الأبقار. ويؤكد الرجل العجوز “إنه لمن قوانين الطبيعة أن يكون للرجل أكثر من زوجة، لأن الرجل لديه طاقة جنسية أكبر”.