أجمع شهود عيان في ردهم على تساؤلات على أن نجاح المرأة الأمازيغية العصرية ومحاكاتها للحداثة، لا يعكس الحقيقة التي تعيشها في مسقط رأسها أو حيث بيت زوجها، وما حققته من إنجازات ثقافية واجتماعية وحتى سياسية، لم يكن ليتحقق لو لم يكن خارج محيطها، لأن سلطة التقاليد والمجتمع عند الأمازيغ تسمو على جميع السلط، بما فيها الدين وقوانين الدولة.
واللافت أن الهويّة الأمازيغية الواحدة تتباين تفاصيلها من جهة إلى أخرى لمّا يتعلق الأمر بالمرأة، فالحرية التي تنعم بها المرأة الأمازيغية التارقية ليست هي واقع الحال في منطقة القبائل بشمال الجزائر، ويكون أكثر قساوة عليها في المجتمع الميزابي (غرداية وضواحيها)، والسبب تأثر الموروث الأمازيغي بتراكمات المجتمعات المحيطة به كالعرب والأفارقة.
وتذكر الشهادات بأن المرأة التارقية في عمق الجنوب الصحراوي، ورثت حقوقا قديمة على الرجل فيما يتعلق بالإرث والزواج والطلاق والسكن وغيرها، رغم بدوية حياتها.
ويؤكد الشهود أن المرأة الأمازيغية سبقت اللوائح السياسية للمجتمع الدولي والدول الوطنية حول حقوق المرأة، فهي لا زالت تستقبل الزوج في بيتها وتمتلك عصمة الطلاق وإدارة شؤون الأسرة والبيت.
والعكس هو الحاصل في بلاد القبائل بشمال البلاد، فرغم نضالات المجتمع الأمازيغي لأجل الحقوق السياسية والثقافية، وقربها الجغرافي من الغرب الأوروبي، إلا أن سلطة الرجل والتقاليد لا زالت هي كل شيء، لدرجة حرمان المرأة من الإرث العائلي، ولا زالت الذهنية الذكورية تسطو على وجودها وحقوقها، لدرجة المصير السيء للزوجة التي لا تنجب ذكورا، وهو ما يتشابه كثيرا أو يتقاطع مع المحيط الثقافي والهوياتي الآخر (العرب).
ويكون الأمر أكثر قساوة عند المرأة الأمازيغية الميزابية، فإلى جانب هيمنة الرجل لا زال محيطها يحتكم لسلطة القبيلة والعادات المتوارثة، خاصة في ما يتعلق بالجانب الروحي المذهبي، ولا زالت المرأة الأرملة أو المطلقة أو المخطئة تعزل في جناح خاص إلى غاية أن تنتقل إلى بيت زوج جديد أو تلفظ الروح إلى بارئها.
وتقول الإعلامية شريفة عابد، بأن ما يظهر على المرأة الأمازيغية من تفتّح على الآخر ومواكبة تطور المجتمعات الأخرى، لا يتحقق إلا خارج محيطها، لأن واقع التقاليد وسلطة قرية "تاجماعت"، لا زالت هي السلطة التي تنحني أمامها جميع السلطات الروحية والوضعية.
وأضافت عابد "في المحيط الأمازيغي لا يمكن الحديث عن التشريع القرآني أو القوانين الرسمية للدولة بشأن الميراث العائلي للمرأة، لأن قداسة الأرض عند الأمازيغ غير قابلة للنقاش، ولا يمكن للمرأة أن تورّث لأنها ستجلب عناصر جديدة لأرض العائلة".
وإذ رسمت المرأة الأمازيغية صورا أسطورية عن بطولتها وشجاعتها، من الملكة الكاهنة إلى غاية مجاهدات ثورة التحرير الجزائرية، ومرورا بالثورة الشعبية التي قادتها فاطمة أنسومر ضد الاحتلال الفرنسي في منطقة القبائل، فإن الموروث الأمازيغي الذي قبل بها ملكة وقائدة، لا زال يحاصرها وهي زوجة وبنت، ولا زالت مكانتها تأتي بعد مكانة الأرض، ولم يكن ليرضى بها على ذلك النحو، لو لم تكن الأرض هي صلب الصراع.
فالملكة الكاهنة استطاعت أن تبني مجد دولتها من أقصى الشمال الأفريقي إلى أقصاه، ولم ترض بالأمر الواقع إلا بعد أن تحصلت على ضمانات بسلامة أرضها واحتواء جيشها في الجيش الجديد بحسب روايات تاريخية.
والقائدة فاطمة أنسومر، لم يكن لتمرّدها على سلطة الرجل أن يكون مقبولا من طرف محيطها، لو لم يكن الهدف هو الدفاع عن الأرض من سطوة الغزاة الفرنسيين، فدافعت عنها وماتت لأجلها، وهي جازمة بأنها لن تحل محلها في قلب الرجل الأمازيغي، ولن تنال نصيبها منها في أسرتها لأن التقاليد هكذا أرادت لها.
وتبقى المرأة الأمازيغية على تركيبتها النفسية والاجتماعية وسطوة التقاليد عليها، رمزا شامخا لهويّتها وعلى صلة دائمة بموروث مجتمعها، فهي المحافظة على عادات وتقاليد الهويّة مهما ابتعدت عن محيطها أو مهما ارتقت في منصبها، فاللباس الأمازيغي وطقوس الأعراس والاحتفالات والأعراف بارزة في شخصيتها وحياتها اليومية.
وتقول الإعلامية شريفة عابد، بأن حصر الزواج في المحيط الأمازيغي، ليس وليد تفكير عنصري كما يعتقد أو يروّج له البعض، وإنما لضرورة الحفاظ على أصول تربية الأطفال على الهويّة، وتعليمهم اللغة الأمازيغية حتى لا تندثر، خاصة وأن الواقع جعلها لغة شفهية وغير رسمية.
وأضافت عابد "في المجتمع الأمازيغي بتعدد تجلياته، يسود اعتقاد بأن اختلاط الأعراق عبر علاقات الزواج، يفتح الباب لاندثار الهويّة واللغة ولنشأة جيل جديد لا يتصل بالبعد الثقافي المحلي".
العرب